استشعر الكثيرون خطورة انتشار ظاهرة خطاب الكراهية بين فئات المجتمع السوداني مؤخرا، الأمر الذي حدى بالكثير من المهتمين بأمر البلاد إلى التوقف عند هذه الظاهرة وبحث أسبابها ومن ثم وضع الحلول لمعالجتها، (التحرير) ومن خلال سيرها على ذات الدرب في البحث والمعالجة أجرت هذا الاستطلاع وسط مجموعة من الصحفيين السودانيين علها تسهم في التصدي هذه المعضلة.
ويرى الكاتب الصحفي حيدر المكاشفي في حديثه لـ(التحرير) أن خطاب الكراهية مهدد حقيقي لوحدة البلاد ، إلا أن انتشاره بشكل فعلي موجود في السوشيال ميديا التي وفرت الحاضنة الرئيسية لهذا الخطاب وليس في الإعلام الاحترافي المنضبط، وأضاف حتى وإن مارست بعض العناصر الحزبية هذا الخطاب أيضا إلا أنها مقدور عليها أما المشكلة الكبرى فتكمن في وسائل التواصل الاجتماعي، لافتا إلى وجود توجه قبلي سئ جدا وتنامي خطاب الكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي خاصة عندما تحدث احتكاكات في الولايات ، وقال الكاتب الصحفي إن البعض يمارس هذا الخطاب بوعي وإدراك تام بما يشكله من كوراث.
وأكد المكاشفي أن القضية الملحة الآن هي السوشيال ميديا وكيفية معالجة أمرها بتركيز المجهود عليها وعلى الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى انتباهه لخطورة خطاب الكراهية ، وأوضح أنه كان دائم الإصراره على ضرورة إشراك الناشطين في السوشيال ميديا في أي دورات خاصة بالعمل الصحفي، ووضع خطة متكاملة للتصدي لهذا الخطاب، فضلا عن وضع برامج و سن تشريعات ومواد قانونية لمحاربته.
ومن ناحيته يصف الكاتب الصحفي بشير أربجي في إفادته لـ(التحرير) خطاب الكراهية بالقنبلة الموقوتة في المجتمع مبينا أن الفترة الأخيرة شهدت علو لصوت الكراهية والعمل الجهوي والقبلي على العمل القومي.
ويرى أربجي أن بداية هذا الخطاب كانت في عهد الإنقاذ، وبعد اشتعال الحرب في دارفور، سواء كانت في دارفور بين بعض مكوناتها، أو من داخل النظام السابق، والذي لم يكن حريصا على وحدة البلاد، وظهور أصوات بعد ذلك تنادي بفصل دارفور، لافتا إلى أن ثورة ديسمبر استطاعت أن تلملم ذلك الأمر حينما أطلقت شعار” يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور” فضلا عن اعتصام القيادة العامة الذي تم تشبيهه بمجتمع المدينة الفاضلة، واستدرك لكن الردة الحقيقية عن الثورة بدأت من خطاب( 13 أبريل 2019م ) لافتا إلى توقيع اتفاقية جوبا التي لم تنتج أي سلام، وبالتالي علت النعرة العنصرية وتبع ذلك تصاعد سئ من قبل الناظر محمد الأمين ترك والداعين لدولة النهر والبحر، فضلا عن مساهمة محمد حمدان دقلو في تأجيج خطاب الكراهية برعايته للإدارة الأهلية .
وناشد أربجي قوى الثورة بوضع أياديهم في أيادي بعض وأن يعلو من الصوت الوطني ، عبر وحدة قوى الثورة وإسقاط الانقلابيين وحملة السلاح وكل الداعمين لهم.
ويقرأ الصحفي محمد الأقرع خطاب الكراهية من منظور أنه ناتج عن خطاب سياسي متصل بالأوضاع الراهنة في البلاد، وكل مجموعة تتبنى هذا الخطاب لإقصاء المجموعة الأخرى.
ويصنف الأقرع في حديثه لـ(التحرير) خطاب الكراهية في عدة مستويات منها الديني، والعرقي “الذي اعتبره الأخطر والأكثر شيوعا مستشهدا بدعوات دولة النهر والبحر التي يطلقها ناشطون يتوهمون الأفضلية العرقية” فضلا عن مستويات أخرى كالتمييز الطبقي ، والانتماء السياسي الذي هو انعكاس للمشهد السياسي العام ، وهو خطير خاصة فيما يتعلق بالدين والإثنية ومن الممكن أن يؤدي إلى صراعات مثلما حدث في إقليم النيل الأزرق ومدينة الجنينة بولاية غرب دارفور.
