عثمان حامد سليمان من مبدعى الستينات الذين اضافوا الكثير لمسيرة القصة القصيرة ولكن قبل ان ندخل عوالمه القصصية ندخل بيته فى حى بانت بام درمان حيث كان ملتقانا دائما، ثمة جو فى الحى مشبع بالفكر اليسارى رابطة من اليساريين, حسن شمت واخوته الشمتيون، ومحجوب محمد عبد الرحمن “الزعيم”، ومحمد عبد الله ميشاوى المحامى، وميرغنى حسن على، وشقيقه عثمان بله، وكمال الجزولى، وهاشم صديق، ويوسف الشنبلى.
لم يكن بعض هؤلاء شعراء ,او كتاب قصة مثل الشنبلى والزعيم، وميرغنى حسن على، وحسن شمت، وميشاوي، ولكنهم كانوا داخل هذه البيئة يشاركون بالنقاش، ويدلون بآرائهم حول دور الأدب فى خدمة الإنسا، اى أنهم كانوا قريبين من الإبداع، وليسوا مبدعين محترفين، كان منزل عثمان حامد يجمعنا جميعا.
نهارا وليلا كنا نناقش فيه آخر القصائد وآخر الروايات وماذا كتب محمد حسنين هيكل فى عدد أهرام الجمعة، وماذا يقصد نجيب محفوظ فى مسلسل روايته “اللص والكلاب”، ويوسف ادريس فى “العسكرى الأسود”، و”لغة الأى اى”، ونتصفح مجلة الحرية للجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش، واذكر الصيت الذى لقيته رواية “العّراب” للامريكى من اصل ايطالى “ماريو بوذو ” تبادلناها بشغف، وكانت نوعًا من الأدب فيه اباحية خرجت من معطف المافيا الدموى، غير ان نقاشنا دار فى البناء الفنى للرواية، وكذا رواية “اللص والكلاب” لنجيب محفوظ، و”الشمندوره”للنوبى محمد خليل قاسم و”الجبل” لفتحى غانم .
داخل ام درمان كنا نلتقى حين نصرف الرواتب للأنس فى حدائق الريفيرا، والجندول، والمقرن فى امدرمان، وفى الخرطوم مقهى “المحطة الوسطى”، واتينه و”كوبا كوبانا”، و”الشرق”، ومطعم “المك نمر”، و”رويال”، ومثلما كان مقهى يوسف الفكى ومقهى جورج مشرقى ملتقى الأدباء والفنانين، كانت المحطة الوسطى كذلك ملتقى النخبة المبدعة محمد عبد الحى، وعلى عبد القيوم، ومحيي الدين فارس، ومحمد على جادين، ومحمد عثمان كجراى قادما من كسلا، والنورعثمان ابكر استاذ اللغة الإنجليزية، ورافع راية الوجودية مع بشير الطيب وكمال شانتير.
يصف عثمان حامد فى تحقيق ـجراه معه حسن الجزولى حي بانت ”شرقاً وغرباً“ بمدينة أم درمان، (عالم قائم بذاته كأغلب أحياء المدينة العريقة بما فيها الأحياء القديمة بالعاصمة المثلثة – ومنذ بدايات تشكله، كحي أم درماني متاخماً لأحياء شهيرة أخرى، كالموردة والعباسية وحي الضباط وأبكدوك، وغيرها من حوارى و”أزقة وجخانين” تلك المنطقة، حيث تلاقحت فيه العشرة والعشيرة والجيرة والتعارف الاجتماعي، ثم انداح كل ذلك، لينشئ علائق إنسانية واجتماعية، متداخلة مع كثير من الناس والأسر، في العاصمة المثلثة بأجمعها.
كثيرون هم الذين قطنوا هذا الحي، وكثيرة هي الإبداعات التي أطلت للناس، من داخل حيشان وبيوتات هذا الحي، والأحياء المتاخمة له، لا غرو أن غالبية أحياء العاصمة بشكل عام، وأم درمان على وجه الخصوص، أنجبت من ساهموا في صياغة الوجدان العام للناس، على مختلف الصعد، ولا مبالغة في ذلك).
وعن نادى بانت الثقافي يقول إنه (كان بمثابة الحاضنة الرؤوم، لكثير من إشراقات عدد من المبدعين أمس واليوم، وأما في الجوانب السياسية والرياضية والاجتماعية الأخرى، فهي تأخذ أيضاً ذات قيمة ”أنفاس” النادي التي شحذ بها رئة أولئك المبدعين، وقد كانت بالطبع أجواء الديمقراطية الثانية ونفس أكتوبر الذى لم يكن قد تبدد تماماً، وزخم الحريات العامة والروح الثورية والتقدمية لعالم الستينات شرقاً وغرباً، ضاربة ومؤثرة فى ،أعماق النادي وأنشطته الاجتماعية والثقافية والرياضية وعلائق سكان الحى من حوله.
وسط أجواء وصخب هدا النادي تحديداً طلع عدد من الرموز في مختلف المجالات، فقد ارتبط وتربى فيه وخرج منه بصورة ما، مسرحيون وشعراء، كهاشم صديق ومبارك حسن خليفة، وكمال الجزولي، والشاعر الغنائي الرقيق الراحل عثمان بلة، والمطربون: الطيب عبد الله ، وعبد الوهاب الصادق، وأبو عبيدة حسن، والراحل بدر الدين عجاج، والطيب رابح مؤسس فرقة جاز بانت التى اشتهرت فيما بعد باسم فرقة “العقارب”، وأشقاء الموسيقار برعي محمد دفع الله، والعازف صلاح أحمد عثمان، وفي النقد الأدبي برز الراحل سامي سالم، والصحفي المخضرم ميرغني حسن علي).