بعد توقيع إعلان أديس أبابا، و عقد مؤتمر صحفيا بين اللجنة التنسيقية ” تقدم” برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك و ميليشيا الدعم بقيادة حميدتي، تحدث حميدتي في عدد من القضايا، و المؤتمر الصحفي فتح العديد من الملفات. أولها التقاء حميدتي بقيادات المؤتمر الوطني، وكان مستشارو الميليشيا قد كذبوا هذه الأخبار التي جاءت في الأيام الأولى للحرب أن قائد قوات الدعم السريع التقى بقيادات من حزب المؤتمر الوطني قبل الحرب بأسبوع و خاصة على كرتي بهدف دعمه في الصراع ضد قيادات القوات المسلحة. و لكن نفت الميليشيا تماما هذه الإدعاءت، و قالت أن عناصر المؤتمر يكذبون. و في المؤتمر الصحفي المشترك أكد حميدتي أنه التقي بالفعل بقيادات المؤتمر الوطني و خاصة على كرتي. قال حميدتي أنه استعان بهم بهدف الوساطة مع قيادات الجيش، لكن مقولة أخرى تقول طلب منهم دعمه في عمل ضد قيادة الجيش. فهل رفض قيادة المؤتمر الوطني هي التي جعلت الميليشيا تنشر شعارات إنها تحارب الكيزان و الفلول، رغم أن الميليشيا هي صنيعتهم و أيضا العديد من القيادات النافذة في الميليشيا هي تابعة لهم. و هل كانت دولة الأمارات على دراية بإتصالات حميدتي بقيادات المؤتمر الوطني؟ هذه تتطلب معرفة ما يقول الجانب الأخر الذي تم إجراء الاتصال به.
القضية الثانية: أن جولة حميدتي بطائرة خاصة لدولة الأمارات للمهام الخاصة، و التي نقلته من تشاد إلي عينتيبي في يوغندا ثم إلي أديس أبابا و جيبوتي. هذا يؤكد دعم دولة الأمارت للزيارات التي قام بها حميدتي لعدد من العواصم، و في مؤتمر قمة الإيغاد الآخير جاء وزير الدولة للخارجية شخبوط بطائرة خاصة بصحبته عدد من قيادات الميليشيا إلي جيبوتي و أجروا اتصالات على هامش القمة. الأمر الذي يؤكد الدعم المباشر لدولة الأمارات للميليشيا سياسيا و عسكريا، و حمدوك أيضا إقامته في الأمارات العربية و أول مؤتمر صحفي عقده حمدوك بعد الحرب مباشرة كان في أبوظبي رغم أن دولة الأمارات لا تقبل أي نشاط سياسي في أراضيها إلا إذا كان بقبول صناع القرار فيها. و يصبح هنا سؤالا مهما من الذي يفرض الأجندة في جانب الميليشيا و اتباعها هم أم دولة الامارات العربية؟ و إذا كانت الأخيرة ما هي مطالبها لوقف الحرب و ماذا تريد من السودان كدولة؟
القضية الثالثة: عندما دعا الرئيس التشادي محمد كاكا قيادات الحركات المسلحة لزيارة انجمينا في يوليو الماضي، و ذهب جميع قيادات الحركات؛ هل كان حميدتي متواجدا في انجمينا؟ قال جبريل إبراهيم قائد حركة العدل و المساواة أنه ذهب و قابل الرئيس التشادي و صد راجعا دون مقابلة أي شخص أخر. هل رجوع جبريل إبراهيم دون الأخرين هو الذي كان سببا في انقسام الحركة؟ و أيضا كان قد وصل أنجمينا في ذات الفترة عبد الرحيم دقلو القائد الثاني للميليشيا. مما يوحي أن قيادة الميليشيا التقت ببقية قيادات الحركات الأخرى ما هو الذي تم في هذا اللقاء كلها قضايا تحتاج إجابات من قيادات الحركات.
