في ذكرى رحيل الإمام الصادق المهدي “الفراغ القيادي والسياسي”

في ذكرى رحيل الإمام الصادق المهدي “الفراغ القيادي والسياسي”
  • 26 نوفمبر 2024
  • لا توجد تعليقات

د. حسين عمر عثمان

في الذكرى الرابعة لرحيل الإمام الصادق المهدي، تبرز العديد من الأسئلة حول الفراغ السياسي والقيادي على الساحة السياسية السودانية بشكل عام، وحزب الأمة القومي على نحو خاص، الذي قاده المهدي لعقود طويلة. ملأ الساحة السياسية والفكرية ليس فقط على المستوى الداخلي فحسب، بل كان له مساهمات خارج حدود الوطن، ليصبح أحد الأعمدة الأساسية في الحياة السياسية السودانية. بعد وفاته، ظهر الفراغ في المبادرات والمساهمات الفكرية والسياسية، خاصة بالحزب الذي يعاني من فراغ قيادي كبير، لاسيما في ظل الأوضاع الاستثنائية التي يمر بها السودان اليوم. وما زالت الأمور غامضة وتحمل في طياتها احتمالات متعددة قد تفضي إلى تغييرات جذرية في المشهد السياسي السوداني. حيث يلاحظ الجميع أن الفراغ السياسي يزداد في وقت أصبحت فيه الساحة السياسية خالية من المبادرات الجادة للخروج من الأزمة. أما في حزب الأمة، يتجسد هذا الفراغ في غياب العمل المؤسسي والجماعي الذي كان يمكن أن يكون بديلاً لسد هذا الفراغ. حيث تفشت الانقسامات داخل الحزب والانحرافات عن مساراته ومواقفه الوطنية المعروفة والمشهودة، مما أثر بشكل كبير على قوته وفاعليته السياسية وأدواره القيادية في البلاد، ومكانته على الساحة السياسية.”غياب العمل المؤسسي والجماعي” منذ رحيل المهدي، يواجه حزب الأمة القومي أزمة حقيقية في غياب العمل المؤسسي، حيث تراجع العمل الجماعي بين قياداته وأصبح كل عضو يتصرف منفردًا، مما خلق حالة من التشويش السياسي داخل الحزب وخارجه. هذا الضعف المؤسسي أسهم بشكل مباشر في تزايد الانقسامات والاصطفاف بين أعضاء الحزب الذين كانوا في وقت سابق يتوحدون تحت قيادة واحدة ورؤية مشتركة غياب العمل الجماعي دفع العديد من أعضاء الحزب إلى تباين المواقف، فغابت الرؤية الاستراتيجية الواضحة لمواجهة التحديات السياسية الراهنة. “تعطل المؤسسات وزيادة الانقسامات” في الفترة التي تلت رحيل المهدي، تعطلت المؤسسات القيادية في الحزب. فالمؤسسات التي كانت ذات دور محوري في إدارة شؤون الحزب باتت عاجزة عن تلبية متطلبات المرحلة، مما أدى إلى اتساع رقعة الانقسامات. وباتت هذه الانقسامات تُهدد وحدة الحزب وتماسكه، في وقت حساس يتطلب فيه الجميع تكاتف الجهود لمواجهة والتحديات السياسية التي يمر بها السودان. وهذا الوضع يعكس أزمة هيكلية قيادية في الحزب، والتي لا يمكن تجاوزها إلا بتعزيز دور المؤسسات القيادية وتنظيم العمل الحزبي والقيادة الجماعية والمواقف الوطنية الواضحة، وأهمها الوقوف مع الشعب السوداني وفق المبادئ الوطنية التي تحافظ على تماسك المجتمعات وتساهم في تقدم البلدان. من أبرز هذه المبادئ: (وحدة السودان، سيادة الدولة، الاستقلالية وعدم التدخل الأجنبي في الشأن السوداني، إدانة الانتهاكات، الوحدة والسلام، محاربة خطاب الكراهية، الانتماء