تقديم: هذه ترجمة وتلخيص لبعض ما جاء في ورقة بحثية (مَبذولة في موقع ResearchGate) قُدمت في المؤتمر العالمي لاستكشاف روابط الصين القديمة بأفريقيا، الذي أنعقد بأديس أبابا في أكتوبر 2014م. وتعرض الورقة الأدلة على تاريخ اتصالات الصين بالبحر الأحمر، وتأتي على ذكر بعض الأبحاث الأثرية الحديثة التي أجريت في سواكن بالسودان. وأورد المؤلفان الكثير من الخرائط لسواكن (من عصور مختلفة، منذ عام 1541م)، وصوراً لبعض الآثار المكتشفة فيها، التي تعود أصولها لدول مختلفة مثل اليمن وبلاد فارس والهند والصين.
تعمل جاكي فيليبس المتخصصة في التاريخ الثقافي بقسم الآثار وتاريخ الفن في مدرسة الدراسات الشرقية والافريقية التابع لجامعة لندن (https://shorturl.at/euMY8). أما لورنس اسمث (https://shorturl.at/nqM05) فهو أستاذ فخري في نفس المدرسة ويعمل خبيراً اقتصاديا متخصصاً في إدارة الموارد الطبيعية، والتنمية الريفية، وإدارة الموارد المائية.
وعلى الرغم من أن العنوان يوحي بأن المقال ينصب على علاقات ميناء سواكن بالصين، إلا أنه في الواقع يتناول علاقة ذلك الميناء منذ القدم مع مناطق مختلفة في العالم منها القرن الأفريقي واليمن وبلاد فارس والهند والصين.
المترجم
1/ بدأ المؤلفان مقالهما بالقول بأن البحر الأحمر، وما تقع على شواطئه من مدن أقيمت بها موانئ (port – cities) أدت أدواراً بالغة الأهمية في تاريخ الملاحة والتجارة والاتصال بين مناطق أفريقيا الداخلية وشبه الجزيرة العربية وآسيا وأوروبا وساحل شرق أفريقيا (السواحلي). وترتبط كل تلك المناطق بأراضيها الداخلية النائية، وبالعالم الخارجي. ويقوم البحر الأحمر وما فيه من موانئ بدور الوسطاء بين شبكات التجارة الإقليمية والعالمية. وذكر المؤلفان أنهما يركزان في مقالهما على الموقع الاستراتيجي لذلك الميناء في جزيرة / مدينة سواكن على الساحل السوداني الحديث، ودورها في حركة الناس والبضائع والأفكار إلى الخارج فيما يعرف بالنظام العالمي للمحيط الهندي the “Indian Ocean system” الذي يمتد شرقاً حتى يبلغ الصين، والذي توسع دوره غرباً حتى بلغ المناطق الداخلية بأفريقيا.
2/ سواكن هي جزيرة مرجانية منخفضة وهي الآن بيضاوية بشكل مصطنع يبلغ قطرها ميلاً واحداً تقريباً، وتقع في بحيرة في الطرف الغربي لقناة طويلة تخترق الشعاب المرجانية الكثيفة على ساحل البحر الأحمر السوداني. وكانت لسواكن مزايا طبيعية عديدة جعلت منها مرفأً وميناءً مثالياً، وكانت تلك المزايا سبباً في إطالة عمرها. وكانت مداخلها آمنة وتسهل نسبياً فيها الملاحة في المياه الضحلة بالنسبة للمراكب الشراعية الخشبية. وبهذا يمكن للسفن البقاء فيها بأمان لفترات طويلة من الوقت، مع سهولة مراقبتها من النقاط العسكرية والاقتصادية الاستراتيجية في كل من الجزيرة وبرها الرئيسي.
3/ بقيت سواكن مدينة مزدهرة حتى بدايات القرن العشرين، حين بدأت في الانحدار، وعُدت ضحيةً لتزايد أعداد السفن الضخمة، والتغرين (تَوضُّع الطمي silting) التدريجي في بحيرتها، وبسبب إنشاء ميناء جديد حل محلها في بورتسودان، التي تبعد عنها مسافة أربعين كيلومتر شمالاً (1). وسواكن اليوم شبه مهجورة، وقد تهدمت مبانيها ومساكن تجارها التي بُنِيَتْ في الغالب إبان سنوات القرن التاسع عشر، رغم أنها بقيت منطقة جاذبة للسُيّاح.
