أعلن مجلس السيادة أن الحكومة السودانية سترسل وفداً إلى القاهرة لإجراء محادثات في شأن تنفيذ اتفاق جدة من دون تحديد موعد لذلك.
على رغم الاتصالات اليومية المتواصلة بين الولايات المتحدة وقيادة الجيش السوداني لإلحاق الأخير بمفاوضات جنيف التي دخلت يومها الخامس لإيجاد حل ينهي الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، فإن التعنت تسيد موقف مجلس السيادة بإصراره على تنفيذ مقررات إعلان جدة الموقع بين الطرفين المتحاربين خلال الـ11 من مايو (أيار) 2023 واعتباره المرجعية الأساس لأي حل للأزمة السودانية.
وخلال لقائه وفداً إعلامياً سودانياً – مصرياً يزور بورتسودان حالياً جدد قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان موقف بلاده من المشاركة في محادثات جنيف التي ترعاها الوساطة السعودية – الأميركية بقوله “تمسكنا بموقفنا المبدئي وهو عدم حضور مفاوضات جنيف إلا في حال تنفيذ مقررات جدة”.
وأضاف البرهان “من يريد إيقاف الحرب عليه الحديث مع المتمردين الذين يهاجمون المدنيين في مناطقهم، فالانتهاكات التي ارتكبتها ميليشيات “الدعم السريع” في حق الشعب السوداني غير مسبوقة في كل حروب العالم”، مؤكداً أن موقف حكومته من أية مفاوضات معلوم من خلال الرؤية التي قدمتها للوسطاء، بحسب بيان صادر عن مجلس السيادة.
وفد إلى القاهرة
من ناحية أخرى، أعلن مجلس السيادة أن الحكومة سترسل وفداً إلى القاهرة لإجراء محادثات في شأن تنفيذ اتفاق جدة من دون تحديد موعد لذلك.
وقال بيان صادر عن المجلس “بناء على اتصال مع الحكومة الأميركية ممثلة في المبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو واتصال من الحكومة المصرية بطلب اجتماع مع وفد حكومي بالقاهرة لمناقشة رؤية الحكومة في إنفاذ اتفاق جدة، عليه سترسل الحكومة وفداً إلى القاهرة لهذا الغرض”.
مواطنون يهتفون لجنود الجيش السوداني خلال عرض عسكري في القضارف (أ ف ب)
سباق الانتخابات
وحول سير هذه المفاوضات ومدى إمكان الوصول إلى هدفها بوقف القتال في السودان، أوضح عضو لجنة السياسات بالمكتب السياسي في حزب الأمة القومي عوض جبر الدار “في اعتقادي أن مفاوضات جنيف لا تختلف عن سابقاتها من نتائج مبادرات التفاوض السابقة، وبخاصة منبر جدة الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية للنازحين واللاجئين والجوعى الذين شردتهم الحرب، لكن الجديد في هذه المحادثات هو دخول الولايات المتحدة بقوة ممثلة في وزير خارجيتها وفي تعيين مبعوث خاص لأزمة السودان توم بيرييلو وهذا في حد ذاته يمثل مدى اهتمام واشنطن بحرب السودان وأهميته الجيوسياسية بالنسبة لأميركا”.
وقال جبر الدار “هذا الاهتمام ربما نابع من ماراثون السباق السياسي لانتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة وذلك لتحسين موقف الحزب الديمقراطي في رهان حل الأزمات الدولية أمام الرأي العام الأميركي، والأمر الآخر أيضاً ربما يكون نابعاً من التدخل الروسي والإيراني في الشأن السوداني ضمن الصراع الأكبر حول البحر الأحمر الذي يمثل تهديداً لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها الدوليين”.
وأردف “أما نجاحها في وقف الحرب بالسودان فهذا ينبع من مدى تأثير الدول المشاركة في المفاوضات على طرفي الحرب (الجيش و”الدعم السريع”)، والآن عدم حضور وفد الجيش للمفاوضات يمثل بداية فشل المحادثات لأنه لا يمكن التفاوض والطرف الآخر لم يحضر، كما أن أي قرارات تصدر عن هذه المحادثات ربما الطرف الآخر أي الجيش لم يعترف أو يقبل بها وفي تنفيذ بنودها”.
ومضى في تفسيره “في نظري… هذه المحادثات تمثل أهمية كبيرة واهتماماً دولياً وبخاصة أنها برعاية أميركا، فعدم حضورها خطأ كبير وربما يضع الآخر في مواجهة مع المجتمع الدولي كونه غير حريص على إنهاء الحرب ووقف القتال وإطالة أمد الحرب، على رغم أن كل آمال وتطلعات الشعب السوداني بأن تنهي هذه المحادثات الحرب وإيقاف نزف الدم بين بني الوطن الواحد، فمن الأوفق والأصلح حضور هذه المحادثات وطرح رأيك داخل قاعة المحادثات”.
