في أول يوم لاندلاع الحرب ١٥/ ابريل بالخرطوم كنا على اتصال بابننا د. حازم ابراهيم التيجاني الذي كان سيغادر الخرطوم على رحلة الخطوط السعودية إلى الرياض. د. حازم كان حفل تخرجه في ٢٢/ مارس وكانت الأسرة سعيدة جدا وتتوق لاستقباله وتهنئته. ومن خلال التواصل معه ، لقد كنا على علم بتفاصيل ما حدث على رحلة الخطوط السعودية. وكانت والدته في حالة انهيار تام وهي تشاهد ابنها د. حازم ” لايف” وكل ملابسه تسيل منها الدماء. بينما كان هو في كامل الثبات ورباطة الجأش ، ويطمئن والدته ووالده أن بخير وإن ما على ملابسه من دماء كانت لاسعاف بعض المصابين الذين في حالة حرجة ، والتزامه اخلاقيا ومهنيا كطبيب أن يقوم باسعافهم.
التحية لدكتور مستر /محمد سيد المتخصص في جراحة الاعصاب وهو يدير هذا المشهد العصيب . كما التحية مكررا لابننا د. حازم وزميله د. احمد الريح وكل من لم نعرف أسمائهم على هذا الموقف البطولي، ومن رأي انهم يستحقون علبه التكريم من قبل الخطوط السعودية قبل إدارة مطار الخرطوم .
وأدناه تفاصيل ما كتبة مستر / محمد سيد ، ولا تملك صحيفة التحرير الا ان تسجل كامل تقديرها ورفع القبعة لهؤلاء الابطال.
ما جرى في الخرطوم كل له رأيه الخاص ، لكن جميعا ندعو الله أن يلطف بوطننا ويجنب السودان الفتن من هذه الحرب التي فرضت على قواتنا المسلحة والدعم السريع دون أن تكون لهما كامل إرادتهما في هذا الخيار الصعب.
……………………………………….
محمد سيد .. رحلة الخطوط السعودية
يوم ١٥ أبريل ٢٠٢٣م :
صالة المغادرة كانت مليانة ف قعدت في الأرض و متكل على حيطة و شايف منظر جميل قدامي راجل ثلاثيني و ماسك ولدو في حجرو عمرو حوالي ٤ سنين و بيلعب معاهو و الولد يضحك و زوجته جمبو -المنظر كان جميل جدا- و انا بقيت بشاغل الولد من بعيد ل بعيد و بيبتسم لي. بعدها ركبنا الطيارة و الناس قعدت مكانها و مفروض شوية و نقلع زي ٩ و نص صباحا، بس الموضوع طول و اسمع الحجة القاعدة على يميني و هي قصاد الشباك بتتكلم بالتلفون و بتقول الدعم السريع دور ضرب شديد في جبرة و خشو جوا الخرطوم، بعد شوية نلمح من شباك الطيارة مدرعات في القاعدة جمب المطار و في دخان و شوية حريق حاصل، طاقم الطيارة بقو يقولو اقفلوا الشبابيك، على حوالي الساعة ١٠ الا بدينا نسمع صوت رصاص، شوية شوية حالة الذعر بدت تخش في الناس بس الطاقم قال الكل يلزم مكانو و بيحاولوا يهدو في الناس، حوالي ١٠ و تلت نسمع صوت زي المفرقعات بس عالي شدييد، عاينت ورا لقيت الناس اخدت ساتر و نزلت في الأرض و في واحد جا لقدام حس انو اتضرب في رقبتو، كشفت سريع كدا و الحمدلله ما جاتو اصابة، سالتو عن الناس الورا كيف قال ما عارف منها قمت و مشيت للناس الورا (حوالي ٣-٤ مقاعد وراي) سألتهم كلكم كويسين قالو ما جاتهم حاجة، سألتهم الحصل شنو و أشرو على جدار الطيارة جمب المكيف تقريبا و أشوف كسر و شكلو زي كسر مدخل بتاع رصاصة. منها الناس قالو كلهم كويسين و في الوقت دا الطاقم قال اي واحد يقعد في مكانو المخصص، الناس طبعا بقت تكورك و حالة الهلع الخشت في الناس و في شباب كانو حيشتبكو مع الطاقم.في هذه الأثناء و انا راجع من ورا كانت حجة و شابة في الكراسي القدامي طوالي قاعدين في الممر ف بقينا نقول ليهم اقعدو في الكراسي و جا واحد من الطاقم قال اقعدو عشان لو حصل اي إخلاء طارئ الناس حتمشي فوقكم، شوية شوية بدو يقومو و انا منها قعدت في الكرسي و طلعت تلفوني رسلت رسايل سريعة.
