الخرطوم – التحرير:
الحديث عن تعاطي طلاب الجامعات للمخدرات لم يعد حديثاً تتناوله المجالس همساً، فقد أكدت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات على لسان مدير الإدارة الفنية والإعلام العقيد شرطة نجم الدين عبد الرحيم أن 7% من متعاطي المخدرات هم من طلاب الجامعات.
هذه الحقيقة الصادمة أقلقت الأسر التي حملت المسؤولية للسلطات؛ لأن لها من الوسائل والأساليب ما تمنع به دخول المخدرات لا إلى الجامعات، بل إلى البلاد.
حاولت (التحرير) أن تلامس هذا الموضوع الخطير من خلال الأطراف المعنية، وركز التحقيق في الطلاب الضحية الرئيسة في ظاهرة المخدرات.
ابحث عن المرأة والشلة
(ج ع) طالبة بإحدى الجامعات، قالت: أنا زولة جميلة وبقولوا أني (جذابة) ولساني (حلو)..هذه الصفات لم أكن أدري أنها أهم المعايير لاختيار مروجات المخدرات في أوساط طلاب الجامعات؛ ولأنني كما قلت زولة جميلة ولساني حلو فقد أصبحت هدفاً لمجموعة من الشبان كنت أعتقد أنهم زملاء بالجامعة لوجودهم المستمر فيها، ولعلاقاتهم الحميمية بكثير من الزملاء والزميلات. تقرب مني أحدهم وتوثقت الصلات بيننا.. بدأ يحدثني عن خصوصياته، وتعرفت عن طريقه على بقية (الشلة)، وللحقيقة أنه لم يعرض عليٌ أي شيء، ولكنني كنت حينها قد اكتشفت وتأكدت أنهم يوقعون البنات ويستدرجوهن ليستخدموهن لترويج المخدرات.
ويبدو أنني كنت في مرحلة الاختبار ولم أصل في علاقتي بذاك الشاب إلى مرحلة الثقة بعد. (نفدت) بجلدي ولم أشعره بأنني كشفت أمرهم، حتى آمن شرهم، وبدأت أتهرب من ملاقاته، ورويداً رويداً فترت العلاقة بيننا؛ لأنه لم يجد ضالته عندي، وحمدت الله كثيراً.
وتقول (ع ج ) شكوكي في تلك الشلة مكنتني من عدم الوقوع في شباكهم، وساعدني في ذلك ما كنت أسمعه عن الترويج وتعاطي المخدرات داخل الجامعات، مع أنني كنت دائماً أدافع عن وسطنا الطلابي، ويبدو انني كنت واهمة، فقد تأكد لي بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك (شلليات) يتبادلون الحبوب المخدرة، ويعملون على استدراج آخرين عن طريق الفتيات. يبدو أنهن تدربن على طريق تجعل الشباب يهرولون خلفهن، بعد إيهامهم بالتقرب منهم، وتتوسع بذلك دائرة المتعاطين، وتسهل مهمة المروجين.
البداية.. شيشة وقهوة
رواية أخرى حكاها لنا أحد الشباب، قال: أدرس في جامعة مرموقة، وفي كلية علمية رفيعة. وعندما كنت في السنة الأولى طلب مني بعض الزملاء مرافقتهم في الذهاب لأحد محلات (الشيشة) بوسط الخرطوم، وذهبت معهم المرة الأولى، وأصبحنا نتردد على المحل و(ندخن الشيشة)، ونتناول القهوة والشاي وكان الأمر بالنسبة إلي أمراً عادياً، ولم أشك في أن ما نتناوله يمكن أن يدخل في خانة المخدرات (شيشة عادية وقهوة)”. ويمضي في القول: “انقطعت عن مرافقة زملائي يومين قضيتهما خارج الخرطوم، شعرت خلالهما أنني غير طبيعي، وعزيت الأمر إلى (خرمة) عادية للقهوة والشيشة اللتين تعودت عليهما، وبعد رجوعي إلى الجامعة حكيت لأصدقائي، وألجمتني الدهشة، عندما قال لي من أثق فيهم من الأصدقاء بالجامعة أن (خرمتي) لم تكن (خرمة) شيشة وقهوة، بل هي خرمة مخدر، وأن الشيشة والقهوة التي نتناولها (مكسورة) بمواد مخدرة، وتأكدت من ذلك بتناول القهوة والشيشة في مكان غير الذي تعودت الذهاب إليه، وشعرت حينها أن هناك فارقاً كبيراً فعلاً.. صارحت أسرتي بالأمر، وساعدني أهلي وأصدقائي وبقوة إرادتي نجحت في التغلب على (الخرمة)”.
