لمْ تتغيّر السيناريوهات المنظورة لحرب روسيا في أوكرانيا، والتي وضعها المجلس الأطلنطي مع بدايتها في 24 فبراير الماضي. ومضت أكثر من 140 يوماً، وتلك القراءة لاحتمالات خط سير الحرب لا يحدُث فيها غير إعادة تحديث شرح وتوضيح وتكييف كل سيناريو استنادا على تطورات المعارك التي لمْ تعُد عسكرية فقط، وإنّما اقتصادية وأشعلت ازمه في إمدادات الطاقة وأسعارها وتكاد تتحول لأزمة غذائية متوقّع أنْ تمسِك بكل العالم إذا لمْ تتوقّف الحرب. فما هي تلك السيناريوهات الأربعة، وما هو الجديد حولها؟
قبل أنْ نبحث عن إجابات، دعونا نبدأ أولاً باستعراض مسارات المعارك والحرب وما خلّفته حتّى الآن، والانتصارات التي حقّقها طرف وبالتالي تراجُع الآخر، عِلماً بأنّ المعادلة المعكوسة صحيحة، الأمر الذي يفْرِض النظر في احتمالات مواجهات حاسمة قادمة.
قبل ثلاثة أشهر، ومع تشويه صورته بعد هجوم قواته على كييف، حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحقيق نجاح من شأنه أنْ ينْقِذ سمعته وأعاد توجيه الحرب في أوكرانيا إلى شرقها. ومع انتهاء الهجوم البطيء والدامي في لوهانسك بالاحتلال الكامل للمنطقة الانفصالية، يمكن اعتبار زعيم الكرملين في منتصف الطريق فقط وقد وصلت الحرب إلى مفترق طرق آخر، ويستعد المقاتلون الآن لمواجهة ثالث قد تقْلِب ميزان الصراع.
الشاهد أنّ أي مراقب مُسْتَقِل يرى جيشين مُنْهكين يتقاتلان في شرق أوكرانيا، فهل يُمْكِن لأي منهم أنْ يوجه ضربة قاضية؟ تبدو الإجابة على هذا السؤال مستحيلة في الوقت الحالي، والشيء الوحيد المؤكد هو أنّ الجبهة الأوكرانية أصبحت مسرحاً لحرب استنزاف بين معسكرين تكبّدا خسائر فادحة ووصلا، تقريباً، حدّ الإنهاك، وتلك خُلاصة ركّزت عليه الصحف الغربية ومنها الرومانية وبالأخص (جورنالول ناتسيونال) واسعة الانتشار في تقريرها الذي كتبه الصحفي شيربان ميهاييلا.
- دروس لوهانسك:
الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحرب الشاقة والدموية في دونباس بالكاد تشبه بداية الغزو الروسي، الذي شهد توغلات مُتفرِّقة من الشمال والشرق والغرب، بلغت ذروتها بإخفاقات لاذعة لجيش بوتين في محاولته احتلال كييف بسرعة وغيرها من المدن الرئيسية في أوكراني، وهو ما يطلق عليه العديد من المراقبين الغربيين “الفشل الأولي”، فيما يرى الكرملين، بالطبع، أنّ ما أطلق عليه “العملية العسكرية الخاصة” تسير كما يجب وكما خُطِّط لها. وبالفعل، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم 30 يونيو الماضي خلال زيارته إلى تركمانستان أي بعد مرور أكثر من أربعة أشهر من حرب روسيا على أوكرانيا “إنّ العمل يسير بهدوء ومنهجية والقوات تتقدم وتصل إلى أهدافها المحددة لكل مرحلة من مراحل المجهود الحربي”، وقد نقلت وكالة (تاس) الروسية للأنباء عن بوتين القول إن “كل شيء يسير وفق الخطة”.
عموما، إنْ كانت المقاومة الأوكرانية أجبرت موسكو على التراجع من حصار كييف وأوقفت تقدم قواتها صوب غرب نهر دنيبرو ونتج عن ذلك ما اصبح يعرف بـ “الفشل الأولي”، أو أنّ توجهها شرقاً كان ضِمن خطّة العملية العسكرية الخاصة، فإنّ جهود الكرملين بإعادة توجيه القوات أدّت إلى تضييق مساحة الهجوم الروسي مُركزاً على غزو لوهانسك في مسيرة إلى دونيتسك، حيث جرى تركيز معظم موارد موسكو العسكرية.
