يوسف طاهر قرشي.. الخل الوفي

يوسف طاهر قرشي.. الخل الوفي
  • 28 أكتوبر 2024
  • لا توجد تعليقات

أنور محمدين

وصلت بورتسودان الثغر الباسم من عطبرة بلد الحبايب بأسرتي لتهنئة عمي الصفي الرضي فتحي عباس مدير السكة حديد بالإقليم الشرقي بمناسبة نجاح عمليته الجرحية الدقيقة بالقاهرة، وكان البرنامج أن نقضي أسبوعا غير أن الحبيبين فتحي والباشمهندس اللامع حسن أبوعلي خال أولادي قررا مده أسبوعا آخر.
خلال ذلك خف الرائع يوسف طاهر للترحيب بنا ودعوتنا لقضاء مساء الخميس وكامل الجمعة في داره، حيث انداحت الونسة الرغيدة، التي تناولت علاقتنا الرحمية فقد كانت حبوبتي صبرة تردد في اعتزاز أنهم كانوا لصيقي الصلة بخالها ” أنقي” طاهر قرشي بسيسة الحضارة وأنهم كانوا حرصاء على تشييع جثامينهم في مدافنهم بسدلة ويقضون بينهم أياما حتى انقضاء الصدقة وهم بالمثل في السراء والضراء،
وبعد أن تقاعدت كانت تسعد بزيارات أختها حليمة طاهر والعقد النضيد، وامتد الحديث الشائق لتفاصيل تلمذتنا بمدارس دلقو الرائدة وذكريات معلمينا اليواقيت ومواقفهم وزملائنا الكثر وما أصبحوا عليه بعد التحصيل، وبالطبع مشاهداته في أوروبا وانطباعاته حيث تولى منصب مدير الخطوط البحرية في غرب أوروبا في بلجيكا وكانت سانحة ماتعة لاتزال دقائقها يقظة.
بعد أن جرت مياه كثيرة تحت جسور دروب الحياة سعدت بلقائه في بيته في البلد وكانت الفرحة غامرة وقد تحرر من قيود المسؤولية بعد إعفائه من منصب معتمد محلية دلقو بقليل، فقلت له:
بعيدا عن مدح الناس وقدح بعضهم المعتاد تجاه شاغلي المناصب القيادية لا ريب أنك سعدت بالبقاء بين الأهل متماهيا مع مجتمعنا السامي بعد غياب طال وعززت الصلات مع الأقارب والأباعد ويا لها من فرصة ثمينة فأضاف:
.. وسعيد أن مكنتني الظروف أن أقدم ما تيسر لأهلي ولكم هم أوفياء! وحكى لي مواقف شتى من بينها أن أرملة جاءته تطلب عملا غير أن الأمر لم يكن ميسورا فقال إنه قدم لها كل ما كان في جيبه في تلك اللحظة كدعم شخصي وقال إنه فوجئ بها بعد حين رغم ظروفها تحمل جردل خبيز لبيته وأردف في تأثر:
إنهم أهلنا ففي دواخلهم خير عميم مقيم وقال لي:
إن الشمالية في حاجة لخبراتك المتعددة في موقع قيادي وختم ضاحكا:
المهم قبول ” الحكومة ” العودة من دعة الخارج وهو يقصد أم العيال فتضاحكنا، ولما خرجت منه حاول استبقائي لكني اعتذرت بجملة من الزيارات الواجبة فقال:
لو لا الضيوف لصحبتك فنادى ولده ليوصلني بسيارته حيث أشاء فصحبني أخي الحبيب بكري الطيب في طواف طويل امتد من قرقود شمالا حتى أقاصي البركة جنوبا، ولم نعد لمشرع سيسة إلا عصرا.
في إجازة لاحقة جاءني في البيت بسعدنكورتى فور علمه بوصولي وانساب بيننا حديث غيداق سلسال، طلب خلاله أن أزوره في دنقلا لألتقي بعض الصحاب ذكر منهم صديقي العزيز بدوي الخير إدريس الوالي الأسبق، وحين هم بالانصراف قال إنه يقضي بعض وقت فراغه في ممارسة هواية صيد السمك ووعد إن أصابت صنانيره سمكة مكينة فيما تبقى لي من أيام قليلة فإنها لا شك نصيبي وكان اللقاء الأخير.
منذ فترة ظللت أتابع ترمومتر مرضه المفاجئ المفجع بألم يشوبه أمل حتى صعقنا برحيله المزلزل:

الموت نقاد على كفه جواهر
يختار منها الجياد

أخي يوسف النادر، سلطان العشيرة الماجدة .. ينوح دمعي الفياض وهو يسابق حروفي الحيرى غير أن عزاءنا أن مثلك لا يموت لأنك في غور قلوبنا خالد ما بقي نبض في حنايانا.

الوسوم أنور-محمدين

التعليقات مغلقة.