سوف يصيح الحاجب بكلمتين اثنتينAll rise كلمتان، ينال عن ترديدهما الوفاً من الدولارات أجراً، يالها من مهمة سهلة، بمقدور ببغاء أبكم أداءها مجاناً، وقفنا جميعاً دون استثناء، جلس القاضي فجلسنا مثل مصلين يتبعون أماماً بشعر لامع، مصفف أنيق، لمحت أطيافاً من السعادة على وجهه، تقترب ملامحه من ملامح الرئيس (هاملتون) المرسومة على وجه ورقة الفئة عشرة دولارات، ابتسم في وجه العسكر و العاملين، ثم عاد الى اكتئابه الرسمي، وهو يفرك يديه كمن يستعد لوليمة، بدا محترماً واثار الشبع و الري تحف بملامحه، تبدى النشاط على وجه ( كارلوتا)، لكنه سرعان ما تحول الى ضجر عميق، ضجر من يستمع غصباً لأغنية لا يحبها، و لا يملك سبيلاً لأيقافها، مثل الأغنيات التي تصدح في عناد في المصاعد و المطاعم، و غرف انتطار اطباء الاسنان و الولادة، ضجر يصيب المرضى زوار العيادات الخاصة، وهموا يشهدون في صالة الأنتظار أفلاماً عن الحمل و الولادة، التطعيم و فوائده، و شروح مفصلة لأمراض الضغط و السكري، شرح مفصل يصيبك بالاكتئاب ، يجعلك تتمنى الموت وفي الحال، ابطال هذه الأفلام التعليمية الأعلامية، رجال و نساء في جمال و نعومة الملائكة، يعيشون في صيف الفردوس الدائم، و لكنهم مع ذلك مصابون بكل العلل و الأمراض. سأواصل ما انقطع من حديثي، سأكمل حديثي عن (جانيت)، محصلة الديون، بناءً على طلب أعضاء المحلفين، و برغبة غير معلنة من القاضي نفسه، و جمهور الحاضرين، و بما أن لا أحداً من هؤلاء الرعاع يعرفني، ولا قناة تلفزيونية ستنقل الوقائع للناس، فأنني سأحكي بأمانة و صراحة و صدق عن كل دقيقة من دقائق حياتي، تلفت يميناً و يساراً، سيدي القاضي، السادة أعضاء هيئة المحلفين، استمرت علاقتي التلفونية بالسيدة جانيت، و تركز جل حديثنا حول كيفية دفع ديوني، ثم تظور رويداً رويداً الى السؤال عن الحال و الأحوال، وعن اعجابها بلهجتي في نطق الأنجليزية، تحدثنا في حذر شديد حالما أعلمتني بأن هذه المحادثات تسجل على شرائط، قد يرجع اليها اصحاب الشأن من مرة لأخرى، تحدثنا بشفرة مريحة نفهمها معاً، كنا مطمئنين الى استحالة لقاءنا، ظناً منا بأننا في ولايتين مختلفتين، كانت تفرح حين أغازلها و اقول بأن صوتها جميل، وفي يوم تجرأت و سألتها عن مكان عملها، و الذي يفترض أن يكون سراً، الا أنها أجابتني بعفوية شديدة بأنها في ولاية نيوجيرسي، و يالها من صدفة سعيدة فقد كنت اسكن على مبعدة جسر واحد يعبر الهدسون الى مدينة نيويورك، أخذتها المفاجأة الى فترة من الصمت، صمت و فرح لم تفلح في اخفاءه، و لكنها لم تتمالك الأعلان عن دهشة يشوبها قلق خفيف، ثم أننا اتفقنا على اللقاء كأصدقاء حول فنجان قهوة في وقت نحدده فيما بعد، أزف ذلك الوقت لدهشتنا في الدقائق الخمس التي تلت. رفعت (كارلوتا) حاجبيها من الدهشة، فهذه الأقاصيص جديدة عليها، فجلست تستمع اليها في فضول مع الحاضرين، حتى الشريف، و عامل المحكمة معوج الساقين، لمحت أطياف طرب في أعينهم المنهكة، ظلت (جانيت) تذكرني حين اتفقنا على اللقاء، بطبيعة علاقتنا، منوهة الى كوننا اصدقاء، مجرد أصدقاء لا أكثر ولا أقل، كانت تدور حول هذا الأمر، مذكرة نفسها به اكثر من رغبتها في تذكيري، حدث لقاءنا الأول في موقع وسط بيننا، في مقهى متواضع بعيداً عن أعين الرقباء المتلصصة، رأيتها حين