شكرا {قاقا} لأنك ما زلت حيا” بيننا..!!

وكن في الطريق عفيف الخطى
شريف السماع كريم النظر
وكن رجلا” إن أتوا بعده
يقولون مر” وهذا الأثر
هكذا مر الأسطورة علي قاقارين وكان الأثر. إثر رياضي وثقافي وأخلاقي.. مثالا للرياضي كما ينبغي.. و(هذا الأثر)
نحن أبناء الريف البعيد الموغل في بعده عن المدينة. عشقنا كرة القدم من خلال الهلال العظيم، ونجومه مثل جكساوقاقارين وصديق منزول والدحيش وغيرهم.
كانت الإذاعة تلعب دورها في صناعة الوعي الرياضي والثقافي والاجتماعي، وفي كافة المجالات وكانت نافذتنا على العالم من حولنا.
أول ما تفتقت أذهاننا، كنا نتداول سيرة البرازيل بطلة العالم وسحرتها في كرة القدم، وفي السودان لدينا أساطير موازية تمثلت لنا في قاقا وجكسا، وصديق منزول حيث كان الكبار ينسجون لنا روايات حول أساطير الهلال. وكنا على سبيل المثال نعتقد في صحة رواية تقول أن صديق منزول لديه قدم يسرى فولاذية وكيف أن أحد حراس المرمى راح ضحية له وهو يحاول التصدي لضربة له من خارج خط ١٨.
تقدمنا قليلا في نضجنا الرياضي وأصبحنا نتابع مباريات الهلال والمريخ عبر المذياع. أحدهم قال لي إن الكرة الأرضية التي يلعبها الدحيش تقص نجيلة الميدان ولا يمكن لأي حارس مرمى التصدي لها.
أول ما حطت قدماي في الخرطوم كانت في اليوم التالي لانتصار الهلال على المريخ ٢/صفر بأقدام محمد حسين كسلا وفتاح.
كانت الصحف تقدم لنا صور اللاعبين وتحليل عن انتصار الهلال على المريخ رغم امتلاك الأخير أسلحة كروية فتاكة بقيادة كمال عبد الوهاب والفاضل سانتو وغيرهما. كانت الكرة السودانية في عصر قاقا وهؤلاء في المقدمة عربيا وأفريقيا.
تركنا محمد حسين كسلا بعد ذلك، وهاجر إلى الاتحاد السوفياتي لدراسة الطب. ولم نعد نسمع بعد ذلك عن فتاح، وحتى اللحظة لا أعرف عنه شيئا.
رويدا رويدا، تعمقنا في عشق الهلال وكان قاقا والدحيش نجوم الساحة .. أذكر هاتريك الدحيش والانتصار على المريخ ٤ مقابل هدفين.. اختفي جكسا كما اعتقد لاصابته بعد أولمبياد مونتريال وبقت تلك الصورة المقصية خالدة تتحدى كل إبداعات الموهوبين في العالم من بعده حتى اليوم. وحتى لمحات إمبابي وقفزات رونالدو تتقازم أمام مقصية جكسا التاريخية.
أما الرمح الملتهب علي قاقارين فصورته ترتبط بكاسات الذهب وكأس أفريقيا. ولكن صولاته وجولاته في المواجهات الدولية الكبرى تظل خالدة في ذهني كقادم من الريف إلى ضجيج المدينة.
أذكر مباراة السودان ومصر في عز مجدها الكروي بقيادة الخطيب في استاد القاهرة.. وطبعا من خلال المذياع…وعند حصول السودان على ضربة ركنية سمعت كابتن لطيف وهو يصرخ يا خبر أبيض ضربة ركنية للسودان ..
خلو بالكم من الراقل دا، ويقصد علي قاقرين واصفا إياه بأنه يحمل عصارة الكرة السودانية في قدميه..لعبت الضربة وتصدى لها على ما يبدو قاقا برأسه لأن كابتن لطيف كان يصرخ يا خبر أسود ..
وقال عملها الراقل
انتهت المباراة بالتعادل هدف لكل فريق وفي السودان أحرز على قاقارين أيضا هدف الفوز وبذلك أقصى مصر من المنافسة.
