دور عبد الرحمن الريح في تطوير الأغنية السودانية

دور عبد الرحمن الريح في تطوير الأغنية السودانية
  • 28 سبتمبر 2024
  • لا توجد تعليقات

تاج السر عثمان بابو

كان من المفترض إكمال ونشر هذه الدراسة بمناسبة الذكري المئوية للشاعر في ديسمبر عام 2018 ، لكن أحداث ثورة ديسمبر حالت دون ذلك ، فركزت جل اهتمامي علي المشاركة والتوثيق والكتابة حولها.
الشاعر الغنائي عبد الرحمن الريح معروف ، وكُتب عنه الكثير ، من رواد الحركة الفنية في السودان، ويعتبره البعض آخر شعراء الحقيبة ، حيث شكل حلقة وصل مهمة بين أغاني الحقيبة والأوركستراالحديثة، ومن الذين شادوا البنيان العتيق للأغنية السودانية، مع شعراء أمثال : خليل فرح ومحمد بشير عتيق ، ومحمد ود الرضي ، . الخ.
وُلد عبد الرحمن الفكى الريح حاج حمد في حى العرب بأم درمان عام 1918 ، وفي رواية أخري عام 1912 ، من أسرة تخصصت في تجارة الماشية في سوق المواشي بأم درمان، وكانت متشربة بالتراث الشعبي الذي كانت تعج به أم درمان بتنوعها القبلي والفني والثقافي والديني. تطورت مواهبه حتي أصبح ملحنا ويعزف علي العود.
تنحدر أسرته من جهة والده إلي الجعليين العالياب ، ومن جهة والدته إلى الشايقية الفاضلاب، وقد كان جده لوالدته معلما ولذلك اشتهرت أمه بلقب :” بنت الأستاذ” ، له ثلاثه أشقاء وعدة شقيقات ، تزوج مرتين ولم ينجب.
دخل الخلوة وتعلم القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربية، بعد ذلك عمل مع والده في دكانه بسوق أم درمان لبيع الدمور، ثم بعد ذلك ترك التجارة وتعلم حرفة النجارة ، ثم تركها والحقه والده باحد محلات السروجية حيث تعلم صناعة الحقائب النسائية وزاولها فترة طويلة ، وفي أواخر أيامه فتح بقالة بمنزله ب”ام مبدة ” الذي انتقل اليه بعد أن أجبرته ظروف الحياة القاسية على بيع منزله بحى العرب، حتي وفاته يوم 28 أبريل 1991 م.
من أشعار عبد الرحمن الريح نلمح أثر الاطلاع العميق والتثقيف الذاتي الواسع ، يقول بروفيسور أحمد محمد علي اسماعيل في كتابه عن عبد الرحمن الريح بعنوان ” أنت حياتي” :
” تزود عبد الرخمن الريح بالتثقيف الذاتي من خلال الاطلاع الكثيف فله مكتبة ضخمة رأيت فيها : ألفية أبن مالك وكتاب سيبويه ، وأبي الاسود الدؤلي ، والخليل بن أحمد الفراهيدي، وكل دواوين العرب والسودانيين وغيرهم ، في منزله العامر ” ، ص 9 .
وتجد الاطلاع الواسع في قصائد عبد الرحمن الريح التي نلمح فيها بعضا من حياته مثل :
في قصيدة “ظمأ “التي يقول فيها
علق الناس بالدنا وعلقت ببطون للكتب فيهن تهت
قد شربت المحيط ماء حروف
ضمها الضاد لم أقل قد رويت
انما العمر لحظة من زمان
إن مضي لم يعد لدنياك وقت
يواصل ويقول:
جل عمرى قضيته بين كوخ
عامر بالفنون يكسوه صمت
عامر بالجمال من كل لون
اذ بلوحاته الجمال رسمت.
كان” التم تم ” نقطة تحول في الأغنية السودانية، ساهم عبد الرحمن في الانتقال من الايقاع البطئ إلي الأسرع، فقدم “ليّ زمان بنادي ” ، ” خداري” ، و ” رجال الحدود”.
وقدم عام 1938 أول أغنية اشتهر بها هي ” ما رأيت في الكون ” التي غناها الفاضل أحمد وعثمان حسين.
ثم بعد ذلك منذ العام 1943 دخل مجال العزف علي العود ، وقدم أغنية ” بعيد الدار..الخ” التي غناها زنقار ، كما غني له أبراهيم عبد الجليل ، وكرومة.. الخ.
برز عبد الرحمن اكثر عام 1946 عندما التقي بالمطرب التاج مصطفي ، وقدم معه أغنيات ” حيران في الحب” ، و ” الملهمة” ، ” أنا المعذب”، ” انصاف” . الخ.
ساهم الأستاذ اسماعيل الزين في جمع نماذج مهمة من أعماله التي صدرت بعنوان ” الروائع الحبيبة من أغاني الحقيبة وأغاني الاوركستراالحديثة” للشاعر والملحن عبد الرحمن الريح ، الطبعة الأولي 1996 ، المطبعة الاتحادية – الإمارات العربية المتحدة”.
أشار مؤلف الكتاب أن ما ورد في الروائع ، ليست كل أعماله ، لكنها نماذج مختارة من شعره.
كما أن للشاعر عبد الرحمن الريح ديوان شعر باللغة الفصحى اسمه ” عصافير وفراشات ” ، يعكف المؤلف علي طبعه واخراجه.
كاتب هذه السطور أنجز سابقا دراسات عن شعراء اسهموا في تطوير الأغنية السودانية مثل : خليل فرح ، ومحمد بشير عتيق ، ومحمد ود الرضي، ونواصل في هذه الدراسة بتسليط الضوء علي دور عبد الرخمن الريح في تطوير الأغنية السودانية.
اذا نظرنا للفترة التي عاش فيها عبد الرحمن الريح ” 1918- 1991 ” ، نجد أنها بدأت تشهد تطور الحياة السياسية والاجتماعية والفنية والرياضية الحديثة ، فقام نادي الخريجين 1918 ، وتفاعل السودانيون مع ثورة 1919 في مصر ، وبداوا يكونون تنظيماتهم السياسية الحديثة مثل : جمعية الاتحاد السوداني ، وجمعية اللواء الأبيض ، وقيام ثورة 1924 .
بعد هزيمة الثورة تواصلت الحركة السياسية والثقافية والأدبية ، وقامت الجمعيات الأدبية والثقافية ” كما في جمعية ابوروف” ، و” الهاشماب” ، ونشأت مجلتا النهضة السودانية ، ومجلة الفجر ، والأندية الرياضية ، وتطورت الأغنية السودانية علي يد فنانين وشعراء أمثال : خليل فرح ، ومحمد بشير عتيق ، وأبراهيم العبادي ، ومحمد ود الرضي، وصالح عبد السيد ” أبو صلاح”..الخ، ونشأت الأندية الرياضية ، والفرق المسرحية ، وظهرت الدعوات لتعليم المرأة وخروجها للعمل ، وقيام مؤتمر الخريجين ، ومشاركة الجنود السودانيين في الحرب العالمية الثانية ضمن قوات الحلفاء ضد الفاشية والنازية، وقيام الاذاعة السودانية 1940 ، وظهور الشكل الحديث للأغنية السودانية التي تجاوزت أغنية الحقيبة ، واستوعبتها.
لا شك أن هذا الواقع والظروف الاجتماعية التي نشأ فيها عبد الريح ترك أثره علي تطور موهبته الشعرية ، وعلي نظرته الاجتماعية المتقدمة التي انعكست في اسهامه ودوره في تطور الحركة الوطنية.
حسب المنهج الذي التزمنا به في الدراسات السابقة ، نلاحظ أيضا أن شعر عبد الرحمن الريح تناول جوانب متعددة ومتنوعة من الاهتمامات التي كان يعج بها المجتمع السوداني، وسوف ندرس تجربته الغنائية في المحاور التالية:
أولا : قضايا وطنية ..
ثانيا : الحب والجمال.
ثالثا: تطور المرأة السودانية.
رابعا : قضايا اجتماعية.
خامسا : تأملات في شعر عبد الرحمن الريح
سادسا : منهج عبد الرحمن الريح في الشعر
خاتمة
ونتابع الرصد والتحليل لتلك القضايا مع ابراز نماذج وأمثلة.
أولا : القضايا الوطنية.
المتأمل في أشعار عبد الرحمن الريح يلمس اهتماما واضحا بالقضايا الوطنية التي تتخللها ، وتشكل نسيجا مهما في مجمل أشعاره مثل : قصائد ” رجال الحدود ” ، ” قبة الإمام المهدي” ، ” شهداء كرري ” . الخ.
لاشك أن عبد الرحمن الريح انفعل بالقضايا الوطنية والقومية كما في قصيدة ” رجال الحدود ” التي غناها الحاج محمد أحمد سرورعام 1940 ، أيام دخول ” الطليان” الفاشست في حدود شرق السودان ، فزاد ذلك من حماس جنودنا الأبطال الذين استطاعوا أن يدحروا العدو بكل جسارة واقدام.
تقول القصيدة :
هيا يارجال الحدود دافعوا عن وطن الجدود
مهما عدوكم صار لدود من حربكم دائما صدود
إلي أن يقول:
تاريخنا في كل العهود تاريخ رجال باذلين جهود
اخلاصنا ما داير شهود من فمنا ما خنا العهود
هيا يا شباب أوفو الوعود قابلو المدافع كالرعود
تصبح بلادكم في سعود والسلم للاوطان يعود

