عرب الشتات وحلم “الدويلة” داخل السودان

عرب الشتات وحلم “الدويلة” داخل السودان
  • 28 أكتوبر 2024
  • لا توجد تعليقات

التحرير- وكالات

ملخص
أعلنت قيادات أهلية وناشطون من قبيلة الفور بولاية وسط دارفور رفضها القاطع لإنشاء “الدعم السريع” إمارة جديدة لمجموعة عربية وافدة من دولة أفريقيا الوسطى.

ارتبطت الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 بكثير من الاتهامات حول أسباب اندلاعها وما تحمله من خفايا لتنفيذ مخططات بعينها، من بينها إحداث تغيير ديموغرافي في البلاد وبخاصة في غربه (إقليم دارفور) عبر إقامة دولة باسم عرب الشتات الأفريقي على حساب قبائل السودان الأصلية ذات الأصول الأفريقية، وذلك في ضوء سيناريو التقسيم المتوقع حدوثه.

مخاوف طرحت معها سؤال في شأن مدى حقيقة وواقعية هذا المخطط وإمكان تنفيذه انطلاقاً من إقامة إمارات جديدة لإدارات أهلية في عدد من مناطق دارفور تكون موازية للإدارات التاريخية؟

شجاعة وفروسية

قال والي ولاية شمال دارفور السابق عبدالواحد يوسف إن “موضوع عرب الشتات واستيطانهم، سواء كان في السودان أو غيره، مجرد أقوال وشطح في التحاليل، فهذه المجموعات لا تميل إلى الاستقرار ولا تحبذ حياة المدن فهي في حال ترحال ونزوح مستمر من مكان إلى آخر، بيد أن الحروب والفوضى يمثلان العامل الرئيس الذي يجذبهم إلى المدن بغرض النهب وكسب المال، وهو ما يسعون إليه طوال حياتهم، بخاصة أنهم بطبعهم مغامرون يركبون الصعاب ولا يقدرون قيمة الحياة لهم أو لغيرهم، فكسب المال بأية وسيلة يساوي عندهم الحياة، لذلك تجدهم يرمون بأنفسهم في المهالك ولا يعتبرون ذلك إلا شجاعة وفروسية”.

وأضاف يوسف “في تقديري أن هذه الجماعة ستظل أداة في يد بعض المغامرين أمثال قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو لتحقيق مجد يراوده، أو تستخدمهم بعض الدول الإقليمية في محاربة ما تسميه الإسلام السياسي، أو بعض الدول الأوروبية التي تسعى إلى خلق توترات في بعض الدول الأفريقية الغنية بالمعادن حتى تأتيها الفرصة للاستحواذ عليها”.

ومضى في القول “هذه الجماعة نشطت في دارفور بعد اندلاع التمرد عام 2003 لكن ليس بالصورة المبالغ فيها ومن المرجح أن مشاركتهم في القتال آنذاك كانت محدودة وهدفها نصرة أبناء عمومتهم الموجودين أصلاً في دارفور، مع الرغبة في جمع المال ونهبه، لكن توسعت مشاركتهم بعد اندلاع حرب الـ 15 من أبريل 2003 بناء على أعمال منظمة رعاها دقلو وشقيقه عبدالرحيم”.

وتوقع والي ولاية شمال دارفور السابق انتهاء هذه ظاهرة “عرب الشتات” في السودان عامة ودارفور بخاصة بانتهاء الحرب والعودة لوديانهم وصحاريهم، وربما تبعتهم بعض القبائل العربية حديثة الهجرة إلى دارفور، حيث يصبح العيش مستحيلاً مع سكان المناطق الأصليين نظراً إلى الفظائع التي ارتكبوها بحقهم ونكثهم لميثاق التعايش الموروث مع أجدادهم.

شعارات كاذبة

وفي السياق قال مساعد رئيس حزب الأمة القومي للشؤون القانونية إسماعيل كتر إنه “في ما يختص بقضية عرب الشتات في السودان فإنها مسألة قديمة تتعلق بمحاولات استيطان الإثنيات العربية المهجرة من تشاد والنيجر ومالي وأفريقيا الوسطى وليبيا وبقية دول الساحل الأفريقي إلى السودان، بخاصة في إقليمي دارفور وكردفان بطريقة مدروسة ومدعومة من دول غربية منذ القرن الـ15 الميلادي، إذ يعتمد هذا المخطط على تفتيت البلاد إلى ثلاث دول في الغرب والوسط والشمال، لكنه قوبل برفض تام من السكان أصحاب الأرض الأصليين وبخاصة في إقليم دارفور”.

وتابع، “تزايدت أعداد هذه المجموعات خلال فترة النظام السابق حين اندلعت حرب دارفور، إذ استعان بها النظام لسحق الحركات المسلحة وجرى توطينها وصاحبتها عملية تأصيل ممنهجة بتسمية كثير من المعالم وغيرها بأسماء عربية، والآن ينظر هؤلاء المهجرون من عرب الشتات إلى الحرب الدائرة في السودان والتي يشاركون فيها إلى جانب قوات الدعم السريع على أنها فرصة لتحقيق حلمهم في إقامة دولة تجمعهم، متخذين شعارات كاذبة بقولهم إنهم يحاربون من أجل تحقيق أهداف ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 لاقتلاع عناصر نظام عمر البشير من الحكم وإرساء دعائم الديمقراطية، وهذا كلام أقل ما يقال عنه إنه مضحك، فأي ديمقراطية هذه التي ستأتي بها هذه القوات التي شاركت في قمع الثورة”.