ونقلت شبكة (سي ان ان – CNN) عن ماكس بيرجمان، مدير البرنامج الأوروبي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية قوله “في المرحلة الثانية من هذه الحرب، عادت روسيا إلى الأساسيات”، وتحقق بذلك التقدُّم البطيء للقوات الروسية التي انتصرت خلال الأسابيع الأخيرة في عُدّة معارك بالمدن الاستراتيجية، وفوق ذلك انكشفت حقيقة قدرات الترسانة الأوكرانية. ويضيف بيرجمان “استخدم الروس أعدادهم المتفوقة من القوات والمدفعية وقصفوا القوات الأوكرانية، ولكنهم كانوا يتصرفون بوتيرة بطيئة”.
وبدأت مزايا الأسلحة والقوة النارية الروسية في الظهور، ويقول حولها جوستين برونك، المحلل العسكري البريطاني بمركز أبحاث المعهد الملكي للخدمات المتحدة “يمكن أنْ تتركّز كل الحرب الإلكترونية الروسية والدفاع الجوي والتشكيلات المدرعة في مناطق صغيرة جداً، مِمّا يسمح لهم بخلق تفوق محلي على مواقع أوكرانية أوسع وأكثر دفاعية”. ويختم بيرجمان تقييم المراحل الأولى للحرب بأنّ الجولة الأولى كانت أشبه بمقاومة ناجحة قامت بها أوكرانيا وسدّدت بها ضربات موجعة للعدو، وفي الجولة الثانية انتصر الروس بالنقاط! - الوصول إلى مفترق الطرق:
تركت ثلاثة أشهر من الحرب بصماتها على كلا الجانبين، وقد جلب غزو لوهانسك جيشين منهكين إلى نقطة فاصلة. ويتوقع الجميع أنْ تكون الخطوة التالية لبوتين هي الهجوم على منطقة دونيتسك، والتي إذا تمّ الاستيلاء عليها، سيتحقّق الهدف الرئيسي للكرملين، باحتلال منطقة دونباس بأكملها في شرق أوكرانيا، وهي المنطقة التي توجد فيها الفصائل الانفصالية المدعومة من روسيا منذ عام 2014. بيد أنّه من غير الواضح متى وكيف سيحدُث هذا.
وبينما تواصل روسيا الضربات الجوية على جبهات مختلفة في أوكرانيا، يعتقِد معهد دراسات الحرب (ISW) وهو مركز أبحاث مقره الولايات المتحدة تأسس عام 2007، أن القوات الروسية في منتصف (فسحة) بين العمليات من أجل “الراحة والتعافي وإعادة تنظيم نفسها”.
ويرى المعهد “من المُرجّح أنْ تستمرّ القوات الروسية في حصر نفسها في العمل الهجومي الصغير مع استعادة قوّتها وتهيئة الظروف لشنِّ هجوم أكثر أهمية في الأسابيع أو الأشهر المقبلة”.
في الواقع، وبعد الاستيلاء على لوهانسك، تباطأت وتيرة المكاسِب الإقليمية الروسية الأسبوع الماضي. ولا ريب أنّ فوائد شكل معين من التوقّف المؤقت لكلا الجيشين واضحة، فالقوات الروسية المُنهكة تحتاج إلى التعافي قبل هجوم جديد واسع النطاق، في حين أنّ الجيش الأوكراني بصدد تلقي مُعِدّات عسكرية غربية والتعرُّف والتعوّد عليها. وخلال هذا الاستراحة، يمكن للأوكرانيين الاستعداد للدفاع عن مناطق دونيتسك التي ما زالوا يمتلكونها والقيام بهجوم مضاد في أجزاء أخرى من البلاد.
وبرأي ماكس بيرجمان “يبدو الوضع في حالة ركود، لكنه توازن غير مُسْتَقِرّ للغاية ولا نعرف في أيِّ اتِّجاه سينكسِر”، ويقول شارِحاً قراءته “خلف الكواليس، سيكون هناك جهد محموم من الجانبين للتحضير لهجمات مستقبلية، والمُعسكر الذي سيستخدم هذه الفترة بشكل أكثر كفاءة يُمْكِن أنْ يستفيد عندما تُستأنف المعارك الكاملة”.
