في هذه الحرب الجارية الآن انقسم كتاب الرأي إلى قسمين، بصرف النظر أكثُر عددهم هنا او قل هناك، بين مؤيد (سلبا أو إيجابا) لهذا المعسكر أو ذاك. فماذا سيكون موقفنا جميعا (نحن كتاب الرأي) بعد أن تنتهي هذه الحرب؟ إذا انتهت هذه الحرب بتسوية من الناحية العسكرية، فإنها غالبا سوف تستمر في بعدها المدني حربا كلامية ضارية، ذلك ريثما تشتعل عسكريا مرة أخرى، فالحرب أولها كلام. أما إذا انتصر أحد الطرفين على الآخر، فعندها ينهض السؤال (فيما يلينا نحن ككتاب رأي): ما مصير كتاب الرأي الذين سيتم تصنيفهم على أنهم كانوا مع الطرف المنهزم، من حيث التأييد السلبي غير المباشر إلى التأييد الإيجابي المباشر، ومن حيث الهجوم السلبي غير المباشر تجاه المنتصر إلى الهجوم الإيجابي المباشر؟
هناك عدة قواعد تحكم هذه الأوضاع، نرى أنه من الأفضل الإشارة إلى بعضها مما نرى أهميته، ذلك من باب المساهمة في ترفيع وعينا جميعا ككتاب رأي بما قد يحيق بنا، أو ببعضنا، إذا دارت علينا الدوائر.
في استعراضي للقواعد أدناه سوف ابدأ بالشعب وبالجيش من منطلق اندراجهما ضمن المكونات الأساسية للدولة الوطنية الحديثة التي تقف الآن، خلال هذه الحرب، في المحك، بين أن تكون أو لا تكون. وبالطبع، من حق الآخرين أن يعكسوا الآية.
القاعدة الأولى
داخل حدود الدولة الوطنية، كل من يهاجم جيشا يخوض حربا، مصيرية أو غير مصيرية، ضد قوة عسكرية ينظر إليها الجيش بوصفها عدوا له، فموقفه هذا يجوّز للجيش، أثناء سير المعركة أو حال انتصاره، أن يفهمه على أنه اصطفاف مدني مع العدو الذي يحاربه هذا الجيش، وبالتالي خيانة للجيش والوطن.
القاعدة الثانية
كل من يهاجم جيشا يخوض حرباً عسكرية ضد قوة عسكرية أخرى، ذلك من منطلق قيام هذا الجيش بواجبه في حماية الشعب ومكتسباته، ممثلةً في ممتلكاته وعرضه ومؤسسات الدولة المملوكة للشعب، بما يجعل قطاعات الشعب الواقعة تحت طائلة هذه الحرب تلتف حول هذا الجيش بوصفه جيشها، عندها يجوز للشعب أن ينظر لهذا الشخص على أنه يدعم العدو لمجرد مهاجمته للجيش وهو يخوض الحرب دفاعا عن الشعب، وبالتالي يجوز تصنيفه كعدو للشعب وخائن للوطن.
القاعدة الثالثة
على الشخص الذي يهاجم الجيش وهو في الحالتين المشار إليهما في القاعدتين أعلاه أن يتوقع، حال انتصار الشعب وجيشه في هذه المعركة، خضوعه للمحاسبة العسيرة من قبل الشعب، عبر مؤسسات الدولة من قضاء مدني وعسكري، ثم من قبل قطاعات الشعب التي قد تعامله كمجرد خائن لها وللوطن.
القاعدة الرابعة
إذا أبدلنا هذا الشخص المشار إليه أعلاه بجهات ذات شخصيات اعتبارية (كأحزاب، نقابات، منظمات مجتمع مدني، إدارات أهلية … إلخ)، عندها فإن جميع ما ذكرناه عاليه سوف يحيق بها وبمنسوبيها، وربما بأكثر مما سيحيق بالأفراد الذين لا يمثلون غير أنفسهم.
القاعدة الخامسة والأخيرة
تقعيدا وتطبيقا للقواعد الأربعة عاليه على واقع الحرب الجارية الآن في السودان، فإن أي شخص (كفرد) أو جهة اعتبارية، يقف/تقف المواقف أعلاه ضد مليشيا الجنجويد، سوف يحيق بها كل ما ذكرناه أعلاه (وربما أكثر) في حال عكس الآية وإحلال المليشيا ومن والاها في خانة الجيش السوداني والشعب السوداني. فهذه القواعد الأربعة محكومة في جوهرها بحَمَلة المواقف السلبية/المضادة تجاه قوة عسكرية تخوض حرباً حال انتصار هذه القوة العسكرية.
ما يجب الاستفادة منه الآن والحرب لا تزال دائرة
أولا الذين يقفون المواقف السلبية/المضادة تجاه مليشيات الجنجويد، حال انتصار هذه المليشيات في الحرب، عليهم أن يتوقعوا أسوأ معاملة يمكن أن يتصورها الإنسان، أحياءً كانوا من قبيل ما رأيناه، أو أمواتاً كانوا من قبيل ما حاق بحاكم غرب دارفور المغدور، دونما أي تعويل على أي قانون بخلاف حكم الغوغاء والتعطش للانتقام والتشفي والرغبة في التنكيل.
ثانيا الذين يقفون المواقف السلبية/المضادة تجاه الشعب والجيش، حال انتصار الشعب والجيش في الحرب، عليهم أن يتوقعوا حسابا عسيرا، لكنه من الضرورة أن يكون محكوما بقوانين الدولة وتنفذه أجهزة الدولة ويراقبه ضمير الشعب، كما تراقبه القوانين الدولية، منعا لأي تفلتات ذات طابع جنجويدي. وأخطر عقاب يمكن أن يحيق بالمواطن داخل مؤسسة الدولة الوطنية هو انحجاب الأهلية دونه ودون ممارسة حق المواطنة في نقد أداء مؤسسات الدولة، وحتى نقد المجتمع نفسه، والتعبير عن رأيه. وأسوأ منه وأوخم عاقبةً أن يبوء المواطن بجريمة الخيانة الوطنية. وكل هذا نحن مقبلون عليه، كلٌّ بحسب موقفه، في الاحتمالين المشار إليهما أعلاه: انتصار مليشيات الجنجويد وشذاذ الآفاق المجرمة مقابل انتصار الشعب والجيش والدولة.
وعليه، يتوجب علينا، نحن المدنيين من كتاب الرأي الذين خضنا غمار هذه الحرب بأقلامنا وبألسنتنا، أن ندرك التبعات المنطقية لمواقفنا هذه في حالتي النصر أو الهزيمة.
In this war, citizenship rights should not be taken for granted as they will be decided by where you stand.
*MJH*
جوبا – 30 أغسطس 2023م