كيف تنتهي حرب السودان

كيف تنتهي حرب السودان
  • 06 يناير 2025
  • لا توجد تعليقات

محجوب الخليفة

▪️ الحروب، وإن بدا أنها تُحسم بالبندقية، لا تنتهي حقيقةً إلا بمزيج دقيق من الخيارات السياسية والعسكرية والاقتصادية، تتطلب جميعها إرادة حقيقية وسعياً صادقاً نحو السلام. في السودان، الذي يعيش إحدى أكثر الحروب تعقيداً في تاريخه الحديث، تتداخل الأطراف الداخلية والخارجية في مشهد دموي يستنزف كل شيء. لذا، يبقى السؤال: كيف يمكن إنهاء هذه الحرب المدمرة؟
▪️التفاوض يظل الخيار الأكثر منطقيةً وأقل كلفة مقارنة بغيره من السيناريوهات. فالتاريخ أثبت أن الحروب التي تنتهي على طاولات الحوار تدوم نتائجها أكثر من تلك التي تُفرض بقوة السلاح. لكن نجاح التفاوض مشروط بتوفر إرادة سياسية حقيقية لدى الأطراف المتنازعة. هذه الإرادة تبدو غائبة في السودان، حيث تحكم الصراع حسابات معقدة من الأطماع الشخصية والإقليمية، ناهيك عن غياب الثقة المتبادل بين الأطراف.
▪️أما الحسم العسكري، فرغم كونه الحل الذي قد تطمح إليه الأطراف الأقوى، فإنه خيار مكلف للغاية. فالتجارب تشير إلى أن الحروب التي تُحسم عسكرياً لا تترك سوى وطن ممزق، وسلام هش مبني على الأنقاض، يغذيه الانتقام والكراهية. في السودان، الحسم العسكري يبدو غير ممكن على المدى القريب، في ظل التعادل النسبي في مصادر القوة بين المتنازعين، والتدخلات الخارجية التي تمد الجميع بما يكفي لاستمرار القتال.
▪️من جانب آخر، تجفيف مصادر السلاح يمكن أن يشكل خطوة جادة لإنهاء الصراع، لكنه يواجه تحديات كبيرة. السودان ساحة مفتوحة لتجارة السلاح غير المشروعة، وتتحكم قوى دولية وإقليمية في هذه التجارة، مدفوعة بمصالح اقتصادية أو استراتيجية. لذلك، أي جهد لتجفيف منابع السلاح يتطلب إرادة دولية صارمة وآليات مراقبة فعالة على الحدود والموانئ، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل ضعف الدولة المركزية في السودان وغياب الإجماع الدولي.
▪️الوساطة الدولية والإقليمية تبدو المسار الأكثر واقعية في هذه المرحلة، إذ توفر منصة محايدة تجمع الأطراف المتنازعة على طاولة واحدة. لكن نجاح الوساطة يعتمد على عاملين أساسيين: أولاً، نزاهة الوسيط ومدى قدرته على كسب ثقة الجميع، وثانياً، استعداد الدول الداعمة للمليشيات أو الحكومة المركزية للضغط على حلفائها لوقف التصعيد. في الحالة السودانية، تقف دول إقليمية ودولية في قلب المشهد، بعضها يلعب أدواراً معلنة في دعم أحد الأطراف، بينما يفضل البعض الآخر التحرك من خلف الستار. قبول هذه الدول بالوساطة وضمان التزامها بالحل قد يشكل خطوة حاسمة نحو إنهاء النزاع.
▪️لكن حتى مع توفر الحلول السياسية والعسكرية، يظل أكبر تحدٍ هو بناء سلام دائم في بلد عانى لعقود من النزاعات والحروب. الحرب في السودان ليست مجرد صراع على السلطة، بل هي انعكاس لخلل عميق في بنية الدولة، وتهميش سياسي واقتصادي استمر لعقود طويلة. لذلك، أي حل يجب أن يتجاوز إنهاء القتال إلى معالجة الجذور الحقيقية للصراع، بما في ذلك بناء مؤسسات دولة قوية، وتحقيق العدالة، وضمان مشاركة جميع الأطراف في العملية السياسية.
▪️الحرب لا تنتهي حين تسكت البنادق، بل حين تُشفى جراح الوطن، وحين يدرك الجميع أن لا منتصر في صراع دمر البلاد واستنزف الشعب. السودان بحاجة إلى سلام حقيقي، سلام يقوم على المصالحة، العدالة، والتنمية. وحتى يحدث ذلك، ستظل معاناة هذا الشعب العظيم شاهداً على غياب الحكمة في زمن يحتاج إلى قادة بحجم الوطن، لا بحجم مصالحهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*