دخلت المقهى، جالسة مثل المرأة المعنية في أغنية (بيلي بول) الشهيرة (أنا ومس جونز)، أمرأة ممتلئة الجسم أقرب الى البدانة، و لكن وجهها المبتسم كان اقرب الى وجه طفلة، منه الى أمرأة متزوجة، شجعتني ابتسامتها ومن قال أن المراة الغربية لا تعرف الحياء، على الأقتراب منها، ومد اليد المصافحة، ضحكنا معاً من غرابة الأمر، هانحن هنا بشر حقيقيين، بيننا منضدة لا هاتف بليد، نسخة جديدة من أغنية السيد (بول)، أكثر اثارة و تعقيداً، جلست قبالتها، وأمامنا أكواب القهوة، تحدثنا ملياً دون حرج، و بلا تكلف، و حين علمت منها بأن زوجها ضابط شرطة، ارتعدت مني الفرائص و هممت بالنهوض و مغادرة المكان، حين طافت بعقلي خيالاتهم المنبثة في (نيوجيرسي تيرنبايك)، و لكنها طمأنتني وهي ترثى لحالي ضاحكة، بأن لا أشفق على نفسي، فهو يعمل لساعات طويلة، وأنه يأتي للبيت لينام فقط، و أنه يقضي ايام عطلته في رعاية ابنتهم الصغيرة. سرت الألفة بيننا مثل ماء سحري، فأسرت اليَ بأن الصورة التي كانت تحملها في مخيلتها عني، تختلف عن الواقع، و أنني في حقيقة الأمر أوسم مما تصورت، تجاهلت تعليقها عن عمد، وذاتي محتقنة حد الأنفجار من الزهو، لم أعلق و اكتفيت بالنظر الى الأبتسامة المشعة في وجهها الطفولي، تلك الأبتسامة التي لم تفارق وجهها حتى ساعة استئذانها في الرحيل، أعفتني من مرافقتها الى العربة، أمعاناً منها في سلوك درب الأمان. سيدي القاضي، و السادة المحلفين، تواصلت لقاءلتنا، فتناقصت لقاءاتي بالسيدة سميث، كنت اتعلل عن لقاءها بشتى العلل، و عن طريق ( جانيت) تعرفت على (شيلي)، صديقتها التي كانت تعمل في بنك قريب من محطة قطارات (نيو آرك)، و تقطن في شقة صغير لوحدها، كنا نلتقي فيها حين تخرج (شيلي) بصحبة صديقها الى الخارج، و للآنسة (شيلي) قصة أخرى قد نأت على ذكرها لاحقاً. تناقصت حصة الآنسة سميث كما أشرت، من اللقاءات، ثم ما ابث الشك أن تسرب الى قلبها، فازدادت اتصالاتها التلفونية العاطفية كثافة وعنفاً، و أصبح من الطبيعي أن تداهمني في شقتي دون اعلان سابق، وكنت حينما اعلم بموعد هجومها، أهرب من هيئتها المهتاجة عبر الباب الخلفي لشقتي، ومن هناك الى السوق المجاور لمسكني، اتركها و صياحها جالسة على عتبة منزلي، و حينما يئست من ملاحقتي و فراري الدائم، غيرت من اسلوبها، فلجأت الى ترك رسائل عذبة رقيقة، على صندوق رسائل هاتفي، تسرد على فيها قصصا بقصد اثارة غيرتي، كأن تحكي عن هذا الرجل الأفريقي الذي يترصدها، و يلح عليها في الخروج معه لحضور هذا الحفل و ذاك، وصفته باللطف في بعض الأحيان، و في احايين أخرى بالوسامة، و حين أدركها اليأس تحدثت عن عظم عضوه الذكوري، وقالت بأنها رغماً عن كل ذلك تودني، و بكت بدمع غوير كدت بسبب ذلك، أن أرضخ لها، فليس أقوي من تأثير دموع النساء على مشاعري، الا أنني تمنيت من الله أن تتركني و شأني، ثم توسلت الي بالهدايا، و الأسطوانات الموسيقية التي أحبها، و بطاقات غسيل السيارات المدفوعة الأجر، وقالت بأنها أعلمته صراحة عن ارتباطها بى حتى لا تؤذي مشاعره الملتهبة العارمة، وهددت في مرات بأن صبرها قد تجاوز الحدود المعقولة، وانها تفكر جدياً في الارتباط به، لا اكمل حمد القدرفي سري، حتي تعود لتصفعني بنهنهات بكائها، فيتملكني العطف عليها. ؛Painting by: Annie Lee