اعترافات
الطالب (م.م) قال: “حكاية إنو في طلاب بتعاطو مخدرات وإنو المخدرات بتتباع داخل الجامعات ده كلام صحيح، والبقول غير كده كذاب”، ويمضي الطالب (م.م) في حديثه لـ (التحرير) أنا شخصياً أتعاطى بعض العقاقير(الأدوية) التي تحتوي على المادة المخدرة، وهي الأفضل بالنسبة إليّ؛ لأنها لا تشكل خطراً في حملها، ويمكن تناولها في أي وقت من دون أن يشك فيك أحد، وهي أيضاً لها مفعول أقوى من غيرها من الأنواع”.
وفي رده على سؤالنا له: لماذا يتناول مثل هذه العقاقير مع معرفته بخطورة ذلك؟ قال: “إننا نتناولها لكي ننسى الكبت النفسي الذي نعيشه”.
اما (س.ف) الطالبة بإحدى الجامعات، فقالت” “قصتي مع المخدرات سببها أزمة أسرية، وكنت دائما أحكي لصديقتي عن مشكلاتي الأسرية تلك، وذات مرة وأنا أحكي لها وكنت أشعر بضيق شديد، قامت صديقتي بوضع (حبة) في يدي، وقالت لي” ( أبلعي الحبة دي وستصبحين على أفضل حال)، وبالفعل قمت باستعمال (الحبة) حسب نصيحة صديقتي، وتكرر هذا السناريو مرات ومرات، وأصبحت أطلب منها (الحبة) وأحيانا تتحجج بأنها ليست لديها الآن، وأصبحت لا أشعر بالراحة إلا بعد استعمال تلك (الحبة)، وبعدها قالت لي أنها ستعطيني كمية منها شريطة أن أقوم بتوزيع كمية مماثلة للطلاب داخل الجامعة، وقالت لي إن توزيع الحبوب على الطلاب سيعود علينا بكسب مالي كبير، وقلت لها: أنا من أسرة ميسورة الحال ولا أحتاج إلى المال، ولكنها استمرت في ملاحقتي، وعندما رفضت عرضها حرمتني من (الحبة)، التي أصبحت أسيرة لها، وحاولت المقاومة ولم أستطع. توسلت إليها أن تمنحني(الحبة) فكانت تارة تتحجج بأنها لا تحمله، وتارة تتمنع، ولم يكن أمامي غير الرضوخ لرغبتها في النهاية وأصبحت مدمنة ومروجة (كمان)”.
الحل السحري عند بائعات الشاي
الأمين طالب جامعي التقيناه في واحدة من جامعات الخرطوم، عندما عرف أننا بصدد الحديث معه عن ظاهرة تعاطي المخدرات وسط طلاب الجامعة، ذكر لنا أن أسمه الأمين ولم يكمل بقية الاسم، ولا ندري إن كان فعلاً هذا هو اسمه أم لا. المهم الأمين لم ينكر وجود الظاهرة وسط الطلاب، وقال: “المرأة هي القاسم المشترك في الترويج”، ويشرح وجهة نظره، بقوله: “إن الترويج يتم أما عن طريق بعض الطالبات أو عن طريق (بائعات الشاي) داخل الجامعات، وقال إن بائعات الشاي سهلن الأمر على الشباب فبدلاً من (المجازفة) وحمل الحبوب في الجيوب أو في الشنط، أصبحت بائعات الشاي يضعن لك الحبوب مع الشاي أو القهوة، وما عليك إلا أن تدفع حساب الشاي والحبة معاً”.
استنكار طلابي
الطالبة الجامعية ريم الخليل أبدت أسفها لتنامي ظاهرة تعاطي المخدرات وسط طلاب الجامعات، وقالت: “للأسف الشديد المخدرات أصبحت (زي شراب الموية، ومرات الموية بتقطع بس المخدرات موجودة)”، وتأسفت على حال الشباب، ودعتهم إلى التركيز في مستقبلهم، والابتعاد عن كل الأشياء التي تدمر عقولهم.
كذلك استنكر الطالب محمد رشيد ظاهرة تعاطي الطلاب للمخدرات، وقال: “يجب على إخوني الطلاب أن يعوا الخطر الناجم عن تناول مثل هذه الأشياء”، وطالب السلطات بتفعيل الأساليب التي من شأنها أن تحد من تنامي هذه الظاهرة.
بلدو يطالب بإعلان حالة طوارىء
استشاري الطب النفسي والعصبي البروفيسور علي بلدو عبّر عن قلقه البالغ من تحول السودان من دولة ممر إلى دولة مستقر للمخدرات. وقال: “إن وقائع الضبطيات للحاويات المخيفة التي يجري الكشف والإعلان عنها تؤكد أننا أصبحنا دولة مستقر لتك المخدرات”، وأشار إلى أن ما الكميات التي تتجاوز الرقابة والضبطيات أضعاف مضاعفة، وأكد بلدو في حديثه لـ (التحرير): “أن جميع أنواع المخدرات من طبيعية وتقليدية ورقمية موجودة بالسودان، وذلك من واقع الحالات المرضية التي تعرض علينا”.