قد لا تكون المرحلة التالية من القتال واسع النطاق هي الأخيرة، لكنها ستحدِّد على الأرجح مُستقبل المنطقة الوسطى في أوكرانيا. ويقول خبراء في الشئون الأمنية أنّها ستقدِّم مُساهمة حاسِمة في تحديد نتيجة الحرب. - 4 سيناريوهات لانتهاء الحرب:
وضع المجلس الأطلنطي أربعة سيناريوهات للحرب في أوكرانيا مُنذ الشهر الأول من الغزو الروسي، وقام بتحديثها على ضوء التطورات الجديدة في أرض المعركة.
ووفقا لتقرير المجلس الذي استعرضته الصحفية كريستينا ايني في صحيفة (اديفارول) الرومانية، كانت العوامل التي أخِذت في الاعتبار هي الدعم العام والمساعدات الدولية لأوكرانيا، والرغبة في القتال من قبل جيش الدولة التي تعرضت للهجوم، وتضامن دول حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوربي معها. - السيناريو الأول ومعجزة نهر دنيبرو:
يتنبأ باحتمالات تعتبر معجزة خارقة تقريباً، تنجح فيها المقاومة الأوكرانية القوية لإجبار القوات الروسية على الانسحاب السريع بعد أنْ توقِف تقدمها عند نهر دنيبرو لتتراجع منه. بعض من ذلك حدث، وتراجعت بالفعل القوات الروسية وأعادت تجميع نفسها وركّزت عملياتها في شرق أوكرانيا حيث تجد الدعم والمساندة من اغلبيه سكانه الانفصاليين.
اليوم، يبدو أنّ انتصار أوكرانيا لمْ يَعُدْ بعيد المنال، وبذا يصبح تطوّر السيناريو الأولي على النحو التالي: مع تعزيز تسليم الدول الغربية الأسلحة الفتّاكة للقوات الأوكرانية، وتجهيزها بشكل أفضل بتكتيكات القتال المُتفوِّقة، تقاوم أوكرانيا الهجوم الروسي في الشرق وتطلق هجمات مضادة قوية تحقِّق طرد الروس من منطقتي لوهانسك ودونيتسك المحتلتين ومن الجنوب أيضاً، وكذا استعادة ماريوبول والأراضي الواقعة على طول شواطئ بحر آزوف، ثم تنطلق لإعداد هجوم على شبه جزيرة القرم.
على إثر ذلك، يقوم الكرملين بتصعيد تهديداته، ومع احتمال قيام القوات الأوكرانية بهجوم على شبه جزيرة القرم التي تعتبر خطاً أحمر لموسكو، فإنّ أجهزة الاستخبارات الأوكرانية والغربية تأخُذ خطر حدوث تصعيد نووي للصراع على محملِ الجدِّ. وعندها يصبح الوقت قد حان لروسيا وأوكرانيا للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب وفق المعادلة التالية: توافق أوكرانيا على عدم مُتابعة طموحاتها لعضوية الناتو، بينما تتعهد روسيا باحترام حدود ما قبل عام 2014 باستثناء شبه جزيرة القرم التي سيستمرّ وضعها غير الواضح بتأجيل القرار النهائي حولها إلى أجل غير مسمى – وبالمقابل لا تعارض روسيا انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي.
وبالرغم من احتجاجات موسكو، ستجري على قدمٍ وساقٍ عملية إحياء المجتمع الأطلسي فتتمتع فنلندا والسويد بصعود سلمي إلى عضوية الحلف. وعلى خلفية كل ذلك التغيير يتحسّن الوضع الأمني في أوروبا بإضعاف روسيا وبالتالي إحباط أي فكرة لمغامرات عسكرية أخرى تقوم بها.
ومن جهته سيتحدث فلاديمير بوتين عن نصر وتحقيق أهداف ما أطلق عليه “العملية العسكرية الخاصة”، ويحوِّل انتباهه إلى تعزيز قوته الداخلية التي حتماً ستصبح ضعيفة بعد الحرب والتي بالتأكيد ستؤدي إلى ضعضعة قوته الإقليمية وتجعل الدولية في حالة لا تُحسد عليها. - سيناريو المأزق:
في الشهر الأول من الحرب، كان السيناريو الذي تحتل فيه روسيا كييف وتطيح بالحكومة وتنصِّب قيادة دُمية موالية لموسكو، كان أمراً مُرجّحاً للغاية. وفي الوقت نفسه، كان من المُمْكِن أنْ يكون انتصاراً مُكلِّفاً للغاية لروسيا بعد أنْ ردّ الأوكرانيون بمقاومة واسِعة النطاق ومُنسّقة جداً.