بعديها ب فترة لا تتجاوز ال ثواني يجي صوت انفجار قوي جدا بوراي، الكرسي بتاعي لمن اتنفض لقدام و اشوف في دم في ذراعي الشمال و الموبايل فيهو قطع صغيرة بتاعت أشلاء بني آدم. تلقائيا وقفت و عاينت وراي اشوف ٢ ماتو على الفور في الكرسي التاني من وراي تحتهم واحد ماسك التلفون و شكلو بيقرا قرآن و واحد بقى بين كرسيين في المقاعد بين الممرين و زوجته قاعدة مكانها. خشيت في حالة ذهول ل ١٥ ثانية كدا و بقيت بعاين يمين و شمال الوضع كيف. في ناس في حالة shock و الما قادر يقوم و اللي بتبكي وال في حالة انكار و الأطفال حالتهم حالة. بقينا نكورك في الناس انو ينزلو من الطيارة و وقتها بقى ال emergency evacuation و نشيل و نكورك على الناس انو ينزلو ب الأبواب المخصصة. الراجل البين الكرسيين شغال اكورك فيهو قوم عشان ننزل و قلت ليهو جيب يدك عشان تقيف، مسك يدي و قال ما قادر، انا حسيت انو اتحشر ف قلت اجيهو بالجهة التانية و كان معاي واحد واقف في نفس الممر بالجهة التانية قلت حجيهو بهناك و نوقفو.
و انا ماري بين الكراسي القدامو زوجته كانت قاعدة جمبو و انا اقول ليها يلا قومي انزلي، هي ما ردت علي، لمن جيت بالجهة التانية و اكورك انزلي أشرت لي على رجلها اليمين، تقريبا مقطوعة من فوق الركبة بس متعلقة بشوية جلد و عضلة و اشوف العضم ظاهر، الطيارة بدت تفضى ، و بقت تقول لي امشي انت و اطلع، خليني و انجو ب حياتك، ما فضل ناس كتيرة بس شوية لمحت طاقم من قداام و كوركت I NEED A HELP IN HERE، جا واحد من الطاقم يصرخ فيني انزل قلت ليهو ديل مضروبين يحتاجو مساعدة بقى يكورك فيهم يلا قومو، لمن شاف رجلها خش في صدمة كمان، قلت ليهو عاوزين first aid kit, صرخ لواحدة من ورا لكن كان خلاص حتنط على زحلقان خروج الطوارئ. مافي نقالة و جا واحد قلت ليهو في اي إسعاف، قال مافي اي إسعاف في المطار الوقت داك، المهم بيجاي بيجاي جابو رباط حزام و استعملناهو ك tourniquet للرجل و قلنا نشيلها و نوقفها و هي تسند على رجلها الشمال، طلعت الرجل الشمال برضو مهشمة من تحت، و بقى انو نشيلها بس و نجرها للممر و نقدر نشيلها بطريقة احسن، لمن رقدناها في الممر خشيت سريع اشوف راجلها طلع ما كان قادر يتحرك عشان الذخيرة وقعت في رجلو اليمين و ثبتت فيها، الحل حاليا بس انو نطلعهم، رجعت و كان في واحد تاني جا ف شلنا المدام لحدي باب الطيارة الخلفي عند الزحلقان ، اكعب حاجة قرار انو ننزلها تتزحلق و رجليها بالوضع دا ف قلنا واحد ينزل قدامنا يستلم و واحد يتزحلق معاها يكون ماسكها، و الحمد لله نزلت في نفس الوقت في عربية mini van كانت جاية. و في نفس اللحظة في نفرين جابو راجلها ل قريب المخرج و بقينا مستنين انو يركبوها العربية بعد كدا ننزل، جريت شلت شنطة الضهر بتاعتي و رجعت و في الوقت دا بقى في صوت رصاص بيضرب الطيارة و كل شوية بيقرب علينا في المخرج، الحمد لله بعد كدا نزلنا و كنا اخر ناس ننزل عدا المتوفين يرحمهم الله و نحتسبهم شهداء في الأيام المباركة دي.