  • كما نظم قصيدة بعنوان ” قبة الإمام المهدي ” بمناسبة إعادة تشييدها بعد أن هدمها المستعمر عقب إعادة احتلال السودان بعد موقعة كرري ، تقول القصيدة :
    سقي أرضك الحلال بشآبيب من زلال
    باقية من أهدى للوطن الاستقلال
  • كما نظم الشاعر أيضا قصيدة بعنوان ” شهداء كرري” يقول فيها :
    كيف لا أهدى شعري ورائعات درري
    للشهداء الكرام أبطال كررى
    إلي أن يقول:
    المهدى العظيم مين ينكر آثاره
    في كل الدول معروفة أخباره
    إلي أن يقول :
    تاريخك عظيم افتخرى يا بلادي
    كل صباح جديد في العز تزدادي
    ليك نور الإمام في كل جبين هادى
    لطريق العلا وحرية الوادى
    عندما أشعل مؤتمر الخريجين العام نار الوطنية ، انعكس هذا التطور الوطني علي الأدب والفن ، وكان عبد الرحمن الريح يبث الروح الوطنية عن طريق شعره وأغانيه ، واستمر علي هذا المنوال حتي غادر الاستعمار البلاد.

2
ثانيا : تطور المرأة السودانية:
اهتم عبد الرحمن الريح بتطور ونهضة المرأة السودانية شأنه شأن خليل فرح وعتيق ، وود الرضي ، وغيرهم الذين ساندوا قضية تعليم المرأة ونهضتها ورفعتها ، باعتبارها مدرسة اذا تم إعدادها ، نكسب مواطنين صالحين ، يعملون لرفعة ونهضة الوطن.
علي سبيل المثال يقول في قصيدة ” فتاة اليوم” التي غناها ثنائي ود نوباوى علي وعبد الرحمن.

فتاة اليوم مثقفة كاتبة
معلمة للجهالة محاربة
بالوان الثقافة مطالبة
مدرسة للبنات أو طالبة
يواصل ويقول :
أمامنا اليوم فتاة عصرية
تنافس أختها العربية
أما م شرقية أوغربية
تقول أنا امرأة سودانية
في قصيدة ” فتاة النهضة” يقول :
ياابنة السودان انتى آماله
في الجنوب درة وزهرة شماله
فيك تحرر من ماضي اهماله
وايتدأ يجدد بالي أسماله
نهضة السودان الآن
تسمو بالاوطان
يواصل ويقول :
يافتاة النيل ابذلي الهمة
علمي أختك تسمو للقمة
كوني في التدريس ليها مهتمة
كيف بلا ارشاد تنهض الأمة
أنت أم الغد
بيك غدا نسعد شعبك الأمجد
في الكفاح بادى
هب مستيقظ للعلا ينادى.
كما ساهم عبد الرحمن الريح في تحرير المرأة من العادات الضارة يقول في قصيدة ” انت حياتي”
ما شوهوك بفصادة
علي الخدود السادة
طبيعي خلقة ربك
ماداير أي زيادة
مع لونك الأسمر
وردي الخدود محمر
لا بدرة لا أحمر
ألوان محاسنك زى ما هى
أنت حياتي
يواصل ويقول :
أنت حياتي ومالي غيرك حياة
يا أسمر ياحمر الضياء
أنت حياتي
يا فاهم يا دارس معنى الحياة
من أدبك ليك حارس من غير رياء.

