تتباين رؤى السودانيين، تجاه الأحداث، وبينها الحدث الرياضي، وأيا تكن طبيعة التعليقات على انتخابات الاتحاد السوداني لكرة القدم، فان عودة البروفيسور كمال شداد إلى مقعد رئاسة الاتحاد تشكل حدثاُ كبيراً، في ضوء قدراته، وفي ظل أزمات كبرى شهدتها الرياضة السودانية، بعدما كان للوطن صولات وجولات في ميادينها العربية والأفريقية.
معلوم أن النظام الحاكم في الخرطوم، درج بعد انقلابه على نظام ديمقراطي منتخب، على التدخل السافر في شؤون الرياضة بتعيين قادة العمل الرياضي، ثم تطور الأمر إلى التدخل في انتخابات الرياضيين، لصالح هذا المرشح أو ذاك، وفرض أسماء لتقود العمل الرياضي.
الوسط الرياضي الذي يشكل القطاع الأوسع، والأكثر جاذبية في المجتمع السوداني احتفى بعودة شداد، الذي قال في أول تصريحات للصحافيين مساء أمس الأحد (29 أكتوبر 2017)، أنه لا يعرف “سر سعادة الناس، حتى البسطاء، بعودتي” (إلى رئاسة الاتحاد السوداني لكرة القدم)؟
نرى أن سبب الاحتفاء بالعودة، يعود إلى مسيرة كمال شداد الغنية والزاخرة بالتجارب والعطاء، هو بروفيسور، أستاذ جامعي، درًس الفلسفة في جامعة الخرطوم، لاعب كرة قدم في الخمسينات، مُدرب، صحافي رياضي، خبير رياضي، والأهم، إلى جانب كل هذه القدرات والسمات، إنه إنسان صاحب رؤية اصلاحية، وأسلوب صريح، منحاز للنزاهة، والشفافية.
أطلقت عودة الرئيس الجديد لـ ” الاتحاد السوداني لكرة القدم ” في عام 2017، بعد سبع سنوات، رسالة مهمة، تؤكد أن السودانيين، سيختارون – طال الزمن أو قصر- من يرون أنه قادر على تحقيق تطلعاتهم، سواء في مجالات الرياضة، او في قمة هرم السلطة، وكل النقابات والاتحادات، إذا جرت الانتخابات في أجواء ديمقراطية حقيقية.
وإذا كانت عودة شداد، تشكل حدث الساعة الأهم اليوم على الساحة السودانية، فان هذه العودة تؤكد أيضاً أن تعيين نظام الرئيس عمر البشير قادة الاتحادات والنقابات، خلال سنوات عدة، أو توجيه مسار الانتخابات في مرحلة لاحقة، أضر بالرياضة السودانية، وبالسودان.
لكن نهج التدخل والتعيين الذي شهدته الساحة السودانية بعد انقلاب الثلاثين من يونيو 1989 يصب في النهاية – طال الزمن أو قصر- في مجرى الدعم، والفوز، لمن يعبرون عن قيم الشفافية، ويراهنون على وعي الناس وضمائرهم، في سبيل اجتياز التحديات، وحينما تأتي لحظة الاختيار الحر، بوجود رقابة دولية حقيقية، تحول دون تدخل السلطة، أو تزويرها الانتخابات، فان إرادة الناخب ستنتصر.
المؤكد أن النظام في الخرطوم، لم يستطع تحت رقابة الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، أن يدس أنفه في الانتخابات بطريقة تفرض رئيساً جديداً لاتحاد الكرة، كما جرى سابقاً ، وقد أعلن ( الفيفا) ومن خاضوا الانتخابات في المجموعتين المتنافستين ( الإصلاح) و( التطوير) أن الانتخابات اتسمت بالنزاهة، وبروح تنافس إيجابي. هذا يعني أن السودانيين في الظروف الطبيعية، يتنافسون تنافساً مشروعاً، ويقبلون النتيجة التي تفرزها أجواء الحرية والشفافية، ويتبادلون التهانئ، في أجواء مفعمة بالود والاحترام المتبادل، وهذا من أبرز إيجابيات الديمقراطية الحقيقية.
في هذا السياق جاءت تهنئة رئيس الاتحاد السوداني لكرة القدم السابق الدكتور معتصم جعفر لمجموعة (الإصلاح والنهضة) التي يقودها شداد، وقد أشاد بانتخابات الجمعية العمومية، التي وصفها بأنها ” تاريخية”، ونوه بـ ” مبدأ أهلية وديموقراطية الحركة الرياضية”، وأكد أنه سيتعاون مع كمال شداد الذي سيقود الكرة السودانية في الفترة المقبلة، ورأى أنه ” قادر تماماً على إنجاز هذه المهمة بالصورة المطلوبة”.
هذه روح إيجابية، تؤكد أن الديمقراطية هي الطريق إلى الاستقرار الرياضي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، أي أنها مفتاح الحلول للأزمات والمشكلات التي تمسك بخناق الوطن، كما أنها تشيع – وهذا مهم- أجواء التلاقي بين السودانيين، في مناخ ووطن يتسع لجميع أبناء السودان، ويصون حقوق الجميع، من دون إقصاء.
هذا درس من أهم دروس انتخابات الاتحاد السوداني لكرة القدم، أما الرسالة الثانية، فتكمن في أن المواطن السوداني انحاز لمجموعة “الإصلاح”، لأنه يريد أن يسود الإصلاح الساحة الرياضية، بعدما تراجعت مكانة السودان في هذا الميدان، ويكفي أن نعرف حجم ونوع التردي إذا تأملنا ما يعنيه أن السودان هو صاحب مبادرة تأسيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم في عام 1957، بعدما تأسس الاتحاد السوداني لكرة القدم في العام 1936 وانضم إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم في 1948.
شداد تحدث عن هذا الوضع الرياضي البائس عقب فوزه، ورأى أن “الأمر تدهور إلى حد أصبح فيه كل شيء غير معقول، وصلنا في السودان، في الترتيب الدولي إلى القاع، ولا أحد يحزن على ذلك، وظل الحال كما هو الحال، كأنه لم يحصل أي شيء”.
شفافية شداد، طغت أيضاً في الإطلالة الأولى، عندما وجه انتقادات لـ ” الفيفا”، وقال ” نحن نحزن عندما يكون هناك في الراي العام (حديث) بأن الفيفا والاتحاد الإفريقي لكرة القدم يحميان الفساد، إذا كان الملجأ يحمي الفساد، فعلى الدنيا السلام، عندما نلتقيهم لن نسكت على ذلك، سنتكلم معهم في هذا الشأن”.
خلاصة رأينا أن عودة شداد، انتصار لمن يحملون أعلام الإصلاح والتغيير الشامل في السودان، إنها رسالة واضحة المعنى، إلى من يريد أن يعي الدرس، وإلى من لا يفهم.
مضمون الرسالة الأهم أن المواطن يريد الإصلاح والتغيير الشامل في الميادين الرياضية والاقتصادية والسياسية وغيرها، وسيفرض هذا الخيار في أي انتخابات ديمقراطية حقيقية.
modalmakki@hotmail.com