الوطني وسيادة حكم القانون. “غياب القدوة والحكمة والمبادرات” رحيل الصادق المهدي خلف فراغًا كبيرًا في مجال القيادة السياسية بالبلاد وداخل الحزب. فكان الإمام الصادق المهدي يُعتبر نموذجًا للقدوة السياسية والحكمة التي تجمع حولها مختلف أطياف السياسية السودانية. وكانت له مكانة محترمة على المستوى الإقليمي والدولي. غيابه أفقد السودان والحزب شخصية قيادية قادرة على تقديم المبادرات والتوجيهات السديدة في هذه الظروف الصعبة، وأدى ذلك إلى غياب القدرة على اتخاذ القرارات السياسية الحكيمة التي كانت تميز الحزب في فترات سابقة. مما يعكس حاجة الحزب إلى قيادات قادرة على تقديم رؤية واضحة، وقادرة على توحيد الصف الوطني. أما الوضع الحالي للحزب، فلا يقدم أي مساهمة فعالة في الأزمة الراهنة في ظل هذا الفراغ القيادي والسياسي. فقد غابت عن الساحة السياسية أي مبادرة سياسية مؤثرة من حزب الأمة القومي، الذي كان في الماضي يُعتبر لاعبًا أساسيًا في تشكيل الأحداث السياسية في السودان. فبدون رؤية سياسية واضحة منحازة للشعب، أصبح الحزب في موقف دفاعي، ولا يطرح المبادرات التي يمكن أن تسهم في تحقيق الاستقرار السياسي. في الوقت الذي تزداد فيه الحاجة إلى مبادرات شجاعة للتعامل مع التحديات الكبرى التي تواجه البلاد.”الانحراف عن مبادئ الحزب وغياب المسؤولية الوطنية والأخلاقية” لم يقتصر تأثير الفراغ القيادي على غياب المبادرات السياسية فحسب، بل تعداه إلى الانحراف عن مبادئ الحزب الأساسية. حزب الأمة القومي، الذي كان في وقت من الأوقات رمزًا للمواقف الوطنية الرشيدة والتوجهات الديمقراطية، بدأ في الابتعاد عن هذه المبادئ، وأصبح يعاني من تباين شديد في المواقف بين قياداته وأعضائه. وهذا التحول يعكس تفككًا في بنية الحزب وإضعافًا لقدرته على التفاعل مع تطورات الواقع السوداني. مع تصاعد حدة الأزمات السياسية والاجتماعية في السودان، أصبح من الواضح أن الحزب يفتقد إلى المسؤولية الوطنية والأخلاقية التي كان يمثلها الإمام الصادق المهدي. فغياب القيادة الحكيمة التي كانت توازن بين مصلحة الحزب ومصلحة الوطن. وهذا يفرض على الحزب إعادة التفكير في دوره الوطني والأخلاقي والمسؤولية الوطنية، والبحث عن سُبل لاستعادة مكانته وتأثيره في الحياة السياسية السودانية. ان الفراغ القيادي والسياسي الذي يعاني منه حزب الأمة القومي بعد رحيل الإمام الصادق المهدي يستدعي مراجعة جادة للواقع الوطني والتنظيمي والسياسي داخل الحزب. إن الحزب يحتاج إلى إعادة بناء مؤسساته القيادية، وتعزيز التعاون والعمل الجماعي بين أعضائه، بالإضافة إلى ضرورة تقديم مبادرات سياسية جديدة سودانية خالصة تواكب تطورات الواقع السوداني وتكون نابعة من الشارع السوداني. كما يجب أن يتم التركيز على بناء قيادات قادرة على تحمل المسؤوليات، بما يضمن استمرارية الحزب كفاعل رئيسي في الحياة السياسية السودانية.، وألا سيُحاسب الحزب ويُعاقب سياسيًا على تقاعسه ومواقفه حول الأزمة الراهنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*