مكمن داء الحكم في السودان منذ الاستقلال

مكمن داء الحكم في السودان منذ الاستقلال
  • 12 سبتمبر 2024
  • لا توجد تعليقات

رمزي المصري


في كتابه القيم جدا ( سنوات في دروب العسكرية والسياسة ) وضع الجنرال ( المتقاعد) حمدي جعفر يده بكل احترافيه في مكمن داء الحكم في السودان منذ الاستقلال وحتى تاريخ اليوم . صديقنا الجنرال حمدي جعفر وهو من أبناء عبري البررة وأحد الذين قضوا سنوات طويلة في دهاليز العسكرية والسياسة.
يقول الجنرال حمدي في كتابه والذي يمكن تصنيفه من كتب السيرة الذاتية وفي سرد مطول وشيق يصف لنا وضعه قبل الالتحاق بالكلية الحربية عندما كان طالبا في المرحلة الثانوية في إحدى مدارس الخرطوم حيث كان حريصا على قضاء إجازاته السنوية في مسقط راسه عبري . يسافر من الخرطوم مستقلا إكسبريس حلفا حيث كان يمتطى سطح القطار وفي أفضل الأحوال كان يستقل الدرجة الثالثة أو أحدي ممرات القطار . ومن وادي حلفا إلى عبري يمتطي ظهر اللوري وهو سعيد بذلك ويصل عبري ويقضي إجازاته وسط أقرانه وأصدقاءه في البحر أو في ميدان الكورة أو في سهرات النادي وهكذا .
بعد تخرجه من الكلية الحربية برتبه ضابط ملازم قرر أن يزور مسقط رأسه قبل الانخراط في العمل العسكري .. تعالوا لنرى معا ماذا حدث له بعد تخرجه مباشرة وهو يحمل على كتفه نجمه واحدة .
قال إنه رفض ركوب قطار إكسبريس حلفا إلا في درجة النوم وفي أسوأ الأحوال الدرجة الأولى الممتازة وبعد وصوله لوادي حلفا رفض الركوب في ظهر اللوري وأصر أن يكون بجانب السائق ( مقعد أمامي ) وعند وصوله لعبري لم ينجح في الانخراط مع أصدقاءه وأقرانه كما كان يفعل !!!
يقول الجنرال حمدي إنه تساءل بينه وبين نفسه .. ماذا حدث له ؟؟ وما هذا التغيير الكبير في حياته ؟؟ وما هو هذا الزهو الذي بدأ يشعر به بعد أن أصبح ضابطا في الجيش السوداني.
يقول حمدي إنه لم يكن سعيدا بهذا التغيير المفاجيء في حياته وأن هذا التغيير لم يحدث لأنه يرغب في ذلك بل يعود بسبب ما تم تغذية عقولهم به أثناء الدراسة في الكلية الحربية .
ما قاله الجنرال حمدي في كتابه يجسد لنا بالضبط المشكلة الحقيقية التي ظل السودان يعاني منها حتى اللحظة . منهج الدراسة في الكلية الحربية يخرج لنا ضباطا يعتقدون أنهم خلقوا ليحكموا وخلقوا لإطاعة أوامرهم وأنهم فوق كل فئات المجتمع الأخرى .
ضابط الكلية الحربية يتصور نفسه أنه فوق الكل وينظر لبقية أفراد المجتمع وكأنهم لا يفقهون شيئا وأنهم وحدهم يمتلكون ناصية حب الوطن والتضحية من أجله وأنهم الوحيدون الذين يحق لهم القول الفصل في مصير الدولة.
بعد أن قرأت كتاب ( سنوات في دروب العسكرية والسياسة ) تأكد لي تماما أن من أوجب واجبات إصلاح السودان ( بعد الحرب ) يجب أن يبدأ بمراجعة وتنقيح ما يتم تدريسه في الكلية الحربية ومراجعة منهجه جيدا بما يتوافق مع مصلحة الدولة .
ما أقوله ليس انتقاصا من مؤسسة الجيش ولكن هي محاولة لكشف مكامن الداء في هذا الجيش . نريد بناء جيش وطني يحترم أبناء شعبه ولا يحتقر الفئات الأخرى والذين هم وبالضرورة يتحملون عبء بناء الوطن جنبا إلى جنب مع الجيش القومي
شكرا جنرال حمدي جعفر على هذا الكتاب القيم
والله المستعان.


الوسوم رمزي-المصري

التعليقات مغلقة.