علي قاقارين تشهد له والدحيش، كاسات الذهب.. أذكر بعد فوز الهلال بكأس الذهب الأولى كان التنافس على الكأس الثانية.. وحتى الدقيقة ٤٢ من الشوط الثاني كان المريخ متقدما بهدف. ثم فجأة يتقدم علي قاقارين نحو المرمى، ولم يجد سليمان عبد القادر طريقة سوى إعاقته، متسببا في ضربة جزاء، عادل من خلالها قاقا النتيجة ثم كان الاحتكام لضربات الجزاء ليفوز الهلال بكأس الذهب الثانية لتنشد الجماهير ذلك اللحن الخالد
هلالنا صعب كاساته دهب
شاهدت الرمح الملتهب في الميدان مرتين الأولى في مباراة العودة مع تونس أيام طارق ذياب والعقربي وبن عزيزة والحارس الشهير عتوكة. معلوم أن مباراة الذهاب انتهت ٢/٣ في تونس. والعجيب أن الشوط الأول في تلك المباراة انتهى ٣ صفر ولكن انتفاضة منتخبنا السوداني في الشوط الثاني بقيادة قاقا قلبت الطاولة على التوانسة وكان للرمح الملتهب منهما هدف بضربة راسية.
ذهبنا إلى ستاد الخرطوم في مباراة الإياب تحفنا الدهشة نحن مجموعة من أبناء الريف تجاه الاستاد بجماله والحضور الانيق للجمهور..
منتخب عجيب ضم اليه بشير عباس من الموردة وبشرى وهبة من المريخ وآخرين… لكن طارق ذياب الذي تجده في كل مكان في الميدان كاد أن يفسد علينا فرحتنا قبل أن يسجل علي قاقارين الهدف الحاسم. ونشرت الصحف صورة للكابتن في اليوم التالي للمباراة، وهو يسجل الهدف مصحوبا بتعليق:
(بيجاي ولا بيجاي….).
الماتش الآخر كانت المباراة التي انتصر فيها الهلال على المريخ وبعدها ألغى جعفر نميري الأندية وقدم بديل أسماه الرياضة الجماهيرية التي ما زال السودان يدفع فاتورتها حتى الآن. أذكر أن الكابتن قاقارين سأل أحد الجالسين طرف الميدان والمباراة تلفظ أنفاسها الأخيرة عن الدقائق المتبقية من المباراة، وبعدها بثواني أحرز هدف الفوز الذي أغضب الريس نميري.
تلك هي المرات التي حضرت فيها قاقا لاعبا على أرض الميدان…
على قاقارين أيقونة الكرة السودانية والنجم الذي جمع بين نجومية الملعب ونجومية الأخلاق والتفوق الأكاديمي.. مقدما الدليل أن لعبة كرة القدم لا تقف حجرة عثرة لمن أراد النجاح في مجالات أخرى.. فقد كان قاقا ضمن قلايل يمارسون كرة القدم بأخلاق.. المدهش أنه كان يلعب بشكل أفضل مع المنتخب الذي قدم له عصارة الكرة السودانية كما قال كابتن لطيف..
رحم الله الدكتور علي قاقارين أنشودة الزمن الكروي الجميل
نحن أبناء الريف سابقا، مدينون له ولجكسا وكسلا ومعهم الدحيش ونجوم الهلال العظيم بالفضل في عشقنا لكرة …حتى إنه لا تبهرنا أندية العالم الحالية، فنحن نؤمن أن بلادنا غنية بالمواهب في كافة المجالات ويمكننا أن نكون الأفضل في كل شيء فقط لو آمنا بقدراتنا وتركنا عشوائيتنا ورتبنا أولوياتنا..
أقول لكل من أراد النجاح
تعلموا من قاقا فأثره ما زال باقيا على الأرض وقد ترك للأجيال القادمة كل ما يمكن الاعتماد عليه…في قاموسه الرياضة احترام للآخر وأخلاق .. ولا رياضة بدونهما
إلى جنات الخلد أيها الخالد فينا ما حيينا…