3
ثالثا : الطبيعة
اهتم عبد الرحمن الريح في أشعاره بالطبيعة وجمالها كما هي مجسدة في البيئة السودانية ، مثل خليل فرح وعتيق وغيرهم ، بالتالي جاء شعرهم صادقا ، كما يقول الشاعر حمزة الملك طمبل ، نريد شعرا سودانيا أصيلا ، يعكس واقع وبيئة السودان، لا بيئة الجزيرة العربية.
يقول عبد الريح في قصيدة ” رحلة إلي توتي” :-
يا مراكب عدينا وعلي توتي ودينا
وسوق معاك في الرحلة شادينا..
يواصل ويقول:
حسبتنا مكتملة ننزل هناك جملة
نمشي في الرملة ونجلس في شاطينا.
جلسنا تحت أشجار متفتحة الأزهار
وصوت السواقي نهار نغماته تشجينا..
فالقصيدة عكست واقع وجمال وطبيعة جمال توتي ونضارتها برمالها البيضاء ، وأشجار المتفتحة أزهارها ، وشواطئها الجميلة ، وأنغام صوت سواقيها الشجية..الخ.

  • يقول في قصيدة ” جبل مرة ” التي يصف فيها جمال ” جبل مرة ” ، ويدعو فيها إلي حب الوطن بطبيعته الساحرة الخلابة يقول: –
    يلا يا مواطن حتى لو مرة واحدة في عمرك زور جبل مرة
    يواصل ويقول:
    تلقي ناس رائعة تلقى صيد شارد أو قطيع آتي للمياه وارد
    زور جبل مرة شوف أعاجيبه يسحرك جوه ويسكرك طيبه
  • ويصف جمال مدينة الخرطوم في زمنها الجميل في قصيدة ” ألوان الزهور” التي غناها أمير العود الفنان حسن عطية ، يقول :
    زانت أرضها الوان من زهور
    وشدت روضها أسراب من طيور
    وغمرت جوها أنفاس من عطور
    تسكر غير كؤوس من خمر النفوس
    لا شك هي عروس النيل وحدها
    يواصل ويقول :
    في المقرن تشوف الأشجار صفوف
    والنيل حولها كالعابد يطوف
    تشرب من زلال
    من خمر حلال
    ويعم الجلال طولها وعرضها
    يواصل ويقول :
    مغناها الجميل يحرس أرض النيل
    يهدي السلسبيل للروض والنخيل
    جيلا بعد جيل وهي بكرة وأصيل
    يواصل ويقول :
    تزداد كل يوم في الرقي والعلوم
    والسودان عموم عارف مجدها.
  • في أشعار عبد الرحمن الريح العاطفية ، نجد اشارات لآماكن وذكريات من عبق الطبيعة والأحياء والمدن ، مثل : ما ورد في قصيدة ” لي في المسالمة غزال ” التي يقول فيها:
    لي في المسالمة غزال نافر بغني ليه
    جاهل وقلبه قاسي وقلبي طايه ليه..
    وكذلك يشير إلي أم در مان ” في قصيدة في ” ربوع أم در ” التي يقول فيها :
    يلا نزور الحبايب في ربوع أم در والقرايب
    وكذلك في قصيدة ” ظبية الداخلة” التي نظمها عندما كان في عطبرة في حي الداخلة يقول فيها : –
    ياظبية الداخلة مالك نفورة وبالنظر باخلة
    كذلك يشير إلي مدينة بورتسودان في قصيدة ” الحب مبادئ” يقول :
    مهما تحب بعادي أنا ليك بعادي
    إلي أن يقول :-
    شاطئك بحره أحمر وأنت جميل وأسمر
    في الثغر المنور بورتسودان بلادي
    في البحر المناظر تفتن كل ناظر
    صافي وحسنه ساحر رايق وموجه هادى
    كم في الميناء باخرة شامخة عظيمة فاخرة
    راسية وأخري ماخرة للاحباب بنادى.
    كما يصف حي ” ابوروف” المشهور بالهدؤ والجمال والمناظر الخلابة في قصيدته ” هات لينا صباح” وهي من أروع القصائد التي تغنى بها عبد العزيز محمد داؤود وأبراهيم عبد الجليل يقول :
    ياليل هات لينا صباح
    يفضح البدر ويخمد المصباح
    نحنا كل صباح نبني في الأمال ما وجدنا رباح
    سرنا المكتوم بالدموع انباح
    والسهاد أصبح أمره لينا مباح
    النسيم ان فاح يمتزج بزلال دمعنا السفاح
    كم عشوق مهجور مضنى بالاصفاح
    عينه في الورد وروحه في التفاح
    القلوب ترتاح للكمال التام في الجمال مرتاح
    أصلو زول لكن صوّره الفتاح
    إلي أن يقول:-
    الجمال شرّاح لكنه للقلوب جرّاح
    قالو أهل الحب في الزمان الراح
    نشوة الأشواق أحلى من الراح
    في هوى الأرواح أنت للعشاق كالشذى الفواح
    عطّر الدنيا وأملأ الأسواح يزهو بيك الكون في غدو ورواح.
    كما تتجلى الطبيعة في أشعار عبد الرحمن الريح في ظواهر طبيعية ويتأمل فيها مثل : البحر مثلما فعل جبران خليل جبران ، والتجاني يوسف بشير .
    علي سبيل المثال ، يخاطب عبد الرحمن” موج النهر” في قصيدة نظمها عندما كان واقفا ذات مرة علي الشاطئ بالقرب من حديقة الحيوان متأملا جلال النيل وزهوه في أيام فيضانه العظيم سابحا مع مده وجزره يقول :
    ياموج البحر أنا مالي حكت أحوالك آمالي
    إلي أن يقول:
    ياموج البحر ياوافى عبابك للدر خافى
    ورحيقك للنفوس شافى
    وشواطئك توحى أوصافى
    أحب الأبيض الضافى
    وأدوب في الأزرق الصافى.