وأبدى أسفه الشديد إلى أن أكثر الفئات التي تقع ضحية للمخدرات هي فئة الشباب، وأرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها: صغر السن، وعدم التجربة، ومرافقة أصدقاء السوء، واضطرابات الشخصية، ومشكلات الهجرة والنزوح، إضافة إلى تزايد الفاقد التربوي، والعطالة، والانفتاح الثقافي، والاستهداف المبرمج للشباب من جهات معينة. وقال: “إنها ترغب في أن يصبح الشباب مخدراً وغائباً عن الوعي”، وشدد البروف علي بلدو على ضرورة تفعيل المحاور الثلاثة للمكافحة، التي تتمثل في: “المنع، والعلاج، والفوبيا”، وطالب بإعلان حالة الطوارئ فيما يخص المخدرات.
مسؤولية الأسرة
الباحثة الإجتماعية خالدة أحمد أرجعت أسباب انتشار المخدرات وسط الطلاب إلى عدة أسباب، أبرزها: التأثر بالعوامل الخارجية، وانجراف الشباب وراء ما يدور في المسلسلات والأفلام، بجانب سهولة الحصول عليها من دون أي عناء لكثرة المروجين، والتجار، وأصحاب السوء.
وحملت خالدة في حديثها لـ (التحرير) الأسر المسؤولية الأكبر، بسبب ضعف الرقابة والمتابعة، إضافة إلى التفكك الأسري بسبب هجر الزوج للزوجة، أو انفصالهما، أو بسبب ابتعاد الاثنين معاً عن أبنائهما؛ لظروف العمل، والبحث عن لقمة العيش.
وأشارت إلى أن منح الأسر الأبناء مصاريف أكثر من حاجتهم تجعلهم يصرفونها في أي شئ من دون أي تفكير؛ لذلك نجد أن غالبية المتعاطين هم أبناء الأسر ذات الوضع الاجتماعي والاقتصادي الجيد أو الميسور، وطالبت الجهات المعنية بتكثيف جهودها، والنظر إلى الأمر بعين فاحصة، إضافة إلى وضع عقوبات رادعة: حتى يصبح الطالب عبرة لزملائه، ولكل من تسول له نفسه بالتعاطي أو المتاجرة أو الترويج، ودعت الأسر إلى مراقبة أبنائهم، والتقرب منهم.
رئيس اتحاد الطلاب ينفي علاقتها بالوضع الاقتصادي
رئيس الاتحاد العام للطلاب السودانيين مصعب محمد عثمان أقر أن المخدرات أصبحت تشكل هاجساً كبيراً للبلاد ككل، وأوضح أن دورهم في اتحاد الطلاب يتمركز في التوعية عبر الاتحادات والمنظمات، وأشار إلى أن هناك من يربط ظاهرة المخدرات بالواقع الاقتصادي، وقال: “إن هذا غير صحيح؛ لأن هناك أشخاصاً على مستوى اقتصادي رفيع يتعاطون المخدرات”، وأضاف أنهم في الاتحاد يعملون على ملٌ أوقات الفراغ لدى الطلاب بالنشاطات الثقافية والاجتماعية، ودعا الطلاب والأسر إلى المشاركة في محاربة المخدرات.
تشكيك في الإحصاءات
شكك عميد شؤون الطلاب بجامعة بحري البروفيسور النور عبد الرحمن في الإحصاءات المتداولة حول نسبة تعاطي الطلاب المخدرات، وقال: “إنها غير حقيقية”، وأشار إلى أنهم في عمادة الطلاب درجوا على الاهتمام بالظاهرة، ودراسة أبعادها وتداعياتها، وإيجاد الحلول لها، وطالب الجامعات باستضافة محاضرين من الخارج بمختلف تخصصاتهم الطبية والدينية للتوعية بمخاطر المخدرات.
نظرية المؤامرة حاضرة
في حديثه فيه تأكيد لصحة نظرية المؤامرة، قال المدير التنفيذي للجنة القومية لمكافحة المخدرات العميد شرطة حقوقي د.إبراهيم التيجاني”إن هنالك استهدافاً واضحاً للبلاد من شبكات الترويج، وبعض الدول المعادية للسودان تستغل تلك الشبكات؛ لتنفيذ أغراضها الإجرامية، وتستهدف في المقام الأول شريحة الشباب خصوصاً أن المروج شخص قريب من الضحية”.