اشتداد الحرب
ورأى عضو لجنة السياسات بالمكتب السياسي في حزب الأمة القومي “أن إصرار قيادة الجيش على تنفيذ اتفاق جدة أولاً يرجع إلى تأكيدها أن ما سبق الاتفاق عليه لم ينفذ في الأساس ولا توجد آلية متابعة لتنفيذه، فإذا أردتم المفاوضات مرة أخرى دعونا ننفذ ما اتفقنا عليه أولاً، على رغم تأكيد المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان وكل الوسطاء الدوليين أن محادثات جنيف ما هي إلا امتداد لاتفاق ومحادثات جدة السابقة، ولكن هذه المرة أكثر جدية بدخول واشنطن بثقلها السياسي والعسكري والاقتصادي ولما لها من تأثير كبير في المجتمع الدولي”.
وزاد “على الجيش السوداني أن ينظر إلى هذه الخاصية ويذهب إلى التفاوض بدلاً من أن يضع نفسه في مواجهة مع أميركا لأن الرفض يمثل رفض دعوة مقدمة من دولة كبرى، وبحسب ما رشح من أخبار فإن كل المخاوف التي أثارها الجيش تمت الموافقة عليها من قبل المسهلين الدوليين، وبخاصة واشنطن التي تعد أكبر ضامن دولي لما يتم الاتفاق عليه من مخرجات المحادثات”.
وختم جبر الدار “أتوقع في حال عدم ذهاب الجيش أو الحكومة إلى هذه المحادثات قد تتغير نظرة المجتمع الدولي اتجاهه، وربما تكون هناك سيناريوهات موضوعة أصلاً في حال فشل هذه المفاوضات لم يتم الإفصاح عنها الآن من أصحاب المبادرة، وفي الجانب الآخر ربما بعد هذه المفاوضات في حال فشلها قد تزداد وتيرة الحرب بصورة أعنف وأشد من قبل طرفي الصراع، فكل واحد منهما يريد أن يظفر بالآخر بتحقيق نصر حاسم لصالحه وفرض شروطه، لكن في تقديري أن الحل الوحيد هو تشجيع المبادرات الوطنية عبر آلية حوار سوداني – سوداني بعيداً من المحاور الإقليمية والدولية وبإرادة حقيقة جادة من أبناء وبنات السودان.
زيادة النازحين
وفي السياق قالت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) إن “موقف الجيش السوداني من عدم المشاركة في محادثات جنيف سيؤدي إلى إطالة أمد معاناة السودانيين”. وأشارت في بيان لها إلى أن “القوات المسلحة السودانية اتخذت موقفاً بصم الآذان عن الاستجابة لأصوات معاناة الملايين ممن دمرت الحرب حياتهم، واستمعت عوضاً عن ذلك لمواقف دعاة الحرب من فلول النظام السابق”.
وبينت “التنسيقية” إن “موقف الجيش الرافض للجلوس لتفاوض يفضي إلى وقف شامل للعدائيات وحماية المدنيين وتوصيل المساعدات مع إقرار آليات مراقبة ملزمة وفعالة، سيؤدي لاستمرار دائرة العنف في البلاد واتساعها وسيزيد من أعداد اللاجئين والنازحين ويطيل أمد معاناتهم في المناطق التي لجأوا إليها، وسيدخل نصف سكان السودان في دائرة المجاعة التي حذرت منها المنظمات الإنسانية المحلية والدولية”.
نازحون سودانيون يسيرون قرب مخيم مؤقت في مدينة كسلا (أ ف ب)
ودعت “التنسيقية” جميع السودانيين المناهضين للحرب بتوحيد أصواتهم والوقوف بصورة صارمة ضد كل من يطيل أمد الحرب ويعوق الوصول لسلام فوري في البلاد، مشيدة بالمبادرات الدولية والإقليمية الساعية إلى إحلال السلام في البلاد، فضلاً عن حثها على مواصلة جهودهم وتوحيد طاقاتهم لإزالة العوائق التي تحول دون إسكات أصوات البنادق في السودان.
حلقة تآمر
بدورها أعلنت الكتلة الديمقراطية السودانية تمسكها بضرورة تنفيذ مخرجات إعلان جدة واصفة مفاوضات جنيف بأنها حلقة من حلقات التآمر ضد السودان ومحاولة لاستنساخ الاتفاق الإطاري الذي أشعل الحرب في البلاد، كما رفضت أية مساعي لعودة ميليشيات “الدعم السريع” إلى الحياة السياسية بأية دواع كانت.
وأشادت في بيان لها بموقف الحكومة السودانية الرافض للمشاركة في مفاوضات جنيف تعبيراً عن إرادة الشعب السوداني وتمسكاً بالسيادة الوطنية، منوهة بمواقف بعض الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة في ظل غياب الدعم الإنساني من الدول الغربية التي لم تقدم دعماً إنسانياً للشعب السوداني إلا نزراً يسيراً.
وأكدت حرصها على التعاطي مع المبادرات الهادفة لوقف الحرب وتحقيق السلام الشامل الذي ينهي الحرب ومعاناة الشعب السوداني ويحقق دولة المواطنة المتساوية والتحول إلى الحكم المدني الديمقراطي.