قهوة بشير والصندوق الشهير (١)

سافر ففي الأسفار خمسُ فوائد : تفرُّج هَمٍ ، واكتسابُ معيشةٍ ، وعلمٌ ، وآدابٌ ، وصُحبة ماجد ..
هكذا حفظتها من فَمْ معلّمي ومعلّم الأجيال الشيخ محمد محمد مختار مدرّس الدين بمدرسة ناوا الأولية رحم الله الشيخ محمد مختار وأسكنه جنات النعيم مع الصديقين والشهداء بقدر ما أعطى من علم للأجيال المتعاقبة ، يبدو أن أهلنا أخذوا هذه الحكمة مأخذ الجد وتعاملوا معها بكل مهنية فتفرقوا يُمنة ويُسرى بحثاً عن تلك الفوائد الخمس أو ما تيسّر منها فمنذ الأربعينات وبداية الخمسينات الميلادية عرف أهلنا درب السفر وفايدتها خاصة الذين دقشوا ودخلوا مصر من بدري ، ديل كانوا يجوا البلد بالشنط الأسكندرانية والجلابية والسديري المصري حتى كلامهم بقى مصري إلى أن توفاهم الله ، لذلك قطعوا بحر أحمر ودخلوا جدة واستقروا بأرض المملكة العربية السعودية ، وكان والدي بشير مراد رحمه الله ضمن أولئك الذين حطّوا رحالهم في أرض الحرمين بعد قضاء فترات متقطعة مابين فلسطين ومصر في السلك العسكري ، وجدوا في هذه البلاد الطاهرة الاستقرار والمعاملة الحسنة ، وقتها كانت هجرتهم محدودة وبأعداد قليلة وعندما بدأوا في التوافد والتكاثر فكروا في إستئجار بيت صغير يكون مقر لهم ، كان والدي بحكم الأقدمية معروف ومحبوب لدى كل السودانيين ومن يجاورهم من الجنسيات الأخرى سعوديين ويمنيين وينادونه بالحاج بشير ، كان بطبعه رجل حركي لايحب الكسل والونسة والتداخل فيما لايخصه زول دُغري وعملي ولا يجامل ، سيف سنين حتى على أقرب الأقربين مما أكسبه محبّة كل من حوله ، فكّر حاج بشير تجميع هذا التجمّع السوداني تحت سقف واحد أوسع وأكبر حجماً ليلتقوا في الفترة المسائية ويتفقّدوا أحوال بعضهم وزيادة الترابط الإجتماعي بينهم وفي نفس الوقت يستفيد هو مادياً ، فكان ميلاد القهوة الشهيرة (قهوة بشير) في حي البغدادية العريق شارع محمد بن عبدالوهاب …
بدأ العمل في القهوة فاتراً كحال أي مشروع في بدايته لأنه طبعاً مافي لا دعاية ولا إعلان ، الخبر عند القريبين بالإضافة لمجموعة الجمعية كل زول يكلّم أخوه وبس ، لكن بعد يومين تلاتة تعال شوف الزحمة في العصريات قدّام قهوة حاج بشير ، مافي سوداني إلا تلاقي من بدري جاء أخد موقع في انتظار فنجان قهوة ، بدأ حاج بشير بي عِدّة بسيطة كانون وفحم وكم جبنة ودرزن فناجين وكم كرسي خيزران وبس بعد أسبوعين تلاتة زاد شغفه وعمل على توسعة الساحة قِدّام المحل وجلب المزيد من متطلّبات العمل وكبح جماح الخرمانين لي طعم البّن السوداني في قهوة حاج بشير ..

نلتقي في الحلقة القادمة إن شاء الله…