ومع ذلك، يحافظ هذا السيناريو اليوم على عناصر صراع مُنْخَفِض الحِدّة وقد يتجه ليصبح نزاعا مجمّداً. وبرغم عدم قدرتها على تحقيق أهدافها القصوى، تمكنت روسيا من حفر مواقع دفاعية على طول خطوط الجبهة الشرقية والجنوبية الجديدة، والدفاع عن ممر برّي إلى شبه جزيرة القرم وحماية المناطق الانفصالية في دونباس. ومن الناحية المقابِلة، قامت القوات الأوكرانية بتأمين العاصمة وتمكنت من الحفاظ على سيادة البلاد، لكنها لمْ تتمكّن من إخراج القوات الروسية من الأراضي التي سيطرت عليها بعد 24 فبراير. ونتيجة لذلك، ستتحوّل الحرب إلى صراع مُجمّد لا يحقِّق فيه أي من الطرفين نصراً حاسماً.
ولا ننسى أنّ إطالة أمد الحرب واكبه عبء اقتصادي على أوروبا بسبب العقوبات الواسعة المفروضة على روسيا. ويلوح في الأفق احتمال نشوب صراع مُكثّف أو موسّع في القارة، حيث تواجه الحكومات الأوربية ضغوطات داخلية على استمرار دعمها لأوكرانيا. وبالمقابل تسعى روسيا إلى ترويع كييف والمدن الغربية الأوكرانية بالهجمات الصاروخية بعيدة المدى.
ولا ريب أنّ المُتحرِّك في ارض المعركة هو تلقي أوكرانيا المزيد والمزيد من الأسلحة الغربية ونجاحها في صد الهجمات البريّة، ولكن الثابت هو أنّها لا تملِك القُدرة على استعادة الأراضي الانفصالية أو تحطيم الدفاعات القوية للمواقع الروسية.
والثابت أيضاً أنّ الاقتصاد الأوكراني مدعوم بعلاقات قوية مع الاتحاد الأوروبي، إلّا أنّ المُتحرِّك، ولو إلى حين، هو تأثُره بشِدّة من حصار البحر الأسود، مِمّا يمنع كييف من تصدير القمح.
إذن، لا نهاية للحرب لأنّ أيّاً من الطرفين ليس على استعداد للتخلي عمّا استثمره في السُمعة والقوات المقاتلة والمال.
داخلياً، يمكن لبوتين أنْ يبرِّر بعض انتصار بالمكاسب الإقليمية في شرق وجنوب البلاد وتوفير ممر برّي لشبه جزيرة القرم، لتنتج آلته الدعائية ميدالية نصر يوشّح بها صدور جنوده وقادة جيشه. ولكن سيبقى الوجه الآخر للميدالية المعدنية، أنّ بلاده تتعرّض لضغوط اقتصادية ودبلوماسية حيث تقلِّص أوروبا اعتمادها في مجال الطاقة على روسيا وتواجِه موسكو عقوبات غربية. وعليه يبقى السؤال هو، أي وجه من وجهي الميدالية سيكون له التأثير القوي على مستقبل فلاديمير بوتين في الكرملين؟ - سيناريو الستار الحديدي الجديد:
كان السيناريو السابق الذي تحتل فيه روسيا كييف وتطيح بحكومتها وتنصِّب قيادة موالية لها وتركِّع المقاومة وتتقدّم قواتها إلى حدود أراضي الناتو – كان معقولاً ومفهوماً تماماً في الشهر الأول من الحرب.
في المستقبل القريب، ستعمل روسيا على تعزيز مكاسبها الإقليمية في الشرق والجنوب، ولكن من المُرجّح أنْ تندلِع الصراعات في أي وقت بالقرب من هذه الحدود، ومن الصعب على الجانبين الحفاظ على أيِّ مُكتسبات.
ستمثِّل هذه الحدود الخطوط الأمامية للستار الحديدي الجديد الذي يفصل روسيا عن الغرب، ولكنه يتجاوزه – ليمتد من أقصى شمال فنلندا، ويستمرّ جنوباً على طول حدود دول البلطيق وبولندا مع روسيا والحدود الشمالية لأوكرانيا مع بيلاروسيا إلى الأراضي المحتلة في الشرق والجنوب.
