بحكم التجربة الطويلة في العمل العام، والعلاقات الممتدة التي كانت تربطنا بأغلب من يأتي للعمل بسفارة السودان بالرياض من الدبلوماسيين والإداريين والنظاميين، نستطيع الحكم بنجاح كثيرين في خلق علاقات طيبة مع أبناء الجالية السودانية بالمملكة، ومازال البعض يذكرهم بالخير. وبالمثل فشل آخرون في أن يترك لنفسه أثراً في قلوب وذاكرة الناس لأنه أراد أن ينتصر لنفسه أو حزبه، ويكبر كومه أمام ولاة أمره في زمن الإنقاذ الأغبر. وبعضهم فشل لطبع فيه، أو قناعة جعلت منه مجرد آلة تؤدي دورها في خدمة المراجعين دون تفاعل أو إحساس بهموم الناس واوجاعهم مثله في ذلك مثل غالبية موظفي الخدمة المدنية في السودان يعامل الناس بقسوة وجفوة ويندمهم على اليوم الاحتاجو فيهو لخدمة من ديوان دولة، او سفارة بلدهم. ومازاد الطين بله طوال سنوات دولة الحزب الواحد أن ثقافة الحكم عندهم كانت تقوم على التسلط والجبروت ومعاكسة الغلابة وعامة المراجعين وبالأخص من “يشمون في طرف توبه ريحة معارضة” للنظام وقتها، مع تعامل راقي وعطوف في الجانب الآخر من صالات السفارة والمكاتب المكيفة حيث يجد أصحاب الشالات الملونة طالبي المصلحة وشعب كل حكومة تعاملاً خاصاً ودعما واهتماماً يفوق الوصف والعادة. ما ساقني لاجترار هذه الذكريات سيرة نائب السفير الحالي والقائم بالأعمال في السفارة السودانية بالعاصمة السعودية الرياض الأستاذ مهند عجبنا الذي كثيرا ما كيل له المدح ووجد الإشادة من مراجعي السفارة، خاصة في الظروف الحالية التي يمر بها السودان وفرضت واقعاً جديدا على السودانيين في بلاد المهجر. حيث عانى الكثيرون بسبب انتهاء صلاحية الجوازات، أو صعوبة الحصول على تأشيرات الدخول بسبب تشدد في الإجراءات من قبل الدول التي يرغبون في السفر إليها بدواعي العلاج أو الدراسة، وربما فراراً من حرب الجنرالين التي جعلتنا هائمين في بلاد الدنيا، وأفقدت الناس القدامهم والوراهم… نعم من حق أي دولة أن تتخذ ما تراه مناسبا في ضبط التدفق إلى أراضيها، ولكن من حق كل سوداني أن يجد الدعم والاستشارة والاهتمام من سفارة بلده لنقدم جميعاً تجربة راقية تشبه تاريخنا وتلامس ثقافات الشعوب، وحتى لا نكون عالة على أشقائنا وأصدقائنا، أو مثالاً للفوضى، وتجاوز الأنظمة والقوانين. جملة أخيرة: السفير مهند لم التقه في حياتي، لكنه والحق يقال قدم نموذجاً راقياً يشبه تاريخ الدبلوماسية السودانية قبل الإنقاذ في التعامل مع كثير من الحالات المستعصية آخرها ماحكاه لي صديق أثق في روايته أن السفير مهند وصلت به الدرجة من الأريحية والتعاون أن قال للموظف المختص أنجز للرجل طلبه تحت ضمانتي الشخصية، وهو لا يعرف صديقي هذا ولا تجمعه به قرابة أو صداقة أو حتى انتماءً سياسي أو رياضي. ثبتك الله على ما أنت فيه أيها المهند وكتر من أمثالك، وأنعم على سوداننا بسلام دائم، وغيض له حكما راشداً دستوره العدل، وأخلاقه المحبة.