بيجاي بيجاي ركبنا و العربية جرت ل صالة الوصول و نزلناهم ل العيادة بتاعت المطار و كان فيها كم من ممرضة و دكتورة، و بقينا في الاسعافات الأولية و جو دكاترة سناير ما شاء الله عليهم و ربنا يفتحها عليهم محل يقبلو منهم دكتور محمد سيد نيوروسيرجري و تاني واحد ما مستحضر اسمو ، و في ٢ مديكال خريجين حازم و احمد الريح ربنا يبارك فيهم كلهم، قمنا بالاسعافات و تقريبا بقو stable، بعد كدا الدعم بدا يسيطر على جهة الطيارات ف الناس بدت تخش جوا الصالة، جا برضو دكتور سنير كبير ما عرفت اسمو و عمل review للعيانين,في النص كدا احمد بيسأل المدام و طلعت انها حامل في الشهر السابع، بعديها نقلنا العيانين جوا مكان الجمارك، ف الاقي تاني كم من فرد بيسعفوهم و راقدين معظمهم كانو حالات مستقرة الا واحدة abdomen gunshot ب دربات. شويتين كدا و بتطمن على المصابين النزلناهم يجي راجل و شايل طفل صغير (بتاع قبيل في صالة المغادرة) عشان يشوف ابواه، وقتها استحضرت انو الراجل دا هو نفس الراجل البيلعب مع ولدو قبيل، الولد لمن شاف ابوهو راقد انا ما اتحملت المنظر و قبلت ورا طوالي، الود لسة في حالة صدمة و كل شوية لمن اجي اتكلم معاهو يقول طيارة… بوف. شويتين كدا و بقت في ذخائر ولا دانة و رايش بينزل في الصالة من فوق كسرت السقف و عوقت الناس و في رصاص كان مدور و الناس اخدت الساتر، في كم اصابة تانية لكن ما حالات حرجة واحد راسو اتفتح و دكتور محمد خيطو، و تاني في واحدة اصابة في الكاحل، ما متذكر اذا تاني كان في إصابات.
بعد كدا الناس انقسمت في ناس قالو يمشو الجامع لأنو أأمن و واحد بيقول انو شغال في المطار و و المكان القاعدين فيهو آمن لانو كذا طبقة. الناس شوية شوية بدت تمشي و نقلو كل العيانين تقريبا الا واحدة بتاعت ال طلقة في البطن، في الناس الفضلنا كل شوية لمن الناس تحاول تطلع يجي رايش و يكسر الباركنج بتاع الصالة و صوت رصاص بيضرب في الحديد ف الناس بترجع. العيانة بعد كدا بدت ت تف دم اكتر و اكتر و اخوها بيصبر فيها و شغالين درب ورا درب، في فترة كدا هي بدت تنعس (تغبي) ف واقفين انا و اخوها نتكلم معاها و نصحيها كل ما تدقس (الحالة زايدة في الخطورة و النزيف شكلو زايد جوا). الحمد لله بعد فترة جات عربية و نقلوها و مشى معاهم احمد الريح و قال نزلت في ابراهيم مالك تقريبا بس بعديها عرفت انها اتوفت غليها رحمة الله. شوية شوية تجي عربية و بيطلعوا الكبار في السن، احنا الفضلنا اخر ناس تقريبا ٤، ٣ دكاترة وراجل كبير قالو نتوكل نطلع بصالة المغادرة لانو بيمشي الناس، ف جا واحد كان من أمن المطار تقريبا ب عربيتو و ركبنا معاهو و طلعنا من المطار ب صالة المغادرة و الدعم السريع كان مالي المطار و شارع المطار، منها نزلنا انا و د. محمد في شارع ١٥ و اتصرفنا لقدام.
يوم لا يوصف، أحداث مأساوية. و بعد الكاتبو, دا ولااا ربع احساس الحصل على أرض الواقع.
ربنا يحفظ و يغطي علينا و على أهل السودان و يستر الجميع و يشفى المرضى و يعافي الجرحى و يرحم الموتى و يا رب تخلص بأقل الأضرار.
ألالعنالله_الحرب…
كل الحب لك يا وطن ..
حياكم الله، أخي أبا زهير.
لا حول ولا قوة إلا بالله.
نسأل الله الرحمة والمغفرة للمتوفين، في هذه الحادثة المحزنة، وفي كل هذه المآسي الجارية في السودان.
ربنا يتقبل الذين صعدت أرواحهم إلى بارئها شهداء عنده..
ألهم آلهم وذويهم الصبر الجميل.
عجل الله بالشفاء والمعافاة لكل المصابين.
حمد لله على سلامة الابن الدكتور حازم والآخرين..
نسأل الله السلامة والأمان لعموم البلد.