تقع المنطقة الصناعية في الخرطوم بحري التي تعدُّ واحدة من أكبر المناطق الصناعية في السودان، وتضم الآن أكثر من ألفي مصنع تعمل في مجالات متنوعة من الصناعات، تشمل دون حصر الصناعات الغذائية، والصناعات الكيماوية، والصناعات النسيجية و الهندسية .
يعمل في هذه المصانع الآلاف من العاملين الذين لا تتوافر إحصاءات دقيقة حول أعدادهم . إلى جانب هذه الصناعات بتنوعاتها توجد بالمنطقة الصناعية عدد كبير من الورش والصناعات الصغيرة، يقدر عدد العاملين فيها وفق إحصائيات غير رسمية بأكثر من عشرين ألف عامل تسببت الحرب في تشريدهم جميعاً وتهجيرهم منذ الأيام الأولى للحرب لقربه بل واتصاله المباشر مع سلاحي النقل والإشارة من الناحية الجنوبية.
ظلت هذه المنطقة ساحة لمواجهات عسكرية مستمرة بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع، وساحة يتنازعان على السيطرة عليها، وشملت أرض المعركة كامل المنطقة الصناعية.
كانت النتيجة الطبيعية للمعارك المستمرة لهذه الفترة الطويلة، تعرض جميع المصانع الكبيرة والصغيرة والورش للحرق والهدم ولعمليات السلب والنهب لتشكل أحد أكبر الخسائر الاقتصادية التي طالت البلاد مما سيكون له بالغ الأثر على الاقتصاد، هذا بالطبع بجانب خسائر رجال الأعمال والمستثمرين الذين فقدوا كامل استثماراتهم التي تبلغ الملايين من الدولارات.
هذا الأمر سيكون له أيضاً انعكاساته السلبية حينما يأتي التفكير لإعادة الاعمار والبناء بعد الحرب، حيث سيفكر هؤلاء كثيراً قبل العودة لإعادة الإعمار، إن لم يقرروا نقل استثماراتهم بشكل كامل لدول آمنة. أما المأساة الإنسانية الحقيقية فهي تلك التي لحقت بالشرائح الضعيفة من العمال الذين لا يدخرون أموالاً وفقدوا قيمة لقمة العيش اليومية من أول يوم لمبارحتهم لورشهم ومصانعهم، في ظل غياب أي دعم من الدولة أو مساعدات من أصحاب العمل تعينهم على مواجهة الكارثة مما اضطرهم الي الخروج للبحث عن أعمال هامشية، وعلى سبيل المثال فإن العامل م.ت ” وهو ميكانيكي سيارات وصاحب ورشة” اضطر للعمل بعد الحرب ب “درداقة” ينقل بها مشتريات المواطنين في سوق ١٣ بالحاج يوسف. العدد الأكبر من العمال نزحوا نحو الولايات ومعاناتهم كبيرة ولارتفاع قيمة الإيجارات وعدم وجود فرص للعمل هناك، التحقوا بأسرهم في مراكز الإيواء المكتظة بالنازحين، منتظرين دعم الحكومة والمنظمات والخيرين لسد رمق أطفالهم.
مع تطاول أمد الحرب وضيق أحوال هؤلاء العمال وأسرهم يحاول بعض عمال المنطقة الصناعية حاليا من النازحين إلى ولاية الجزيرة وحاضرتها مدينة ود مدنى ترتيب أوضاعهم وجمع قدراتهم المحدودة لفتح ورش بمنطقة ود مدني، وهي محاولات قد تنجح وقد تتعثر أمام قدراتهم المالية والإجراءات الحكومية الروتينية.
هذا الوضع المأساوى الناتج عن تداعيات الحرب حالة عايشتها وأتابعها، وهذا جزء يسير من مأساة الالآف وربما الملايين من العمال على مستوى المواقع الحربية في البلاد، دعك عن حالة أكثر من خمسة ملايين نزحوا داخل البلاد أو لجؤوا لخارجها.
ومن هنا نناشد طرفي الصراع بإيقاف هذه الحرب اللعينة فوراً رحمة بالمواطنين، ولإنهاء المآسي والآلام و ندعو كذلك كافة القوى الوطنية دون إقصاء باستثناء المؤتمر الوطني ، للتوافق من أجل الوصول لاتفاق شامل يقود للحكم المدني ويجنب فترة البلاد شر التجاذات و الصراعات التي قد تعصف مرة أخرى بآمال الشعب السوداني الذي يحلم بحكم مدني ديمقراطي يحقق شعارات ثورة ديسمبر المجيدة النتمثلة في الحرية والسلام و العدالة
والله المستعان.
جبهة مدنية عريضة من اجل انتشال الوطن وعودة المواطنين لديارهم ومحاسبة الانقلابيين والمتسببين في الحرب والمقصرين في حماية الانفس والممتلكات