4/ يتناول “مشروع سواكن The Suakin Project” الذي يشمل الكثير من التخصصات لدراسة الجزيرة وما حولها من بَرّ، منذ عام 2002م في عدد من الجامعات والمؤسسات مثل جامعة كمبردج (2) وجامعة الخرطوم والمؤسسة الوطنية السودانية للآثار والمتاحف ومعهد ماكدونالد، ومؤسسات أخرى. والمشروع واسع النطاق، غير أن أهدافه النهائية تشمل مسحاً معمارياً شاملا لسواكن، وعمل اختبارات لمواقع واختبارات التنقيب وترتيب التسلسل الزمني للموقع المعين. وأثبت التنقيب في الجزيرة تسلسلا زمنيا استراتيجيا بدأ من الزمن الحالي نزولا إلى أواخر القرن الحادي عشر على “طاولة الماء water table” (3).
5/ تعتمد سواكن كلياً على التجارة مصدراً وحيداً للدخل، إذ أنها تفتقر لأي موارد زراعية أو صناعية (عدا القليل جداً من البضائع المصنوعة محليا). وبالنظر لموقعها الجغرافي وعلاقاتها السياسية، فليس من المستغرب أنه كانت لها علاقات تجارية وثيقة مع العالم الخارجي، عبر البحر الأحمر، وما هو أبعد من ذلك. ولم يُعْثَر بعد في سواكن على أي آثار كلاسيكية (4) إلا أن أوصافها الفيزيائية (الشكلية) تشابه بصورة شبه كاملة الميناء الروماني Portus Evangelon الذي ذكره عالم الفلك كلوديوس بطليموس في منتصف القرن الثاني للميلاد (نحو 100م – 180م). وسواكن هي واحدة من المواقع المحتملة لميناء Ptolemais Theron الذي ذُكِرَ، ولم يُوصَف، في منتصف القرن الأول الميلادي، بمحيط البحر الأحمر( Periplus Erythraei)؛ وقد كان في ذلك الحين نقطة تقاطع رئيسة في شبكة التجارة واسعة النطاق بين العالم القديم (الكلاسيكي) وبين مناطق بعيدة مثل الهند وسيرلانكا.
6/ تقلبت أحوال التجارة في سواكن بين مراحل علو وهبوط، وذلك بحسب حالة الاستقرار المحلي، وأوضاع الشؤون السياسية في العالم. وسُجِّلَ في التاريخ أن أول مستوطنة في سواكن كانت قد نشأت منذ بداية القرن التاسع الميلادي. وعند حلول القرن الثالث عشر بدأ التجار من مختلف أرجاء العالم يديرون أعمالهم من سواكن بصورة مكثفة، أو حتى يتخذونها مقراً لهم. غير أن العمري (5) كتب في حوالي عام 1340م بأن “سواكن ليست مملكة عظيمة، وليست بها مخازن تجارية كبيرة”. وبعد ذلك بفترة قصيرة نسبيا تدهورت أحوال ميناء مهم في عَيذاب (يقع علي ساحل البحر الأحمر في مثلث حلايب. المترجم) يقع على بعد 360 كيلومتر شمالاً من سواكن، حتى تدمر تماماً في 1428م. وغدت سواكن بعد ذلك واحدة من أهم موانئ البحر الأحمر على الساحل الإفريقي؛ وظلت تحتفظ بذلك الوضع الرفيع لنحو نصف قرن كامل (6). ولم يصل الأوربيون إلى سواكن إلا في سنوات متأخرة بعد ذلك، ولم يسجل لهم أي نشاط تجاري مع ميناء سواكن إلا من بدايات القرن الخامس عشر. وفي عام 1517م سيطر العثمانيون على مصر وزحفوا جنوباً واحتلوا سواكن وبقية الموانئ على شاطئ البحر الأحمر (ويجدر بالذكر هنا بأن تركيا كانت قد تعهدت قبل سنوات بإعادة إعمار سواكن. المترجم). https://shorturl.at/qzJPW). وظل العثمانيون بعد ذلك هم من يديرون التجارة عبر ميناء سواكن، بينما بقي أفراد قبائل البجا في الساحل، وسلطات دولة الفونج السنارية يتحكمون في طرق سير القوافل التجارية القادمة للميناء من باقي أنحاء السودان. وفي عام 1541م أحرق البرتغاليون ميناء سواكن، ولكن العثمانيين أفلحوا في إعادة بنائه وتشغيله. وشهدت نهايات القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر انحساراً في التجارة، غير أنها عادت للازدهار مجدداً في القرن التاسع عشر. وعادت السيطرة على سواكن مجددا للمصريين في 1821م، وأعلن ذلك رسمياً في عام 1865م. وآلت السيطرة على المدينة والميناء للبريطانيين بعد أن احتلت بريطانيا مصر في عام 1873م. وازدهرت التجارة من سواكن بأكثر مما كانت عليه بعد افتتاح قناة السويس في 1869م، إلا أن البحرية في سواكن لم تعد تتسع للسفن الكبيرة. لذا قام البريطانيون بتشييد ميناء جديد في “بورتسودان” على بعد أربعين كيلومتر من سواكن. وما أن حل عام 1922م حتى هُجرت سواكن فعلياً.