وذكر كتر “لذلك تجدهم يمارسون القساوة في حربهم المزعومة مستهدفين المواطن بالدرجة الأولى والأعيان المدنية، وذلك للتضييق على كل من لا ينتمي إلى إثنيتهم حتى يغادر الأرض والبلد، وهو ما شاهدناه في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور وحاضرة قبيلة المساليت صاحبة الأرض والتاريخ في هذه الجغرافيا، عندما قامت تلك المجموعات بعمليات تطهير عرقي فيها بعد شهرين من اندلاع الحرب راح ضحيتها أكثر من 5 آلاف من رجال هذه القبيلة، فضلاً عن طرد نسائهم من المدينة إلى دولة تشاد المجاورة، وبكل أسف كانت مجزرة وحشية لم يسبق لها مثيل في التاريخ”.

وزاد، “تكررت هذه الأحداث في مدينتي زالنجي وكاس وفي مدن وقرى أخرى في دارفور، ومثلت منطقة الزرق مثالاً خاصاً، إذ حدث فيها إحلال سكاني طرد بموجبه سكانها التاريخيون، لكن الشيء المهم أن هذا المخطط وجد مقاومة شعبية عارمة بدافع الكرامة وتمسك أصحاب الأرض بأرضهم وإن أدى ذلك إلى فقد أرواحهم، فمثلاً نجد أن المعارك العنيفة التي دارت في الفاشر راح ضحيتها نحو 150 ألف شخص ظلوا يقاومون تلك المجموعات التي تريد تهجيرهم قسرياً، وبالتالي أصبح تحقيق طموحهم في إنشاء دولتهم الجديدة مجرد سراب”.

وبيّن مساعد رئيس حزب الأمة القومي للشؤون القانونية أن من محاسن هذه الحرب، على رغم مآسيها المتمثلة في تدمير البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من 12 مليون مواطن إلى داخل البلاد وخارجها، وانتهاك الأعراض ونهب الممتلكات، أنها أفشلت المخططات التي تريد النيل من هذا الوطن كافة، فضلاً عن إسهامها في تماسك ووحدة الشعب السوداني بكل كلياته بغض النظر عن إثنياتهم، إذ تدافعت كل القبائل من مختلف المناطق للدفاع عن تراب هذا الوطن لإحساسهم بقيمته الغالية”.

سكان جدد

من جانبها أفادت نائبة رئيس هيئة محامي دارفور نفيسة حجر بأن “الناظر إلى الحرب الراهنة يجدها محاطة بتعقيدات كثيرة، وأن الرؤية فيها ضبابية بسبب حدة الاستقطاب والتوظيف السالب للإعلام، مما يصرف الأنظار في كثير من الأحيان عن حجم أخطار المؤامرة التي يواجهها السودان، فضلاً عن مطامع بعضهم التي تتحلق حول أرضه وخيراته، في محاولة للإجهاز عليه وتقسيمه إلى دويلات عدة، إذ أضحى نجاح هذه المخططات قاب قوسين أو أدنى”.

وأضافت أن “فكرة إحداث تغيير ديموغرافي في إقليم دارفور لم تكن حديثة بل هي قديمة متجددة ظهرت خلال الحرب التي شهدها الإقليم عام 2003 عندما استجلب نظام البشير المستوطنين الجدد، وبالتالي فإن ما حدث في الحرب الدائرة حالياً في البلاد هو امتداد لحرب دارفور التي فُرضت على الشعب السوداني بصورة عامة وعلى أهل دارفور تحديداً، فهناك مجموعات وجدت ضالتها في هذه الأحداث وعملت على استكمال مخطط الإسلاميين القديم”.

ولفتت إلى أن المتابع لحربي دارفور والخرطوم يجد أن الفاعل الذي أشعل كلا الحربين هو جهة واحدة مع تبديل المواقع بالنسبة إلى المجموعات المتقاتلة، مؤكدة أن عمليات القصف الجوي والمدفعي تجاه المدن والقرى من قبل طرفي القتال يهدف بصورة رئيسة إلى قتل وتشريد السكان وتهجيرهم واحتمائهم بمعسكرات نزوح على هامش المدن، ولجوء بعضهم إلى دول الجوار الأفريقي، ليكتمل المخطط باقتلاع الأراضي وتسليمها إلى سكان جدد، وبهذا يتحقق التغيير الديموغرافي في كامل الإقليم، ويظهر ذلك جلياً من خلال مشاركة مجموعات من خارج السودان في هذه الحرب، إضافة إلى عمليات قصف الطيران الحكومي لبعض المدن التي تقطنها قبائل بعينها تحت ذريعة أن أفرادها حواضن يجب قتلهم وإبادتهم.

إمارات جديدة

وكانت قيادات أهلية وناشطون من قبيلة الفور بولاية وسط دارفور أعلنت رفضها القاطع لإنشاء “الدعم السريع” إمارة جديدة لمجموعة عربية وافدة من دولة أفريقيا الوسطى، محذرين من إحداث تغيير ديموغرافي وتمكين مجموعات بديلة على حساب السكان الأصليين.

ونشرت منصات تابعة لقوات الدعم السريع مقطع فيديو لاحتفال أقامته مجموعة أولاد بركة ومبارك لمناسبة تأسيس الإمارة، والذي خاطبه قائد قطاع وسط دارفور في “الدعم السريع” العميد محمد آدم بنجوز، إذ أثارت هذه الخطوة ردود فعل غاضبة ومطالبات بضرورة التدخل لوقف ما وصفوه باحتلال أراضي القبائل الأصلية في المنطقة.

وتنتمي مجموعة أولاد بركة ومبارك إلى قبيلة السلامات العربية التي جاءت إلى السودان قادمة من أفريقيا الوسطى خلال الأعوام الأخيرة، وتمركزت قبل حرب الخرطوم في مناطق تريج جنوب مدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، وتزايدت أعدادها بصورة كبيرة عقب اندلاع الحرب.

التعليقات مغلقة.