لازلت اذكر الامتحان الشفهى للجزء الثانى من امتحان تخصص الباطنية، حيث امتحننى العالم النحرير البروف الضو مختار، رحمة الله عليه، ومعه الممتحن الخارجى..
وبعد نهاية الامتحان، قال لى البروف هذا السوال خارج الامتحان: هل قرأت لجابريل غارسيا !؟
فأجبته: بنعم..
فقال لى، رحمة الله عليه: اى الروايات قرأت !؟
فقلت له: خريف البطريق، جنازة الأم العظيمة، اجمل رجل غريق فى العالم الحب فى زمان الكولرا، الجنرال فى متاهاته..
فقال لى: لكنك لم تذكر أهم رواياته التى كانت سببا فى أن يعطى جايزة نوبل للآداب!!
فقلت له: لقد نسيتها (وهى رواية مائة عام من العزلة)
فقال لى: اى نسخه مترجمة قرأت !؟
فقلت له: النسخة اللبنانية..
فقال لى: هل اشتممت منها أن السودانيين قد نقلوا الحمى الصفراء لأمريكا الجنوبية أم هو تشويه للحقائق!؟
فقلت له: انى لم أفهم السوال!!
فضحك ضحكتة الطفولية، وقال لى: هل تذكر عندما كان غارسيا يتحدث عن السودانيين وهم يسببون المشاكل داخل البارات !؟
وكيف أنه جعل من إحدى بطلات روايتة تطير فى السماء فى يوم زواجها من اورياليانو الثالث متأثرا بالفكر الصوفى (الشيخ طار والشيخ ركّ)
فسألت البروف بغباء لا يحسدنى عليه احد: وهل هولاء السودانيين الذين ذكرهم غارسيا هم سودانيين جد جد!؟
فقهقه البروف، وقال لى: نعم، هم اورطة سودانية، قام الخديوى بإرسالها لأمريكا الجنوبية فى عام١٨٦٠م وقد شاركت هذه الاورطة فى إنهاء الحرب الاهلية فى أمريكا الجنوبية، وعاد منهم من عاد وبقى منهم من بقى فى أمريكا الجنوبية!!
وقد دلنى البروف على كتاب (رجال يحبون الموت) يحكى عن بطولات هولاء الرجال الأشاوس.
وانا استعرض هذا القصة عن تاريخنا المخفى بفعل فاعل!!
أتذكر ما يحاول البعض لصقه ببعض الأقاويل عن ود حبوبة!!
واتسال عن ثورة النوير فى تاريخ السودان!!
وثورت المك عجبنا!!
واين بطولات موسى ابو حجل (حليل موسى ياحليل موسى)
ولماذا يحاول كتاب هذه الثقافة تشويه شخصية الخليفة عبد الله !؟(بطنك كرشت جلدك خرش ما فىه وقت العلم جافيت وقت الوهم وافيت مره الصدق وافيه) واين الكلام عن المسكوت عنه.
اتذكر مدرسة الغابة والصحراء (صلاح احمد ابراهيم، وغابة الابنوس!!
والنور عثمان ابكر وغناء للعشب والزهر وصحو الكلمات المنسية!!
ومحمد عبد الحى والعودة الى سنار!!
ومحمد المكى وبعض الرحيق انا والبرتقال انتى)
اين كجراى، وفضيلى جماع ؟ بل اين جيلى عبد الرحمن !؟
فهذه الثقافة لا تفرق بين الشرق والغرب والشمال والجنوب (الجيلى كمثال فهو من أقصى الشمال) ولكنها أفكار ومصالح، لماذا لم يجد كتاب حياتى حظوته من النشر والانتشار (كاتبه بابكر بدرى).
كسرة: انظر الى هؤلاء الافذاذ وسعة الاطلاع التي كانوا يتمتعون بها فهذا سؤال يدل على ان هذا الرجل لم يك عالماً في مجاله فحسب بل اديباً و مؤرخاً، رحم الله الاموات وادام الصحة والعافية على من بقي منهم..
– أستاذ الباطنية وطب الأعصاب بكلية الطب جامعة الخرطوم.