وصلنا إلى الخرطوم في أغسطس 2016 لحضور ندوة أقامتها رابطة العالم الإسلامي بالتعاون مع وزارة الإرشاد والأوقاف عنوانها “مكافحة الإرهاب والتطرف الطائفي في إفريقيا”.
أثار هذا العنوان نوعًا من عدم ارتياح بين أفراد من جماعات التصوف، إذ تحفز بعض المشاركين منهم ليتساءلوا بحدَّة عن أهداف الندوة ومراميها، ولا سيما أن كلمة طائفية لها ظلال معينة في السودان.
دعاني ذلك إلى توجيه كلمة مقتضبة في جلسات الندوة في اليوم الأول قلت فيها إن عنوان الندوة لا يأخذ الطائفية بالمفهوم البغيض الدال على التعصب وإنما بذلك المعيار المقبول لتحديد السلوك الفردي والجماعي كما تمثلها مدارس الذكر والفكر في السودان بشتى اتجاهاتها الصوفية والسلفية.
وسردت قصة وقعت معي في سوريا عام 1999م في زيارة لمجمع النور الإسلامي، إذ كنا في جلسة مدارسة مع مفتي سوريا السابق أحمد كفتارو (شيخ الطريقة النقشبندية) عندما أقبل أحد مساعديه ليسلمه ورقة صغيرة. قرأ الشيخ كفتارو تلك الورقة وأقبل علينا بوجه فيه تأثر وقال: جاءني الآن نبأ وفاة الشيخ عبد العزيز بن باز، وترحم عليه وأثنى عليه، ثم قال: لما قابلت الشيخ بن باز أول مرة وتحدثت إليه، قال لي: يا شيخ أحمد سمعت بأنك صوفي، ولما قابلتك وجدت أنك سلفي… قال كفتارو: فرددت عليه بقولي: وأنا يا شيخ بن باز سمعت أنك سلفي ولما رأيتك وجدتك صوفيًا…
إننا إذ نشهد هذه الأيام لقاءً بين التيار الصوفي والسلفي، في “نداء أهل السودان”؛ نرى أن التعاون والتفاهم بينهما أمر ممكن، ذلك أن السعي للتفريق بين المسلمين والتحريش بين أهل القبلة الواحدة، هو بسبب المستعمرين وأتباع الاستعمار الجديد في وقتنا الحاضر.
لا بد من الانتباه إلى أن القوى الأجنبية والاستعمارية عملت على التفريق بين الجماعات المسلمة من قديم على أساس هذا سني وهذا صوفي.
لقد سعى الاستعمار الإنجليزي إلى ذلك في بلادنا. وأحيل القارئ الكريم إلى كتاب السودان في عهد ونجت تأليف جبرائيل وايبرق، الذي ترجمه الدكتور محمد الخضر سالم، وتوليت مراجعته وتحريره (صدر عن وزارة الثقافة السودانية).
نقرأ في هذا الكتاب كيف أن السير ونجت حاكم عام السودان حدَّد سياسته في تقريب العلماء السنيين وتقديم الإعانات لهم في الخلاوى والكتاتيب، وأصدر منشورًا في عام 1901 يتحدث فيه عن الدين الإسلامي الحقيقي، ويعني به إسلام العلماء السنيين الذين كان لهم موقف مناوئ للحركة المهدية.
وظلت سياسة ونجت هي التضييق على الطوائف الصوفية، خاصة تلك التي لديها توجه جهادي مثل المهدية والطريقة الإدريسية، ففي عام 1909 حامت الشبهات حول السيد عبد المتعال الإدريسي شيخ الطريقة الإدريسية في دنقلا (انظر ص 134).
ولعل ما نشهده اليوم من توجه لدى بعض القوى العالمية في التعويل على بعض التيار الصوفي وتشجيعه على حساب التوجهات السلفية، إنما هو امتداد للسياسة القديمة.
الفيصل في تقريب هذا وإبعاد ذاك هو موقف التيارات الإسلامية سلفيين أو صوفيين من التدخلات الاستعمارية.
إنها السياسة القديمة الجديدة؛ سياسة “فرِّق تسد”! فاعتبروا يا أولي الأبصار.
مكة المكرمة في الخميس 20 من شهر المحرم 1444هـ الموافق له 18 أغسطس 2022م.