رابعا : القضايا الاجتماعية :
تناول عبد الرحمن الريح في شعره عددا من القضايا الاجتماعية التي انبثقت من تطور المجتمع في فترة الاستعمار البريطاني، وما بعد الاستقلال .
علي سبيل المثال برزت الرياضة البدنية مع بداية القرن العشرين مثل: كرة القدم ، السلة ..الخ، فنجد الشاعر يتناول هذا الموضوع في قصيدة ” الرياضة البدنية”يقول فيها:
للرياضة البدنية هيا يا سودانية
الرياضة ي أحباب هي معني كلّ شباب
للصحة أعظم باب للكهل أو الشاب
يواصل ويقول:
غالبنا والمغلوب عند الجميع محبوب
حركات نشاط ووثوب إرتحنا ليها قلوب
يا سلام وألف سلام علي نهضة الأتيام
أصله الرياضة دوام فوز وكمال أجسام
كم لعبة دولية خضناها بروية
ونشاط وحيوية وزمالة أخوية
وهي من القصائد المسجلة التي تغنى بها الثنائي ميرغني المامون وأحمد حسن جمعة.

  • كما تفاعل الشاعر مع نجاح فريق المريخ السوداني في احراز كأس الكؤوس الأفريقية ” كأس المناضل نلسون مانديلا ” بعد انتفاضة مارس – أبريل 1985 “عام 1989″ ، ويعده نصرا قوميا للسودان ، يقول في قصيدة ” المريخ” : –
    نجم الانتفاضة سجل للرياضة
    أعظم انتصار
    مريخ المحافل.. الفى المجد رافل
    عيد بالنصر حافل.. في أروع إطار
    كما تناول ود الريح في شعره القطار الذي طالما تغني به الكثيرمن الفنانين مثل : عثمان الشفيع في ” القطار المرّ”، وحسن خليفة العطبراوى في ” قطار الشوق” ، وزنقار في ” من بف نفسك يالقطار”..الخ .
    ولعب القطار والسكة الحديد دورا كبيرا في تقدم ونهضة السودان من خلال ربط أجزائه المترامية الأطراف ، وفي نشر الوعي والثقافة والتجارة والسياحة..الخ .
    يقول ود الريح في قصيدة ” قطر الجزيرة ” :-
    ليه يا قطر الجزيرة ما رحمت دموعي الغزيرة
    قل يا فرّاق الحبايب أمس كيف عن العاصمة غياب
    هل حماه حنان القراب يذكر العشاق الأسيرة
    يواصل ويقول :-
    ياقطار سلم ليّ عليه وأهدى روحي المشتاقة ليه
    كم سهرت وفكرت فيه وغيره أبدا ما عندي سيرة
  • من القضايا الاجتماعية التي تناولها قضية الهجرة من الريف إلي العاصمة بحثا عن العمل أو التعليم ..الخ، يقول في قصيدة ” قروية في العاصمة ” :
    المحبوب جماله وما شاف السفور
    كيف أدبه وحياه يقولوا الناس نفور
    يواصل ويقول :
    بنت القرية أهلا شرفت المدينة
    بيك العاصمة فرحت وزادت نور وزينة
    بيك فرحت قلوبنا وكم كانت حزينة قبل ملاك جمالك لام درمان يزور
    باكر زوري أختك في العاصمة الجميلة
    واسألي عن صنوف الأزهار في الخميلة
    هنا أختك مثقفة مبدأها الفضيلة
    لا شك تبدى نحوك غدا أنبل شعور
    كما تناول عبد الرحمن الريح القضايا الاجتماعية والعاطفية التي برزت من خروج المرأة للعمل والتعليم واختلاطها بالرجال ، وما برز من علاقات عاطفية من الجنسين ، يقول في قصيدة ” الحب والزواج :-
    الأماني الجميلة والعواطف النبيلة
    أنا يافاتنة حبك علمني الفضيلة
    وهي من الأغانى التي غناها : عوض شمبات.
  • تناول عبد الرحمن الريح أيضا في شعره قضايا الشباب والتعليم والزواج ، وتكوين الأسرة ، والطموح للمساهمة في تطور البلاد ” الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والثقافي..الخ”، يقول في قصيدة ” أحلام الشباب “: –
    أحلام فريدة وأيام سعيدة
    تعال .. تعال ياحبيب نعيدها
    أحلام شباب النضرة .. صباها
    أيام تفوق الربيع نداها
    كما فيها روحي لقت مناها
    لأه كان الربيع معاها..
    وهي من الأغاني التي شدت بها الفنانة ” مني الخير”
  • كما تناول الريح ذكريات الطفولة في قصيدة ” زمن الطفولة” ، وهي من الأغاني الرائعة التي تغني بها الفنان حسن عطية، يقول : –
    لو أنت نسيت .. أنا ما نسيت
    نشأتنا الأولي .. أيام جهالتنا
    وزمن الطفولة
    أيام كنا نلهو .. في البستان نسهو
    تغرينا الزهور .. والروض حسنه يزهو
    لو كان انت ناسي .. انا ذاكر
    لو كان أنت تايه .. أنا فاكر
    يواصل ويقول : –
    ما زال قلبي يبدو .. في روضة جمالك
    علي كل زهرة يشدو
    ولهان .. أروح وأغدو
    مالكني الهوى .. وهالكنى النوى
    آه .. لو كنت أه .. وسوا في الحب سوا
    كان كل المرام .. نكون أحباب كرام
    ساقينا الهوى وجمرتنا الغرام
    لكن .. لكن فرقتنا الأيام
  • كما يتفاعل الشاعر مع أعياد ” شم النسيم”، ويشارك المسيحيين تلك الأفراح ، في تسامح ووئام جميل بين مكونات المجتمع السوداني في تلك الفترة ، يقول في قصيدة ” عيد الزهور” :-
    عيد الزهور ما أجمله
    في الشاطئ أو حول الغدير
    والعشب والماء النمير
    والساجعات من كل طير
    كما * يقول في قصيدة ” شم النسيم ” :-
    شم النسيم عند الشباب
    فيه البلاد كل عام
    تفتح للدنيا باب
    يواصل ويقول : –
    شم النسيم عيد الفنون
    عند الحسان ذات الجفون
    الناعسات من كل لون
    سمر القدود .. سود العيون
    بيض الجباه..حُمر الشفاه
    من كل فاه .. زاكي الأريج ..حلو الرضاب
    وهي من أغاني الفنان حسن عطية
    وفي قصيدة ” نشيد العيد ” التي غناها الفنان إبراهيم عوض ، يقول :
    ياعيد تعود يا عيد
    بالخير علينا سعيد
    أشرف هلالك لاح
    يواصل ويقول : –
    سميت عيد ليعاد
    فيك للنفوس اسعاد
    وسرورا بيك يزداد
    يواصل ويقول :-
    فيك يلتقى الأحباب
    أطفال وشيب وشباب
    لبسوا السعادة ثياب
    من كل زاهى جديد.
  • من القضايا الاجتماعية التي برزت في سبعينيات القرن الماضي الهجرة خارج الوطن لدول الخليج وغيرها بحثا عن العمل ، يقول الشاعر تعبيرا عن ذلك الواقع في قصيدة ” رحيل”: –
    أحبابي الرحلوا .. ياترى وين نزلو ا؟
    ليه هجروا حماهم .. وللوطن اعتزلوا
    إلي أن يقول:
    أفضل أرجاهم .. حتى ألقاهم
    إن عادوا عساهم.
  • غنى ود الريح للجمال ، في قصيدة ” الجمال ” يقول :
    يا أخوانا الجمال بهواه ما بقدر علي هواه
    الحب في القلوب مأواه لاشئ في الوجود لسواه
    ما أحلاه في نجواه الراقى وتحريم مثواه
  • وفي قصيدة ” محراب الجمال” يقول :
    حبيبي الحب سلاف الروح
    منى العاشق شفا المجروح
    تكون بيه الفؤاد مجروح
    لهيبه نعيم فؤادى الداب
    وراحة روحي فيه عذاب
  • كما اهتم الشاعربالسلام ، يقول في قصيدة السلام مجاريا الشاعر ود الرضى في قصيدة ” السلام”:
    السلام يا معنى الجمال بأمثال الروح في البدن
    السلام ما هب النسيم من رياض الزهر الوسيم
    أو تبدى اللىّ الروح قسيم الرشيق الفضح الشدن