7/ كانت التجارة الخارجية في سواكن شرقاً خارج القرن الأفريقي نفسها تجارة “غير مباشرة” إلى حد كبير، وعلى الأرجح بشكل عام بعد عملية الانتقال إلى نموذج ثلاثي الأطراف يتكون من ثلاث مناطق من الاتصال: منطقة غرب البحر الأحمر إلى الخليج الفارسي (العربي)، ومنطقة إعادة الشحن بين كامباي (بالهند) وملقا (بإسبانيا)، وفي منطقة شرقية من ملقا إلى جنوب الصين. وتشير بعض الكتابات الصينية (التي أثيرت حولها بعض الشكوك) إلى أنه كانت هناك علاقات تجارية غير مباشرة بين أفريقيا والصين إبان عهد أسرة هانHan (202 قبل الميلاد حتى 220م). أما أول الكتابات المقبولة التوثيق فهو تقرير حربي كتبه ديو هوان في غضون سنوات أسرة تانق (618 – 907م) وصف فيه الموانئ والمواقع على البحر الأحمر والأراضي النائية في داخل أفريقيا. وفي منتصف القرن التاسع والقرن العاشر الميلادي صدرت عدد من النصوص العربية التي تناولت الرحلات التجارية التي سُيرت بين الخليج الفارسي (العربي) والصين، مثل “كتاب المسالك والممالك” لأبي القاسم عبد الله ابن خرداذبة، و”أخبار الصين والهند” لأبي زيد السيرافي. وليس هناك من دليل على أن تجار سواكن قد سافروا إلى شرق آسيا، ربما بسبب أخطار مثل تلك الرحلة. بل إن الرحالة المسلم بزرك بن شهريار (صاحب كتاب “عجائب الهند”) الذي عاش في القرن العاشر الميلادي كتب بما يفيد أنه: “إذا بلغ الرجل الصين دون أن يلقى حتفه في الطريق، فهذه معجزة في حد ذاتها؛ أما إذا ما عاد الرجل سالماً لأهله من تلك الرحلة فهذا أمر لم نسمع به قط”. وعلى الرغم من ذلك فالسجلات الصينية توضح لنا أن الصينيين كانوا على معرفة بأفريقيا، وأنهم قاموا برحلات بحرية إليها ومن أمثلة ذلك ما قام به الادميرال زينق هي من رحلة من بلاده إلى عدن ومقديشو ثم عبر الساحل السواحلي (بكينيا وتنزانيا الحديثة) في رحلاته الأربع الأخيرة من بين سبع رحلات قام بها، وأيضاً في رحلته السابعة عام 1433م، والتي وصل فيها حتى ميناء جدة. ويتزامن تاريخ رحلة ذلك الأدميرال مع تاريخ أول ظهور لأي كمية من الخزف الصيني في علم الطبقات السواكني (Suakini stratigraphy).
8/ إن أفضل دليل آثاري متوفر لدينا عن صلات سواكن بالعالم الخارجي هو الخزف (ceramics) المستورد الذي عُثِرَ عليه بالجزيرة. فهو لا يبرز فقط باعتباره شيئاً “مختلفا” عما اُكْتُشِفَ من آثار، ولكنه (عندما يمكن التأكد من أصله وتاريخه) يوفر لنا تاريخاً لعلاقات سواكن الخارجية عبر الزمان والمكان. ومن جانب آخر، كان غالب ما يُصدر من السودان عبر سواكن، بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر، يشمل الرقيق والذهب والحيوانات الحية والمواد النباتية والحيوانية التي كانت تُجلب لسواكن بالقوافل من الغرب عبر بر سواكن، وتحملها المراكب عبر الميناء. وفي خارج السودان يصعب التعرف على أن كل تلك “البضائع” كانت قد صُدرت من أو عبر ميناء سواكن تحديداً، على الرغم من أنها كانت بالفعل كذلك.
