تنفس السودانيون الصعداء بعد رفع العقوبات الاقتصادية والمالية عشماً في أن ذلك التطور ربما يخفف عنهم بعض الأعباء التي ظلوا يحملونها على عواتقهم لما يقارب الثلاثين عاما، تحت أخطاء وسوء سياسات سلطة حكومات ما يسمى بـ”الحركة الإسلامية “التي تعاقبت خلال هذه الفترة.
لكن رفع العقوبات الذي جاء برداً وسلاماً على أهل السودان وضع السلطة الحاكمة بمرجعياتها أمام مرآة واشنطن والمجتمع الدولي، وتحت عين رقابة الكاميرا الخفية والعلنية اليومية، فأصبح على النخبة الحاكمة التي عملت على رفع العقوبات وتسعى للمزيد والتي تمثل هجينا بين العسكريين والإسلاميين المتحالفين معاً من الذين يفضلون “الكاب” على العمامة ، أن تختار بين السير على طريق دولة مدنية تحترم شعبها وحقه في الحرية وتنسجم مع المجتمع الدولي وتلتزم بقيمه الحضارية مديرة ظهرها لماضي التوجه الحضاري وتوابعه من الأدبيات والأنشطة والشعارات والشخوص والرموز، أو ان تعود إلى مربع العقوبات والحصار الأول باختيارها مجددا ذلك الماضي التعيس.
لكن ثمة مؤشرات تدل على أن النخبة الحاكمة ربما أصبحت أكثر ميلاً لاستكمال مشوار الاندماج في المجتمع الدولي على حساب ماضي التوجه الحضاري التعيس ورموزه وهو ما يشكل خياراً إيجابياً مرحباً به من معظم أهل السودان الذين اكتووا بنار الإسلاميين وسياساتهم التي مزقت البلاد وفساد بعضهم ممن مكنوا لأنفسهم بالمال العام وموارد البلاد دون حسيب أو رقيب.
من أهم هذه المؤشرات منع قيام مؤتمر ما يسمى بالحركة الإسلامية وهو المؤتمر الذي درج منظموه على دعوة زعماء وقيادات لجماعات يصنفها المجتمع الدولي كعناصر متطرفة أو ذات صلة بالتطرف كضيوف شرف.
ويأتي المنع في الواقع رغم ما أحدثه من صراع خفي في بنية النظام كقرار هام شكل نقطة جديرة بالملاحظة والاهتمام خاصة وأن هذه الحركة الإسلامية بكل تنظيماتها هي التي تسببت من خلال سياساتها الصبيانية في تحدي العالم دون قدرة، سببت الكثير من المعاناة للشعب السوداني سواء من خلال الحصار او العقوبات أو حرمان السودان من دوره الإقليمي والدولي وتعطيل تنميته وتقدمه أو حتى من خلال تعطيل منصب رئيس السودان الذي أصبح ملاحقا مما سبب حرجا لجميع السودانيين طوال عقدين دون أن يستحقوا ذلك.
ورغم أن البعض قد يرى أن لا فرق بين العسكريين والمدنيين من أهل “الإنقاذ” ( نظام الرئيس عمر البشير) وهذه مسألة نسبية إلا أن تشجيع مثل هذه الخطوات هي التي قد تفتح الباب للتغيير الديمقراطي السلمي، وتعيد الأمور إلى نصابها ببناء دولة المؤسسات وتحطم أصنام وسياسات ورموز دولة التمكين التي استباحت موارد البلاد سيما وأن مثل هذه القرارات قد تفّعل قرارات مماثلة على صعيد المراجعات في جوانب شتى، سواء برغبة ذاتية او اضطرارية .
ورغم هذا التحرك البطيء فإننا لانزال ننتظر إجابة مقنعة عند نهاية سؤال مشروع ما انفك يشغل المهمومين بهذا الوطن، إجابة قد تلبي مطلب السؤال رغم أن هناك بديهيات ربما تقنع البعض بمقولة أن الحال يغني عن السؤال.
سؤالنا المحفز للتغيير والملامس للطموحات رغم الواقع المعاش هو، أليس من حق المواطن السوداني أن تكون له دولة مؤسسات بمعنى ان يكون هناك برلمان منتخب مستقل في قراره دون توجيهات رئاسية او تنفيذية ؟
أن يكون له قضاء مستقل لا يخشى في الحق لومة لائم ؟ وقوانين تخضع للدستور لا دستور يخضع للقوانين، أن يكون له إعلام حر وصحافة مستقلة ؟
أن تكون له أحزاب وطنية ديمقراطية تمارس نشاطها في حرية وفق الدستور دون تضييق أو ملاحقات لا تخضع لأمزجة أجهزة الأمن ؟ أن تكون له أجهزة أمن لا تخضع لإرادة الحزب الحاكم وتوجيهاته .
أن يكون له منصب رئاسي حر يشارك في المحافل الإقليمية والدولية دون ملاحقات أو احراج دبلوماسي؟ أن تكون له خدمة مدنية مستقلة تخضع معايير التوظيف فيها للمعايير المهنية ولشروط المهنية والقدرة والكفاءة التي يتطلبها المنصب المعين.
الإجابة على هذه الأسئلة ربما تكفي لأن نقول أن مجرد منع مؤتمر لـ”الحركة الإسلامية” أس البلاء في السودان ليس كافيا مالم يواكب أي انفتاح مرجو على العالم الإجابة، والاستجابة لهذه التساؤلات التي تمثل المطالب والشروط المطلوب تطبيقها على أرض الواقع، فحرية الاقتصاد لا تنفصل عن الحريات السياسية والعامة، وتحقيق الشفافية لا ينفصل عن محاربة الفساد، وبناء نظام ديمقراطي منتخب واحترام حقوق المواطن السوداني لا ينفصل عن نيل احترام وتعامل المجتمع الدولي، فهل تكمل النسخة الحالية من “نظام الإنقاذ” مشوار تطبيع علاقاتها من المجتمعين السوداني أولاً والدولي ثانياً ؟.