خامسا : الحب والجمال
أشرنا سابقا إلي أن ود الريح من الذين أسهموا في الارتقاء بالأغنية السودانية شكلا ومضمونا ، وجعل لها مجدا ، وكان حلقة وصل مهمة بين فن الحقيبة والفن الغنائي الحديث الذي اعتمد الاوركسترا ، هذا فضلا عن أنه كان متعدد المواهب والخبرات، درس الخلوة وحفظ القرآن ، وتمكن من اللغة العربية وغاص في دواوين الشعر القديمة والحديثة ، ونلمس أثر ذلك في شعره الغنائي ، وقام بربط تلك الدراسة العميقة بالواقع السوداني والبيئة السودانية ، بطبيعتها وحسانها وتقاليدها ، وأخرج لنا شعرا غنائيا سلسا وعذبا ، سهلا ممتنعا ، تحقق من دعا إليه رواد الحركة الوطنية الذين طرحوا ضرورة وجود أغنية سودانية تعكس البيئة السودانية ، بطبيعتها وجمالها ، دون النقل الأعمى ، للبيئات العربية أو الاوربية.
كان ود الريح متعدد الخبرات والمواهب ، بحيث كان لذلك انعكاس في تجربته وفته الغنائي، فعمل بالتجارة والنجارة وصناعة الحقائب الجلدية ، وكان عازفا للعود وملحنا جيدا لأغانيه.
كل هذا الاستعداد كان له أثره في أن يسهم بسخاء في ارساء بنيا الأغنية السودانية المتين الذي ظل شامخا إلي يومنا هذا ، وظل يقاوم المسخ المشوه لواقعنا وثراثنا.
أسهم ود الريح في أغنية الحقيبة ، وله روائع غنائية مثل : ” ما رأيت في الكون” التي كانت أغنيته الأولي التي اشتهر بها عام 1938 ، وغناها الفاضل أحمد وعثمان حسين ، يقول :-
ما رأيت في الكون يا حبيبي أجمل منك
في دلالك وتيهك وفي جهالة سنك
يواصل ويقول :-
ياجميل المنظر كيف كيف أذمك
سيبني في آلامي وبالعلي ما يهمك
خالي عقلك وقلبك وفاضي فكرك وهمك
المدام المسكر والعسل في فمك

