للشاعر الجاهلي (المخضرم) تميم بن مقبل، بيت شعر مشهور، ورد في قصيدة معروفة له يقول فيه:
ما أطيبَ العيشَ لو أن الفتى حجرٌ/ تنبو الحوادثُ عنه وهو ملمومُ
والمعنى أن الشاعر يتمنى لو كان في صلابة الحجر حتى يقوى على امتصاص الصدمات النفسية والعاطفية التي يخلفها في وجدانه الاحساس بمرارة الهزائم والانكسارات والفشل والفقد وخيبات الأمل، فلا تلين له قناة، وحتى يعيش متماسكاً كالصخر يصد هجمات أمواح بحر الحياة المتلاطمة ثم لا تنال منه شيئاً.
وقد استلهم عددٌ من الشعراء المعاصرين قول هذا الشاعر الجاهلي فيما يعرف حديثاً بـ”التناص” منهم: أدونيس، ومحمود درويش في قصيدة (ليتني حجرٌ) وغيرهم. وكان أدونيس قد توقف عند هذا البيت للشاعر “الجاهلي” في أكثر من دراسة نقدية.
وعبد العزيز المقالح أحد هؤلاء الشعراء الذين استلهموا هذا البيت الشعري وذلك في قصيدته (ليتَ). وكنتُ قد اطلعت على القصيدة منشورة بمجلة (الدوحة) القطرية في أواخر السبعينيات أو أوائل الثمانينات، وأنا بعد تلميذ بالمرحلة الثانوية، ولا أزال احتفظ بقصاصتها في أرشيفي.
وعبد العزيز المقالح، هو الشاعر والناقد الأدبي والأستاذ الجامعي (اليمني) المعروف. شغل منصب رئيس “مدير” جامعة صنعاء لفترة طويلة. له عدد من دواوين الشعر والمؤلفات والدراسات الأدبية والفكرية. ولد في 1937. وتوفي في نوفمبر 2022. تقول القصيدة:
يا صدرَ أمي،
ليتني حجرٌ على أبوابِ قريتِنا
وليت الشِّعرَ في الوديان ماءُ أو شجرْ
ليتَ السنين الغارباتِ،
حكايةٌ مرسومةٌ في نهدِ راعيةٍ عجوزْ
ليت السماءَ قصيدةٌ زرقاءْ
تحملني إلى المجهولْ،
تغسلني من الماء – الترابْ
ليت القلوبَ ترى وتسمع،
والعيونَ نوافذٌ مسدودةٌ،
من لي بعينٍ لا ترى،
من لي بقلبٍ لا يكف عن النظرْ
*
خلفَ الظلامِ
وجدتُ إيماني
وفي ضوءِ النهارِ فقدتُ أحلامي
لماذا يا كتابَ الشمسِ تقرؤني،
وأعجزُ أن أراك؟
أرى حروفَ دمي،
بقعاً من المرجان،
ضوءاً في فمي،
مرٌّ هو الليلُ الطويل،
الشِّعرُ مُر
وصوتُ “فيروز” بلا طعم،
وبين النومِ والعينين بحرٌ من رمالْ
*
لا تكذبي
يا صافناتِ الشك،
موجودٌ أنا…
جسدي وروحي تغرقان
وصوتُ أحزاني ذئابٌ
تنهشُ الكلماتْ
ليت الشكَ ينشرُ ليله حولي،
ليت النهارَ يغيبُ لا يأتي
وليت الليلَ لا يأتي
وليت الأرضَ نجمٌ لا يدورْ.
abusara21@gmail.com
////////////////////////////