وكانت الأخشاب هي المادة “الخام” الوحيدة التي كانت تُجْلَبُ من خارج السودان وتم اكتشافها أثناء عمليات التخليص والاستكشاف. وكشفت التحليلات التي أجريت حديثاً حول بنية تلك الأخشاب في سواكن خطل فكرة أن “تيك يافا Java Teak” كان قد استورد لسواكن كثَقّالات ballast من جنوب شرق آسيا لاستخدامها في البناء. ولا يوجد دليل الآن على أن الأخشاب المستوردة كانت من نوع شورية Shorea التي جلبت من جنوب شرق آسيا وجنوبها لاستخدامها في ديكورات النوافذ. وأثبتت التحاليل التي أجريت على أخشاب سواكن أنها كانت من أنواع أشجار محلية.
9/ كانت غالب المواد المستوردة عبر سواكن تتكون من مواد مصنعة، مثل الفخار والخزف (الصيني) والأواني الزجاجية أيضاً. وكان ذلك الزجاج يأتي – بكميات محدودة – من مناطق إسلامية أو أوروبية. بينما كان الفخار والخزف (الصيني) يأتي من مصر والجزيرة العربية والخليج الفارسي (العربي) والهند وجنوب شرق آسيا والصين. ووجدت مواد مشابهة لتلك التي اُكْتُشِفَتْ في سواكن في الساحل السواحلي (بكينيا وتنزانيا الآن)، وفي مناطق بعيدة عن البحر الأحمر.
10/ عُثِرَ في سواكن على بقايا سلع ومواد (ware) من اليمن ومواقع على الساحل السواحلي، ومن “رأس الخيمة” (بالإمارات العربية المتحدة) وتنسب كل تلك المواد لليمن (Yemeni Yellow Ware)، ربما تكون قد صُنِعَتْ باليمن في الفترة بين منتصف القرن الثالث عشر إلى القرن الرابع عشر أو الخامس عشر الميلادي. وهذا يدل على أنه كان بسواكن في تلك الحقبة ميناء عامر بالنشاط. وفي القرن الخامس عشر الميلادي كانت عدن من أكبر وأهم الموانئ في المنطقة المعروفة الآن باليمن، على الرغم من أن ميناء المخا Moccha (الذي يقع شمال “باب المندب” على الساحل العربي) كان أيضاً من الموانئ النشطة في ذلك الزمان. ويعتقد بعض المؤرخين والآثاريين بأن ازدهار ميناء سواكن جاء نتيجة لاضمحلال ميناء عَيذاب. وفي تلك السنوات كانت سواكن مرتبطة إدارياُ بجدة، حين كانت الطرق التجارية الأكثر استخداماً تمتد بين جدة وسواكن.
11/ كان بسواكن في القرن الخامس عشر وبدايات القرن السادس عشر الميلادي خزف فارسي مرقط باللون الأزرق. وكان موجوداً أيضا في مناطق الخليج الفارسي (العربي) والساحل العربي الجنوبي وساحل شرق أفريقيا. وكذلك عُثِرَ على ذلك الخزف في القاهرة القديمة (الفسطاط)، ويمتد تاريخ تلك الاكتشافات جميعا للفترة بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر. وكانت تلك المواد تمر عبر مضيق هرمز على السواحل الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، أو من عدن لسواكن.
ووُجدت بسواكن أيضاً بقايا سلع منزلية هندية يعود تاريخها إلى الفترة ما بين القرن الثالث عشر إلى منتصف القرن السادس عشر. وتعود تلك السلع لمنطقة غوجارات في شمال غرب الهند. وقد عُثِرَ على بقايا ذات المواد في المناطق حول مضيق هرمز وصحار (في عمان) وفي رأس الخيمة (بالأمارات العربية المتحدة).
12/ وعُثِرَ بسواكن أيضاً على بقايا خزف صيني صلب وأواني حجرية صينية مما يدل على وجود صلات تجارية بينهما منذ القرن الثالث عشر الميلادي، إن لم يكن قبل ذلك. ووجدت ذات الأواني الحجرية الصينية في منطقة جلفار (بالأمارات العربية المتحدة الآن) وكان تاريخها يعود للقرنين السادس عشر والسابع عشر.