  • من أغنياته الرائعة التي طالما تغنينا بها في مرحلة الشباب أغنية ” خداري” التي غناها أولاد الموردة ، وحسن عطية أخيرا، يقول: :-
    خدارى البى حالي ما دارى جافانى
    متين يزورني حبي ومحياه يضوى دارى
    أقول جلست مرة مع الطير الخدارى
    يواصل ويقول :
    لولاه ما اشتبهت في يميني أو يساري
    لو لاه ما صبرت على ذلي وانكسارى
    في فكرتي الكواكب والأنجم السوارى
    والحور من جمالن بالنسبة ليك حوارى
    أظهر أمام عيوني لا تبقي متوارى
    أنا جارك البحبك أوعك تخون جوارى.
  • من أغنياته المشهورة ” ياحمامة” التي غناها للمثلة السينمائية فاتن حمامة التي أُعجب بها ، وغناها ميرغني المأمون وأحمد حسن جمعة ، يقول:
    ياحمامة مع السلامة ظللّت حوك الغمامة
    سيري في جوك المعطر
    وانشدى شعرك المشطر
    قولي للشادن المبطر تيه دلالا وزد وسامة
    بلغيه التحية مني
    وأحكى ليه الصبابة عنى
    يواصل ويقول :
    الجمال يا حمامة فاتن
    فيه ألوان من المفاتن
    كل من يعشق المفاتن
    قل أن توجد السلامة.
    من أغاني الحقيبة المشهورة التي كتبها ود الريح أغنية ” طيفه طايف” التي كانت أول أغنية غناها له كرومة عام 1943 ، وغناها وسجلها عوض شمبات ، وغناها أيضا الفنان محمد الأمين..الخ. يقول :
    جانى طيفه طايف لحاظه كالقذائف
    أنا من عيونو خايف
    خياله جانى طايف في ثوب من الطرائف
    خدوده كالقطايف وليه العنب شفايف
    يواصل ويقول :
    يا ملهب العواطف ومهدل المعاطف
    متى يا جميل تلاطف وتكون علينا عاطف
    أنا ياحبيبي حالف لعواذلى فيك أخالف
    وقلبي ليك محالف متى يا غزال توالف
  • من القصائد الرائعة التي طالما ترنمنا بها ” عشقت شادن” التى غناها كرومة ،وعلى أبو الجود ،وعوض الكريم عبد الله ، يقول : _
    عشقت شادن عيونه ساحرة وقوامه لادن
    كأنه زهرة
    عشقته من نشأة الطفولة ..محبة
    قلوبنا طاهرة وحياتنا أولى ..أحبه
    كنا لا نعرف الهوى
    إذا جلسنا الصباح سوا
    نغيب عن الكون ما حوى
    خلقنا من عنصر المحبة
    وبقينا طول الزمن أحبة
    من الأغاني الخالدة التى كتبها الشاعر أغنية ” الزمان زمانك” التي غناها أولاد شمبات ، وعثمان حسين
    يقول : –
    يالفريد في عصرك الزمان زمانك
    أهدي لي من فضلك نظرة من رمانك
    يالفريد في عصرك قلبي فاقد أمانك
    حرام عليك تهجرنى ونرضي بحرمانك
    بالكمال شرفت مناطق أم درمانك
    بالجمال امتزت عاي شباب أزمانك.
    من أغاني الحقيبة الخالدة التي كتبها الشاعر وغناها أولاد الموردة ” زمن بنادي” ، يقول: :
    لي زمن بنادي للخديده نادى
    يا ناس محبوب قصد عنادى
    مع نزول دموعي اذا اشتعل زنادي
    بصده عن سواه اوجه استنادى
    متين يهل هلالي واسمع المنادي
    ينادى عن حبيبي ويقول ترك عنادى
    يواصل ويقول :
    جميل وصف جمالك يحير الشوادى
    غزال نفرت منى وعملت قلبي وادى
    أذوب من اللطافة ويذوب معاى فؤادى
  • كذلك من أغانى الحقيبة الخالدة التي كتبها الشاعر ” يا جميل يا مدلل ” التي غناها: عوض الجاك ، الفنان عثمان حسين ، يقول:-
    يا جميل يا مدلل قل ليه حكم الغرام قد حلل
    عذابي يدوم
    يا جميل يا مدلل كلما أطراك بالدمع اتبلل
    جسمي صار منحول والمنام اتقلل
    طرفى لي رؤياك دمعه كتر وهلل
    جفانى النوم
    يواصل ويقول :-
    بالعلي لا تجهل يا حلو النغمات يا لذيذ المنهل
    نارى حارقة الجوف والمدامع تبهل
    بعد هذا الحال وصاله يسهل
    يواصل ويقول :
    لى ضفايرك مسدل
    يارشيق القامة والمعاطف الهدل
    القوام ممشوق والمعاطف خُدل
    ده المخلى اليك حبي لا يتبدل.
    يزيد كل يوم
    من الأغاني التي تصدى بها الشاعر لأغاني ” التم التم ” ، أغنية ” تعال ياروحى”، وهى علي وزن لحن ” هوى ياليلة ” ، وهى من إنتاج 1938 ، وغناها إبراهيم عبد الجليل:، يقول :-
    تعال يا روحى تعال لى
    عالج قلبي وابرى جروحي
    كفاى هجران
    يواصل ويقول:: –
    ظهر لى لونك أجمل الألوان
    ويظهر وجهك البدر إخوان
    جميل من طيبك تميل دوام نشوان
    يكاد فوق غصنك يغرد الكروان
  • من أغانى الحقيبة الرائعة ” نجوم الليل ” التي غناها ميرغني المامون وأحمد حسن جمعة ، يقول :
    يا نجوم الليل أشهدى
    على لوعتى وتسهدى
    وعلى بكاي وتنهدي
    يواصل ويقول :
    قمرا حمانى تهجدى
    وتركنى فاقد منجدى
    آى من صفاره العسجدى
    وعينه المتل عين الحدى
    يا من خرقت عوائدى
    ونظمت فيه قصائدى
    لو عمرى شيئا في يدى
    لوهبته ليك يا سيدى
  • من الأغانى الجميلة التي كتبها الشاعر ” يا حنونى ” التي غنتها الفنانة عائشة الفلاتية ، وسُجلت في أسطوانة عام 1941 ، يقول:
    يا حنونى عليك بزيد في جنونى
    حبيبي
    حبيب منعت وصالك ضيعت كل ظنونى
    حجبت عنى خيالك وكيف رضيت بمنونى
    من يوم عشقت جمالك جيوش هواك أضنونى
    تزيد على في دلالك وأزيد عليك بفنونى
    من العجيب المدهش يا دُرّى يا مصونى
    انت التدلل ذاتك وانا الشجون أعيونى
    بنورك المتوقد بالأخضر الليمونى
    خطفت موية بصرى وعميت على عيونى.
  • من الأغانى الجميلة التي كتبها الشاعر ” نظرة ” التي غناها الفنان عثمان حسين ، يقول فيها:
    في سبيل نظرة من عيونك
    احتمل كلما الاقى
    كيف تكون السعادة دونك
    في سبيل نظلاة من خدودك
    كم تحملت جور عهودك
    وتجرعت من وعودك
    خمرة كأسها صدودك
    ليتنى كنت يا حبيبي
    احيا في روضة من ورودك
    كى أرى الجنة في حصونك
    وارى الدنيا بين جفونك
    أيها الناسى وعدنا
    هل تجاهلت أمرنا
    كيف لا تدرى حبنا
    وأنت ما زلت عندنا
    آية الحسن ها هنا
    انما يا حبيبي أنا
    إن تحديتني بالصدود أو لعبت لحبيب ودود
    طالما في الفؤاد سكونك
    انت ياهاجرى وشؤونك
  • كما كتب الشاعر قصيدة ” حبيب الروح” التي غنتها عائشة الفلاتية ، التي يقول فيها:
    سافر حبيب الروح خلى الفؤاد مجروح
    يواصل ويقول :
    ودعته بالآهات ودعنى بالعبرات
    مقرونة بالبسمات
    بألطف النغمات
    حيّانى كم مرات زادنى اشتياق وجروح
    كتب الشاعر ” سحر الجمال ” التي غناها إبراهيم إدريس ” ود المقرن” يقول فيها:
    أنا في شخصك احترم أشخاص وطبعا عندى احترامك خاص
    احترامى ليك من صميم قلبي غير ما اشعر
    يواصل ويقول:
    من لهيب الشوق برضو ما في خلاص
    هكذ يا ظالم جواء الإخلاص
    افي حبك والفؤاد مجروح ما فضل منى شئ خلاف الروح
    هكذا الأشواق
    تسمو بالعشاق
    بعد أن لاحظ الشاعر أن غنا الظلم اصبح كثيرا ، كما يقول السر قدور، كتب “أغنية انصاف” التى غناها التاج مصطفي ، يقول :
    ياروحى أنصفنى في حكمك لأنه قاسى على أنا يا حبيب ظلمك
    تظلمنى والأيام قد تنصف الانسان تشاهد المحبوب عفوا عيان وبيان
    بالنسبة للطفك والرقة يافتان ما كنت تظلم من اضحى بيك ولهان
    تتركنى في الماضى مع إنه في الامكان تجدد الذكرى وتنسى كل الكان
    أنا ياحبيبي غرامى تركته للأيام تركت حب ودموع تركت شوق وهيام
    عودت نفسى اذا اشتدت الالام اصبر على الحرمان واضحى بالاحلام
    جنات هواى العذرى ندية الأنسام تخلى نار الشوف بردا على وسلام
    إلي أن يقول :
    سكبت روحى على كأس المحبة سلاف
    هل بعد هذا أكون لسهام نواك أهداف
  • من كلماته ” حكمة ” التي غناها أحمد الجابرى يقول:
    حد يشعر بالسعادة ويمشي يختار البعاد
    حكمة والله وحكاية تشغل أذهان العباد
    ناس بتتعذب وحيدة وناس بتنعم بالوداد
    أما * أما أغنية “الزهور باسمة ” التي كتبها الشاعر فقد غناها أحمد الجابرى ، يقول :
    الزهور بسمت لينا والغصون ما لت فرحى
    تنثر الورد علينا
    إلى أن يقول:
    نظرة السادة الأحباب فيها كل آما نينا
    والمقرن الجذاب يوحى اينا أغانينا
    غنت له الفنانة منى الخير ” عيون المها” التي يقول فيها الشاعر :
    ياعيون المها ياعيون
    ياعيون انت لون الليل
    زى لونك سواد وكحيل
    كلاكم أراه جميل زاهى الحسن صافى اللون
    علّميني كيف أهوى
    واتخذ الهدوء مأوى
    يرتاح قلبى للنجوى اذا ما الليل غشاه سكون
    ياعيون فيك منى وأحلام
    فيك للعاشقين الهام
    في صمتك رموز وكلام للعارف دقائق الكون
  • غنى له حسن عطية ” ياليل” التي يقول فيها الشاعر:
    أنا سهران ياليل أتعبنى الضنى
    يواصل ويقول:
    يا غاية مرامنا وآية مجدنا
    لو دنت الكواكب نجمك ما دنا
    أنت وحيد زمانك في هذه الدنا
    أنواع المحاسن منك معدنا
    كما غنى له عبد العزيز محمد داؤود ” جلسة ” التي يقول فيها الشاعر :
    علي النجيلة جلسنا طربنا وتآنسنا
    وعن الهوى تحدثنا
    غنى له الفنان عمر أحمد ” كان بدرى عليك” يقول الشاعر:
    كان بدرى عليك تودعنى وأنا مشتاق ليك
    يواصل ويقول:
    يا حبيب تعال أغريني دلال
    وأسحرنى جمال
    أنت الآمال
    في المضى والحال
    للعفة مثال
    علي الأجيال أنا أفخر بيك
  • غنى له الفنان إبراهيم عوض ” ليالى اللقاء ” التي يقول فيها الشاعر:
    ليالى لقانا جميلة كانت .. كانت .. ياسلام
    أفراح وسمر وأغانى والدنيا منى وأحلام
    يواصل ويقول:
    الحب موجود في الدنيا من ماضي دهور
    لليل تشتاق الأنجم والظلمة تحب النور
    والروض يعشق بعضه أعصان وفروع وزهور