وستسعى روسيا، المعزولة كدولة منبوذة في معظم أنحاء أوروبا، إلى تعزيز شراكاتها القليلة المتبقية في الوقت الذي تستعِد فيه لمواجهة مُمْتدّة مع الناتو وحلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين الآخرين.
ستبقى أوروبا في وضع مشابه للحرب الباردة المُبكرة: كتلتان معاديتان تحدِّقان في بعضهما البعض عبر حدود عسكرية طويلة. وعلى الرغم من أنّ الانقسام الأيديولوجي لمْ يكُن على نفس المستوى الذي كان عليه خلال الحرب الباردة السابقة، لا يزال هناك صدام أساسي في وجهات النظر العالمية حيث يقاتل تحالف غربي ديمقراطي ضد روسيا ويصفها بالاستبدادية، فيما يراها متصفحون للتاريخ إمّا في حالة دفاع أمام تمدُّد الناتو وصولاً لخصرها، أو دولة تمسك بها حالة انتقامية. - السيناريو الرابع.. حرب الناتو – روسيا:
لا يزال مثل هذا السيناريو المُخيف بعيداً عن التحقُّق كما في الشهر الأول من الحرب، ولكنه ليس احتمالاً خارج الحسابات. ولعلّ وسائل حدوث مثل هذا الصراع بتدخل الناتو أو هجمات – متعمِّدة أو عرضية – تقوم بها روسيا، ستكون كما يلي: - تقلّ احتمالية تدخُّل الناتو المباشر في أوكرانيا عمّا كانت عليه قبل أربعة أشهر، نظراً لأداء الجيش الأوكراني المُبشِّر في ساحات المعارك، مع مُراعاة أنّه في الوقت الحالي قلّل الأوكرانيون كثيراً من طلباتهم مشاركة الناتو المباشرة لفرض منطقة حظر على أجواء بلادهم. ومع ذلك، وكما كان من قبل، يمكن أن تتغير هذه الحسابات.
- الشاغل الأكبر يتمثّل في التصعيد الروسي، لا سيّما في حالة استخدام أسلحة كيماوية وبيولوجية، أو في الحالات القصوى، أسلحة نووية تكتيكية، علماً بأنّ أيّ من ذلك قد يؤدي إلى تدخل مباشر من الناتو.
- يمكن لروسيا أنْ تضرب عن غير قصد أراضي دولة عضو في الناتو بالقرب من الحدود مع أوكرانيا أو في أي مكان آخر، رُبّما في منطقة البلطيق، نتيجة لفشل في المعدات والأجهزة الذكية أو سوء تقدير المُشغِّل.
- وكما في السابق، لا يمكن استبعاد حدوث دوامة من الاشتباكات الحدودية التي تؤدي إلى أعمال عدائية مفتوحة. وعلى الرغم من أنّ بوتين قد يُعاقب على أداء جيشه، فمن المُحتمل أنّه بدافع اليأس أو الخِداع (أو كليهما) يشْعِل حرباً مع الناتو بظنِّ أنّ لديه القُدرة على إبقاء الصِراع عند مستوى محدود وأنّه قادر على إدارته عسكرياً، واستخدامه داخلياً لتعزيز سلطته وتغذية مكنته الدعائية التي لا تحافِظ حاليّاً على تماسُكها وقوة عملها إلّا بالحرب ضد الغرب.
- الوقت يعمل لصالح روسيا!
تبقّى القول، في حين أنّ أيّ من السيناريوهات المذكورة أعلاه مُمْكِن الحدوث، إلّا أنّ هناك العديد من الأمور المجهولة التي تمنح أيّ منهم عدم اليقين، ومنها: - مقدار الدعم العسكري (ونوعه) الذي سيستمِرّ الغرب في تقديمه لأوكرانيا؛
- مدى الدعم الشعبي الذي سيتِمّ الحفاظ عليه في الدول الغربية لتخصيص موارد كبيرة لمساندة أوكرانيا؛
- ما إذا كان الحلفاء والشركاء الغربيون سيوحِّدون قواهُم لفرضِ جولات إضافية من العقوبات والخروج نهائياً من الاعتماد على الطاقة الروسية؛
- وأخيراً، ووفقاً لتحليل المجلس الأطلسي، ما إذا كان بوتين سيواجه تحديّاً لسلطته داخلياً، أو ما إذا كان سيتخذ قراراً مُتسرِّعاً وبعيد المدى، مثل استخدام الأسلحة النووية التكتيكية أو تحدي الدخول في مواجهة مباشرة مع الناتو.