13/ وفي ختام المقال تناولت الكاتبة والكاتب “حركة الحج pilgrimage traffic” أي السفر بالبحر إلى مكة من مختلف البلدان، الذي يرتبط بشكل مباشر بالجوانب التجارية والسياسية المتأصلة لعلاقة سواكن الخارجية. وقد أتاح الحج التواصل والنقل عبر مسافات طويلة بين الأفراد غير القادرين على التواصل المباشر. وكان الحجاج من شمال أفريقيا والشرق الأدنى يسافرون عبر طرق القوافل، وبعضهم يعبر أيضاً البحر الأحمر من سواكن أو عيذاب قبل ركوب السفن إلى جدة. ومن بين 93,250 حاجاً تم تسجيلهم بين عامي 1877 و1880م، جاء 61,750 منهم (حوالي الثلثين) عن طريق البحر و31,500 (حوالي الثلث) عن طريق البر. وجاء أكثر من نصف الحجاج المنقولين بحراً من بلدان ما وراء خليج عدن من الشرق، بما في ذلك حوالي 15000 هندي، و12000 ماليزي، و6000 فارسي، وحتى 100 صيني. وكانت السفن التي تحمل أولئك الحجاج تتوقف في سواكن لأغراض تجارية أو لحمل المزيد من الحجاج المسافرين لجدة. وكنت سواكن تُعد مستودعاً للبضائع (entrepôt) وأكثر الموانئ أماناً، وغدت مكاناً طبيعيا تتوقف فيه الرحلات البحرية. وكان المتنصرون (الذين تحولوا للمسيحية) من الآسيويين يسافرون بحراً من الهند إلى الأماكن التي يعدونها مقدسةً في أوروبا عبر سواكن.
خاتِمَة
نخلص إلى أن سواكن لم تكن تشارك فقط في التجارة داخل منطقة البحر الأحمر ومع شبه الجزيرة العربية على جانبها الشرقي، ولكنها كانت مرتبطة أيضاً بشكل كامل بشبكات التجارة الأوسع في المحيط الهندي. ويشمل ذلك صلات بين المسافات المتوسطة (medium – distance links) إلى جنوب آسيا وروابطها الأطول مسافةً عبر جنوب شرق آسيا والصين. وربما كانت السفن الصينية تنتقل عبر ميناء قوانغتشو guangzhou، الأقرب لأغلب مراكز الإنتاج التي تم التعرف عليها في جنوب شرق الصين. لا يمكن أن تشير كميات الخزف الصيني والسيلادون (4) التي تم العثور عليها أثناء عمليات التنقيب حتى الآن إلى ما إذا كانت سواكن نشطة في تجارة كبيرة للسيراميك نفسه مباشرة إلى الصين أم لا. هذا إلى جانب احتمال أن تكون بعض السفن قد تجولت في شرق آسيا وحتى داخل الصين نفسها قبل أن تنتقل إلى سواكن وعبرها، مما قد يشير إلى أن بعضها على الأقل جاء إلى جزيرة سواكن من خلال تبادلها، إما عن طريق التجارة أو العرض، باعتبارها ملكية خاصة للبحارة والتجار. ورغماً عن أن الأدلة لا تزال محدودة للغاية حتى الآن، فمن الممكن أن تكون الروابط الصينية مع البحر الأحمر قد تم تأسيسها في وقت مبكر من عهد أسرة سونغ اللاحقة، عندما كانت سواكن على الأرجح مستوطنةً صغيرة وغير مهمة. ومع ذلك، فإن تواريخ الغالبية العظمى من تلك المواد الصينية يعود إلى أسرتي مينغ وتشينغ؛ وتتزامن مع الفترة التي كانت فيها سواكن هي الميناء الرئيس على ساحل البحر الأحمر الأفريقي بين مصوع ومصر.
إحالات مرجعية
1/ للمزيد عن قصة إنشاء ميناء بورتسودان يمكن النظر في مقالين تجدهما في الرابطين https://shorturl.at/HSUXY و https://shorturl.at/ijkzG
2/ انظر استعراض لكتاب د. شادية طه الموسوم “التعلق بتراث مهجور: دراسة حالة سواكن في السودان” في هذا الرابط https://rb.gy/mlp5gt