خامسا : تأملات في شعر عب الرحمن الريح
نلاحظ أثر التصوف ودراسة القرآن الكريم في أشعاره ، على سبيل المثال : يقول في قصيدة ” خدارى”
في فكرتى الكواكب والأنجم السوارى
والحور من جمالن بالنسبة ليك حوارى
وفي قصيدة ” هات لينا صباح” يقول :
سرنا المكتوم بالدموع أنباج
والسهاد أصبح أمرو لينا مباح
النسيم إن فاح يمتزح بزلال دمعنا السفاح
وهي قصيدة فيها جانب من قول القطب الصوفى الحلاج
بالسر إن باحو تباح دماؤهم ..الخ
في قصيدة ” سامى الشعور ” يقول:
حافظين سر هوانا في ليلنا ونهارنا
لا خانت أنظارنا
لا أنكشف اسرارنا
بل كانت أخبارنا
حمد وشكرا
كما نجد أثر التصوف واضحا في قصيدة ” عشقت شادن” ، التي يبرز فيها أثر ” الاتحاد” و ” الحلول” عند المتصوفة أمثال : ابن عربي يقول:
عشقته من نشأة الطفولة ..محبة
قلوبنا طاهرة وحياتنا أولة .. أحبة
كنا لا نعرف الهوى
إذا جلسنا الصباح سوا
نغيب عن الكون وما حوى
خلقنا من عنصر المحبة .. وبقينا طول الزمن أحبة
هوانا فطرة
حبيبي من عالم الملائك
سماوى جالس على الآرائك
مكانته عالية وطريقه شائك
الغناء في المعشوق من أدب المتصوفة ، يقول ود الريح في ” سحر الجمال” :
ذبت في حبك والفؤاد مجروح
ما فضل منى شئ خلاف الروح
هكذا الأشواق
تسمو بالعشاق
من ثرى الأشباح لسما الأرواح
حيث تروى هناك للنجوم معناك
سابحة في علياك
طاهرة كالاملاك
وفي قصيدة انصاف تتجلى معانى التصوف ، واستلهام القراءة العميقة للقرآن الكريم ، ومعانى التضحية بالاحلام ، والذوبان في المحبوب
يقول :
أنا ياحبيبي غرامى تركته للأيام
تركت حب ودموع ، تركت شوق وهيام
عودت نفسي اذا ما اشتدت الآلام
أصبر علي الحرمان وأضحى بالاحلام
جنة هواى العذرى ندية الأنسام
تخلى نار الشوق بردا علي وسلام
هيامى بيك يا فاتن مصدره الانصاف
انصفت حسنك حب وانصفت حبى عفاف
ذوبت قلبى معاك رقيقة في الأوصاف
هوّمت نفسي خيال في معبدك طواف
وسكبت روحى على كأس المحبة سلاف
هل بعد هذا أكون لسهام نواك أهداف
يتجلى التصوف أيضا في قصيدة ” عند الأصيل” ، وكان الوقت أصيلا ، أي عصرا ، عندما لمح الحسناء القبطية مارى ، بالمقرن ، يقول :
يا مارى وحدك تعال تعال بكأس الوصال
اسقينى خمر الجمال
على مروج الظلال
وبين مجارى الزلال
اسمعنى لغة الدلال
سحر الطبيعة الحلال يزيد
كما يتجلى التصوف في قصيدة ” انت نور ”
يقول :
أقول أنت نور من سحر الجمال
ولا أقول ملاك في دنيا الخيال
أراك في الحقيقة
معانيك دقيقة
وعواطفك رقيقة
ومناظرك مشيقة
كأنك حديقة ومحاسنك زهور

