يستحق معرض جدة للكتاب أكثر من ثلاث زيارات، لكن من يطيق المشوار من مكة إلى أقصى شمال جدة؟
أبدى الدكتور عبد القادر الشيخلي – وقد صحبني في الرحلة – انبهاره الشديد بالتنظيم وفخامة المكان. سمعته يردد وهو الذي أنفق عمره في الكتب ومعارض الكتب: تنظيم عظيم!
عجبت له وهو محاط بأحدث ما أنتجته المطابع؛ يسأل عن كتب أبو حيان التوحيدي! يقول لي:
لا تقل لي الجاحظ ولا ابن قتيبة… أبو حيان قمة لا يدانيها أحد.
جئت إلى المعرض بنية ألا أشتري ولا أقتني كتابا واحدا، لكن المفاجأة السعيدة وضعتني أمام زميل قديم من الإعلام السوداني الأستاذ قمر الأنبياء يوسف، يدير دار نشر سعودية. بشهامة سودانية تخير هدية لي وأخرى لصديقي. كان نصيبي نسخة من طبعة جديدة لكتاب المنتخب من أدب العرب. وكما يقولون: الهدية على مقدار هاديها.
وجدت كتابا بعنوان صارخ: تبا للكتب! وكتابا عن الإعلام في العصر الرقمي، ومع ذلك بقيت على التزامي بعدم شراء أي كتاب…
غير أنني لم أستطع مقاومة الرغبة في الشراء عندما وجدت نفسي أمام ثلاثة أجزاء من كتاب الرئيس الصيني الحالي شي جين. من حسن الحظ أو لسوئه لم يكن هناك أحد في مكان العرض بيت الحكمة الصيني. سألت جيرانهم فقالوا لي: هؤلاء الصينيون لم يحضروا حتى الآن. وجدت أحد الشباب ينتظر ساعتين للحصول على مراجع في اللغة الصينية.
ومرة أخرى لم أستطع مقاومة شهيتي المفتوحة للكتب وأنا في منطقة مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية. وعلمت أن المطبوعات للعرض فقط. لم أكن أعلم أن هذا المركز حديث النشأة قد أنتج هذا الكم الكبير من العناوين. أرشدني شاب حسن الهيئة وهو يشير إلى لوحة أمامه بأن جميع مجموعات المركز متاحة الكترونيا في الموقع على الإنترنت.
في أثناء تطوافي وصلت إلى منطقة خالية من الكتب يقف فيها شاب وشابة من الشباب السعودي. بادرتهما بالسؤال: وأنتما لماذا لا أجد عندكما كتبا؟ قالا: نحن البريد السعودي نشحن الكتب إلى أي مكان من هنا وسعر الشحن ثلاثون ريالا للكيلو. انتهزت الفرصة لسؤالهم: تأتيني رسائل عديدة عبر البريد الإلكتروني بوصول طلبيات تخصني وتطلب مني دفع مبلغ زهيد لإيصالها إلى بيتي؟ قالا لي: هذا (هكر) وإياك أن تفتح هذه الرسائل المفخخة.
سألت أصحاب دور النشر: كيف وجدتم الإقبال على المعرض؟ فقالوا لي: الإقبال متوسط، والسبب كأس العالم وموسم المطر.
أدركنا التعب والجوع بعد جولة امتدت ثلاث ساعات.
خريطة المعرض تدلنا على منطقة المطاعم، غير أن ما بقي فينا من طاقة تكفينا فقط لأداء صلاتي الظهر والعصر قصرا وجمعا.
خرجت من المعرض ولدهشتي لم تكن هناك بوابات تفتيش تطلب فاتورة الشراء وتضاهيها بعناوين الكتب.
كان صاحبي د. عبد القادر يجر سلة مليئة بما لذ وطاب من ثمرات المطابع، وبالطبع كتب أبو حيان التوحيدي.
أما أنا فخرجت أضم إلى صدري هدية قمر الأنبياء كتاب المنتخب… ليس منتخب الأرجنتين الذي يقوده ميسي بالطبع لكن منتخب يقوده امرؤ القيس الذي ربما كان يخاطبني ويخاطب صديقي الشيخلي:
ألا انعم صباحا أيها الطلل البالي
وهل ينعمن من كان في العصر الخالي؟!
وكتبه عثمان أبوزيد