أنا و الكواكب الأربعة عشر

طرقت باب الصحافة خطاطا قبل أن أكون صحفيا بعد تخرجي من كلية الآداب، جامعة الخرطوم و هذه حقيقة يجهلها الكثيرون عني، حتى الكواكب أنفسهم….
كنت محبا للصحافة منذ صغري حيث انخرطت و أنا تلميذ أكتب في الصحف الحائطية و ترأست في فترة الثانوية هيئة تحرير صحيفة اتحاد الشباب بالبحوث (التجارب) الحائطية التي كانت تصدر في نادي العمال الثقافي الرياضي بل كنت أصدر صحيفة حائطية منزلية …
لما أغلقت جامعة الخرطوم بسبب المظاهرات و الاضطرابات إبان ثورة مايو التحقت بالمكتب الفني لصحيفة الصحافة خطاطا لقسم الإعلانات …
و لما فتح باب التقديم لوظائف الصحفيين الجامعيين تقدمت بطلبي و في المعاينة اصطحبت معي نسخا من كل أعمالي الصحفية المنشورة وأنا طالب بالمرحلة الثانوية في العديد من الصحف….وفي اليوم الثالث عشر من فبراير في العام ١٩٧٥ تم توظيف الأربعة عشر كوكبا حسب قرار رئيس مجلس إدارة صحيفة الصحافة… الراحل دكتور جعفر محمد علي بخيت الذي أخضعنا لبرنامج تدريب لم يستمر سوى شهر واحد و تم إلغائه بعد أن تبين له أننا لسنا في حاجة إليه…
كانت أمامي آنذاك إثر تخرجي العديد من الوظائف الإدارية من ضمنها سكرتير ثالث بوزارة الخارجية و هي وظيفة قد تنتهي بك في تدرجها إلى منصب سفير كما فعلت ببعض زملاء الدراسة أمثال سعادة السفير الزميل الخضر هارون أحمد (واشنطن) و السفير عبد المحمود نور الدائم (القاهرة) و السفير سليمان محمد مصطفى (باريس)…
بحمد الله تم اختياري للعمل ضمن الكواكب الأربعة عشر في جريدة الصحافة بعد اجتيازي للمعاينتين لاختيار ١٤ صحفيا من ٢٥٥ خريجا جامعيا تقدموا للالتحاق لجريدة الصحافة…
عملت خلال فترة عملي بالصحافة التي امتدت حتى منتصف مايو من العام ١٩٧٩ محررا في عدة أقسام من ضمنها سكرتارية التحرير التنفيذية و قسم الأخبار الداخلية و آخرها نائب رئيس قسم البحوث والمعلومات ..
ولقد عاصرت كثيرا من الصحفين المخضرمين على سبيل المثال لا الحصر الأساتذة شيخ إدريس بركات و توفيق صالح و زين العابدين أبو حاج و عبد الله جلاب و عينت عضوا في لجنة النصوص التي كنت أصغر عضو فيها و كانت تضم جهابذة اللغة العربية مثل الأساتذة محمد صالح فهمي مدير الإذاعة الأسبق و منير صالح عبد القادر و الشاعر مختار محمد مختار و القاص عثمان علي نور..
كما عاصرت وعملت تحت إدارة العديد من رؤساء هيئة التحرير ورؤساء مجلس الإدارة في عهد الدكتور جعفر محمد علي بخيت و الأساتذة موسى المبارك الحسن و دكتور منصور خالد ثم بروفيسور عون الشريف قاسم (أستاذي بكلية الآداب بجامعة الخرطوم) و الأستاذ جعفر أبو حاج الذي على يده تمت ترقيته إلى منصب مدير مكتب رئيس التحرير للشؤون الإدارية و الصحفية و لكني اعتذرت عن الشؤون الإدارية و اقتصر عملي على الشؤون الصحفية و تم تعيين زميل آخر للشؤون الإدارية….
و كانت فترة عملي بالصحافة من أمتع الفترات حيث أسندت لي مهام صحفية كبيرة كان من ضمنها و أنا يافع صحفيا تغطية الحدث العالمي الكبير الذي تمثل في المسيرة الخضراء في الشقيقة المغرب في أكتوبر من العام ١٩٧٥ بعد ثمانية أشهر من التحاقي بالصحافة..
و كلفت كمندوب للصحافة لمرافقة السيد أبو القاسم محمد إبراهيم وزير الزراعة في رحلته (إبان العهد المايوي) التي تفقد فيها أقسام مشروع الجزيرة..
وكلفت بإجراء لقاء صحفي مع مدير الشركة الأمريكية التي أنجزت تشييد خط أنابيب البترول من بورتسودان إلى الخرطوم….
و كلفت بمرافقة رئيس الجمهورية جعفر نميري خلال رحلته التفقدية في أربعة من الدول الأفريقية (كينيا،يوغندا,تنزانيا، زامبيا) بوصفه رئيسا لمنظمة الوحدة الأفريقية….
كانت أيام عملي بجريدة الصحافة حافلة بالنشاط و الأعمال الصحفية لأنني عشقت العمل الصحفي و كان لا يمر يوم إلا وقد نشر لي مقال أو تحقيق صحفي أو استراحة و خلال فترة عملي انتدبت في دورة تدريب صحفية بجمهورية مصر العربية برفقة الزميل المصمم الصحفي المبدع عبد الحميد ميرغني رافقني فيها من صحيفة الأيام الزميل الراحل الأستاذ محي الدين تيتاوي و المصمم الصحفي السر الخزين و عزيز من مجلة الشباب…
التحية والتقدير والاحترام للجنود المجهولين خلف الأضواء الذين يقفون وراء إخراج الصحيفة بالشكل و الأسلوب الفني الأنيق للقراء من مصممين و خطاطين و مصححين و مصورين …
وفي القسم الفني على سبيل المثال أذكر الزملاء الفنانين المصممين سليمان عبد القادر، عبد الحميد ميرغني ، وراق، عبد المنعم خضر و عثمان أبكر و هاشم كاروري و من الخطاطين كندورة، جاهوري، قاسم سيد أحمد و الزبير وفي التصوير الفوتوغرافي الزميل علي عبد الرحيم و محمد زين و كرار أحمد كرار …
نترحم على أرواح من انتقل إلى رحمة الله ونسأل الله أن يطيل أعمار من بقي على قيد الحياة في طاعته و رضاه و بالله التوفيق….