سادسا : منهج عبد الرحمن الريح في الشعر
اشرنا سابقا أن الشاعر عبد الرحمن احدث نقلة كبيرة في فن الغناء السوداني ، وجاء إنتاجه غزيرا وأصيلا ، ومعبرا عن الواقع والبيئة الاجتماعية التي عاشها الشاعر بكل كيانه ووجدانه ، وارتبط بالممارسة والنشاط العملي ،وقد عبر الشاعر عن ذلك في قصيدة ” شعري ” :-
شعري شعور من دمى
لا من يراعى ولا فمى
تيار نور أصله
اشراقة من ملهمى
لا اقتبسه من البحور
ولا الخليل معلمى
قبل القراءة للعروض وزنته بترتم
فأنا وموسيقاه
من ترتيل قلبى مفعم
بحلاوة الألحان
والايقاع غير مثلم
يواصل ويقول :
فالشعر ليس بضاعة
تبتاعه بالدرهم
بل فطرة وسليقة
لا تغتنى بتعلم.
يواصل ويقول :
بالفعل لا بالقول تعلم
قدر ما لم تعلم
خاتمة :
هكذا تابعنا في هذه الدراسة منجزات عبد الرحمن الريح الذي ضرب بسهم وافر في تطور وترقية الأغنية السودانية شكلا ومضمونا ، واهتمامه المتنوع بالتطورات التي برزت من خلال مسيرة المجتمع وتفاعله مع العالم ، فاهتم بجوانب مختلفة : اجتماعية ، وجمالية وعاطفية، وبعكس طبيعة البلاد الخلابة في ربوع البلاد المترامية الأطراف ، واهتم بتطور ورفعة وتعليم المرأة السودانية وشجع خروجها للعمل، ومحاربة العادات الضارة.
كما انعكس اطلاعه العميق والواسع في شعره ، دون النقل الأعمى لبيئات مجتمعات أخرى ، بل كان منغمسا في واقع وبيئة السودان ، إذ أنه رغم اطلاعه الواسع علي التراث العربي ودواوين الشعراء القدامى والمحدثين والأدب والشعر السوداني ، وأثر دراسة القرآن الكريم والتصوف في شعره، استطاع بمهارة وموهبة أن يخلق أغنية سودانية تميزت بالاصالة ، الشئ الذي أكسب شعره وغناءه خلودا ، نلمسه في أجمل الأغنيات التي قدمها كبار الفنانين ، وحتى المبدعين من شابات وشباب اليوم.
كما طور ” التم تم ” من الايقاع البطئ إلي السريع ، وكان حلقة وصل مهمة من فن الحقيبة إلي الاوركسترا الحديثة ، وغنى له رواد الأغنية الحديثة مثل : التاج مصطفى ، أحمد المصطفى، إبراهيم عوض ، عثمان حسين ..الخ ، وبعد ذلك انطلقت الأغنية الحديثة إلي آفاق ارحب.
سيظل عبد الرحمن الريح خالد ا وركيزة مهمة وهرما بارزا في شموخ وتطور الأغنية السودانية.

أهم المصادر :
1- إسماعيل الزين ” الروائع الحبيبة من أغاني الحقيبة وأغاني الأوركسترا الحديثة ” ، للشاعر والملحن عبد الرحمن الريح ، الطبعة الأولي 1996 ، المطبعة الاتحادية – الإمارات العربية المتحدة.
2- أحمد محمد علي إسماعيل : عبد الرحمن الريح ” إنت حياتي” ، المكتبة الوطنية للنشر 2011

تاج السر عثمان بابو
alsirbabo@yahoo.co.uk

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*