القضية الرابعة: في شهر أغسطس؛ قدمت إبوظبي آليات عسكرية و أمنية و فتحت العديد من مكاتب للمخابرات في أنجمينا، و في سبتمبر زار الرئيس التشادي محمد كاكا الأمارات. حيث وافق على منح الأمارات مطار أم جرس الذي كان تحت سيطرة أجهزة المخابرات الأمارتية التي تتواجد حتى الآن، و هناك تقع المكاتب المسؤولة مباشرة على دعم الميليشيا عسكريا و سياسيا و ماديا. و هذه المكاتب هي التي يقع عليها عبء تجيش عرب الشتات في كل من تشاد و النيجر و مالي و افريقيا الوسطى و حتى تحريك مئات من المقاتلين من اليمن.
وقعت اللجنة التنسيقية للقوى المدنية ” تقدم” على إعلان أديس أبابا مع ميليشيا الدعم، و في ذات الجلسة عقد مؤتمر صحفيا شن فيه حميدتي هجوما عنيفا على قيادات الجيش، و رفض فيه عملية الاستنفار الشعبي، و اتهم القوى الأخرى أنها تقتل الناس بالانتماء الجهوي و القبائلى، و اتهم سلاح الطيران بأنه هو الذي هدم البنية التحتية للدولة، و المصانع، و لم يتطرق أبدا على ممارسات الميليشيا التي يعيها المواطنون تماما. هل موافقة ” تقدم” على استغلال حميدتي منصة مشتركة تعني موافقتهم على كل ما قاله الرجل في غياب الأخرين، و هي تعتقد إنها تقوم بمهمة وساطة…! و كان من المفترض أن تكون غير منحازة فيها؟ أم هي تريد أن تؤكد للشعب السوداني أنها تمثل الجناح السياسي للميليشيا؟ لذلك سكتت عن اتهامات حميدتي في منصة كان من المفترض أن يكون الحديث فيها يخدم عملية الوساطة و لا يهدمها؟
في الجانب الأخر للمشهد أعلن المتحدث الرسمي للحزب الشيوعي السوداني فتحي فضل لراديو دبنقا، (أن الحزب الشيوعي يرحب بأي محاولة و أي جهود لإيقاف الحرب و العمل على إنهائها و إزالة أسبابها و رفع المعاناة عن الشعب) و يضيف قائلا ( أن يكون اللقاء خطوة في الاتجاه الصحيح لوضع أسس لإنهاء الحرب و بناء حاضنة سياسية مدنية تستند إلي جهود كل القوى الحية و بشكل خاص القوى الموجودة داخل السودان) و هل علم فضل أن القوى الموجودة داخل السودان قد دخلت في استنفار جماهيري واسع و مسلح ضد الميليشيا في كل ولايات السودان، و بهدف تحرير البلاد من النفوذ الأجنبي و المرتزقة الذين جاءوا من كل ” ليبيا – تشاد – النيجر – مالي – دولة جنوب السودان و أفريقيا الوسطى) كما إن الهدف من حمل السلاح حماية لمنازلهم و ممتلكاتهم و الحفاظ على وحدة الدولة. الحزب الشيوعي صمت عن الاستنفار، و لم يعلق عليه، لكنه علق على إعلان أديس أبابا. الأمر الذي يؤكد أن البلاد انقسمت إلي وجهتين للصراع، و هاتان الوجهتان لا توجد بينهما منطقة أوسطى. في حالة الاستقطاب الحادة الجارية الآن في البلاد.
يريد قائد الميليشيا حميدتي من خلال حديثه في المنصة المشتركة مع ” تقدم” أن يعيد العجلة مرة أخرى للوراء لكي يكون للميليشيا مستقبلا دورا عسكريا أخر. عندما أكد أنه لا يقبل بكلمة ميليشيا؛ و يقول هي قوات عسكرية و لا يجب التعامل معها بأنها ميليشيا و أن الإعلان لم يشير لذلك مما يؤكد أن هناك دعما له فيما يقول، أي أن ” تقدم” تريد أن تحتفظ بالميليشيا في أي معادلة مستقبلا، و تكون لها ككرت ضغط، رغم أن حالة الحشد و الاستنفارة التي تتم الآن في السودان سوف تخلق واقعا جديدا، كما الحرب خلقت واقعا جديدا. و كل الحراك الذي تقوم به الميليشيا و من وراءها دولة الأمارات و أعوانهم جاء نتيجة للاستنفار الجماهيري الذي انتظم البلاد الآن. و هذا الاستنفار سوف يخلق وعيا جماهيرا يضبط إقاع العمل السياسي مستقبلا. و نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com