وقبل أنْ نختِم يجِب الإشارة إلى أنّه بعد 141 يوماً من بداية الحرب في أوكرانيا، يعتقد روجر هوسن الخبير في شئون الدفاع أنّ الوقت يعمل لصالح الروس، وبوتين يدرك ذلك، ويضيف “انّ روسيا بعيدة عن الهزيمة”. وعلاوة على ذلك، في تقديره إنّ أوكرانيا ستواجه المزيد من الصعوبات في الفترة المقبلة، ويقول “هناك قضية رئيسية في هذا الصراع تتعلق بالتضامن الغربي ومدى قوته ووحدته. وستكون الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة التي ستجري أوائل نوفمبر القادم بمثابة اختبار، فإذا فقد الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب، سيتعين أنْ نرى ما سيحدث للدعم الأوروبي إذا نفد من مستودعاتها الغاز الروسي قبل دخول الشتاء المُقْبِل، وعليه قد تجِد أوكرانيا نفسها في وضعٍ مُعقّدٍ للغايةِ وبوتين يعرف ذلك جيداً”.
هل ما زال بوسع روسيا الانتصار في أوكرانيا؟
بعد أيام فقط من إحكام قواته سيطرتها على يسيسيانكس، وهي آخر مدينة في مقاطعة لوغانسك الشرقية تفقدها كييف، قال الرئيس فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي “إنّ بلاده في حالة حرب مع أوكرانيا مُنْذ ما يقرب من خمسة أشهر ولكن “لمْ يبدأ شيء جاد حتى الآن”، علماً بأن حصوله على يسيسيانكس خطوة مهمة في حملته لغزو منطقة دونباس الأوكرانية بأكملها.
ويرى مراقبون أنّ الحرب في أوكرانيا تدخل مرحلة ثالثة يكون فيها استنفاد قوات كل طرف هو العامل الحاسم. وتستطيع المدفعية الروسية التي لا يمكن إيقافها الاستمرار في التقدُّم وفي النهاية فرض سيطرة كاملة على دونباس – وهي تفعل ذلك على حوالي ثلاثة أرباعها في الوقت الحالي.
ويستطيع بوتين بعد ذلك إعلان النصر والمطالبة بالسلام، لتنتظر موسكو أنْ تدفع العواصم الغربية كييف للتوصل إلى اتفاق تحت ضغط توقف إمدادات الطاقة من روسيا.
ومع ذلك يجِب الأخذ في الاعتبار أيضاُ أنّ أوكرانيا حصلت على صواريخ بعيدة المدى من الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة، مِمّا قد يسمح لها بقطع خطوط الإمداد الروسية وبالتالي التأثير على قوة مدفعيتها. قد تكون الطريقة التي ستستخدم بها كييف القدرة الهجومية الجديدة في الأسابيع المقبلة هي المفتاح لتحديد نتيجة الصِراع ومن المُرجّح أنْ التدريب الغربي للمشاة الأوكرانيين لا يقلّ أهمية عن توريد الأسلحة.
وعلى الرغم من التقدُّم المُستمِرّ والخسائر الفادحة، يمكن لروسيا استخدام تفوقها لهزيمة أوكرانيا في حرب استنزاف بطيئة، كما أنّ أقوى موقف لروسيا يقع خارج ساحة المعركة بحصارها البحر الأسود الذي يؤثر على الاقتصاد الأوكراني، مع انعكاسات عالمية على ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وفي الوقت نفسه تشدِّد روسيا قبضتها على أوروبا بالحدِّ من تدفُق الغاز هذا الصيف والتهديد بإيقافه تماماً فيدخل الشتاء والمستودعات الأوربية تعاني نقصاً في تخزين احتياجاتها. ولا غرو أنّ بوتين يعتمد على الألم الاقتصادي الذي يحدثه التضخم ونقص الغاز وبالتالي إجبار العواصم الأوروبية التأثير على كييف لإنهاء الحرب لصالح روسيا التي ستؤشر على تحقيق أغلب أهدافها الاستراتيجية أو المُمْكِن منها.