ويؤكد الأقرع أن نظام الإنقاذ كان يستمد بقائه من خلال خطاب الكراهية خاصة تجاه أبناء دارفور إلا أن رد ثوار ديسمبر كان عبر الشعار المشهور ” كل البلد دارفور” وعد الصحفي محمد الأقرع أن انقلاب 25 أكتوبر امتدادا لخطاب الإنقاذ وسلوكياته وهو يتغذى من خلال الصراعات ، وعليه فالحل يكمن في توحيد كل فئات المجتمع ضد هذا الخطاب والقوى التي تقف خلفه من الانقلابيين وغيرهم بالإضافة إلى العمل التوعوي وسط المجتمع، من قبل الفئات المستنيرة من صحفيين ولجان مقاومة وغيرهم.
ومن جهتها تؤكد الصحفية حواء رحمة أن خطاب الكراهية واحد من أخطر الأساليب التي تبث الأحقاد وقطع الطريق أمام التماسك بين الناس عامة وهو نوع من الحرب النفسية التي يستعملها الغير لكسر النفس أو الهزيمة المعنوية ، وفي الغالب نجده بين الفئات أو الجماعات المتنافسة سياسيا لمكاسب ومصالح شخصية، أو لتلك المجموعات.
وتشير رحمة في إفادتها لـ(التحرير) إلى ظهور هذا النوع من الخطاب الهدام مؤخرا بمواقع التواصل الاجتماعي ، وكيف أنه أثر كثيرا على الناس وأصبح التعامل بالمثل فانتشرت المراشقات وفنون الكراهية ، وهذا أمر فيه خطورة على المجتمع ويجب التصدي له.
وأضافت أما خطاب الكراهية السياسي فهو يمضي في تصاعد مستمر والغرض منه إيجاد أرضية سياسية مفروضة من أجل الشتات والفتنة ، وهذا قد يقود إلى فتنة كبيرة تنتهي بالاحتراب والخراب والموت المجاني ، لذا الحذر واجب ، و تقول رحمة إنه يجب على وسائل الإعلام عموما أن تعمل على وقف هذا الخطاب والحد منه وإضعافه بكل السبل حتى لا يؤثر على النسيج الاجتماعي ، ويجب كذلك تحفيز المحتويات الهادفة التي تقرب بين الناس ، وتهزم المخططات السياسية المريضة ، والعمل على وحدة الشعب السوداني ، واحترام الثقافات والمعتقدات والعادات والتقاليد والتنوع الإثني مؤكدة على أن هذا الأمر مسؤولية كل من يدرك خطورة تداعي التماسك المجتمعي واتساع الفجوة بين مكونات المجتمع.
أما الصحفي عمار حسن فيرى أن خطاب الكراهية قد انتشر مؤخرا مع انتشاروسائل التواصل الاجتماعي حيث انتشرت صفحات مجهولة تبحث عن المتايعين .
ويشير حسن في حديثه لـ(التحرير) إلى أن هذا الخطاب يؤدي بصورة مباشرة إلى تهديد تماسك النسيج الاجتماعي على مستوى الأسر والقوميات مستشهدا بأحداث العنف في إقليم النيل الأزرق وولايات دارفور وشرق السودان، وحتى أطراف العاصمة الخرطوم ، مبينا أن عدم قبول الآخر والعنصرية يعملان على تهديد وحدة الدولة وكيف شهدنا تهجير كامل لقومية الهوسا من إقليم النيل الأزرق، وأضاف إذا تنامى هذا الخطاب فسيؤدي إلى اختفاء إقليم النيل الأزرق بل ويمتد أثره إلى زوال السودان كله.
ويطرح الصحفي عمار حسن حلولا لمعالجة هذه الظاهرة من خلال مسارين الأول، توعية المجتمع من قبل كل الجهات الرسمية بالدولة، ومنظمات المجتمع المدني، والجامعات والمدارس، و لجان المقاومة على وجه الخصوص، التي يقع عليها الدور الاكبر في محاربة خطاب الكراهية، بالإضافة إلى أهمية سن قوانين وتشريعات لمعاقبة من يبثون هذا الخطاب.