حتى العاملين مطار (كولومبو) رفضوا ختم جواز سفر الرئيس السريلانكي الطاغية (غوتابايا راجابكسا) فهرب إلى مطار جزر المالديف بعد أن اقتحمت جماعات الأهالي المحتجين قصر الرئاسة ووقع الأطفال (يتلعبطون) في مياه حمام سباحته الخاص..! إنهم الطغاة لا يعتبرون..
مثلهم مثل المخلوع البشير والقذافي وموسوليني وسالازار جزار البرتغال وزين العابدين بن علي وشارلس تايلور في ليبريا وبول بوت كمبوديا وعيدي أمين والجنرال سيموزا في نيكاراغوا..! إنهم لا يعتبرون إلى أن تحل الآزفة وتقع الواقعة..وهذا ما ينتظره بقية الطغاة الذين لا زالوا يتنفسون الهواء بين الطحالب مثل الفقمة وفرس النهر..!
إنها القصة المعهودة للطغاة الذين لا يعتبرون ويظنون أن الشعب قد استكان لهم..فيتمادون في القهر ويطنبون في القتل ويسبطرّون في النهب مثلما حدث في السودان حتى وصل الأمر إلى إبادة المواطنين و(نهب القروض) ونشل البنك المركزي ونقل المال العام إلى بيوتهم كما فعل المخلوع ولا اعتبار..! ومثلما يحدث الآن من نهب صريح لموارد البلاد من الذهب بمعونة جماعات وكارتلات لصوص دولية (سكسونية وسلافية) بإسمها ورسمها..
وتأتي طائراتها (الشارتر) والخاصة وتهبط فتحمل وتعبئ وتطير.. وتأتي كونتيرات المخدرات إلى ميناء البلاد تحت حماية السلطة ويتم استخدام مطار البلاد الرئيسي في التهريب (عينك عينك) فليس للفساد من حدود عندما تنام النواطير.. وليس للسفه الانقلابي وحكم الطغاة من ناهٍ ولا وازع..!
كان يعدّون الرئيس السريلانكي الهارب بطلاً في بلاده لأنه قاد حروباً أهلية دموية انتصر فيها بالقوة الجبرية على أبناء بلاده من التأميل انتصاراً للاثنية السنهالية الحاكمة.. وانتهى هارباً بغير ختم على الجواز..! لقد فزع عندما شاهد المتظاهرين يقتحمون عليه قصر الرئاسة فهرب مع زوجته وحارسة الشخصي فقط وشنطة الفلوس.. ولا بد أنه ترك وراءه الآلاف من صنف (التوم هجو)..
لقد تركهم لمصيرهم .. ولا اعتبار..!! هل يمكن أن تبلغ البلاهة بشخص يقول أنه سياسي ليهتف بعدم الرجوع للبيت إلا بعد إذاعة بيان الانقلاب..؟! ذكرنا هذا الرجل من (تحالف الموز) علي سبيل المثال.. ولكنه في الحقيقة ليس بسياسي.. إنما هو بقّال لا يوفي مهنة البقالة المحترمة أصولها..!
حصيلة حكم الطاغية السريلانكي فسادٌ واستبداد وغياب عن الواقع واضطهاد للشعوب وانغماس في السرقات.. حياة بذخ وبطانة سوء.. وسوء إدارة للاقتصاد والعلاقات الدولية وتجفيف للعملات الأجنبية والعجز عن تمويل الضروريات والفشل في سداد الدين الأجنبي الذي تراكم حتى بلغ 51 مليار دولار.. والزج بسكان البلاد (22 مليون نسمة) في أتون الجوع والفقر والمرض وضيق المعيشة واستنفاد إمدادات النفط الشحيحة وإغلاق المكاتب والمدارس لتخفيف حركة السير..
(مثل انقلاب البرهان الذي جعل من السودان دولة المعاناة الشاملة).. وعندما ضاق الخناق عليه هرب أولاً إلي منشأة بحرية ثم إلى قاعدة عسكرية وهو يساوم بالاستقالة والتنحي ونقل السلطة..ثم التسلل بين المطارات..ثم الهروب الذليل… ولا اعتبار..! (ولكن طاغية سريلانكا للحقيقة كان أقل دموية من انقلاب المخلوع وانقلاب البرهان)..!
في مقر إقامة الرئيس الهارب عثر المتظاهرون على ملايين الروبيات والعملات وسلموها للمحكمة العليا..ودخل الأهالي إلى قصور الرئاسة وعيونهم تكاد تقفز من محاجرها من مظاهر الفخامة التي لم يحلموا أن يروها في بلادهم وشوارعهم الموحلة الغارقة في الفقر والظلام..!
وقبل الهرب حاول راجابكسا المناورة والالتفاف بتعيين رئيس وزراء من صنف (التجاني السيسي) اسمه “رانيل ويكرمسينغ” لإلهاء الناس عن الأزمة الخانقة لتكون هذه سادس مرّة له في المنصب.. وقام المحتجون هذه المرّة بإضرام النار في منزله..!
وبعد استمرار الاعتصامات لأكثر من ثلاثة أشهر أعلن المتظاهرون أمام القصر الرئاسي أنهم لن يغادروا المكان إلا عندما يعلن راجابكسا استقالته رسمياً وخطياً… بينما كان شعار اعتصام الموز أنهم لن يغادروا حتى يصدر بيان الانقلاب..! ولا اعتبار..!
الطغاة متشابهون ولا يعتبرون بما جرى لأمثالهم..! فمتى يترجّل الطغاة الجهلة لينضموا إلى إخوانهم السابقين في (مقاعد الخزي)..
قبل أن تجبرهم المآلات الحتمية إلى الهروب في (مراكب العار)..؟