العقل المأزوم والمتصلب بين استدامة الحرب والحل السياسي

المتتبع الحصيف لمسار الحرب في السودان يستطيع بسهولة تمييز “عقل الأزمة” و”العقل المتصلب” اللذين يقودان هذه الحرب على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
العقل المأزوم وعقل الأزمة
يشير مصطلح العقل المأزوم إلى مجموعة من التصورات والأنماط الفكرية التي تظهر في أوقات الأزمات، حيث يتسم بالتركيز على الحلول السريعة والآنية مع تجاهل الحلول المستدامة. وغالبًا ما يؤدي هذا النمط إلى قرارات غير مدروسة ناتجة عن الضغوط الشديدة والابتزاز السياسي أو العسكري. قد يتجلى هذا العقل في ردود الفعل المبالغ فيها أو اتخاذ قرارات قسرية دون النظر إلى العواقب بعيدة المدى.
أما عقل الأزمة، فيعبر عن طريقة التفكير أثناء الأزمات والحروب، ويتسم بعدة سمات، منها:
التركيز على الحلول الفورية بدافع الاستجابة العاطفية.
اتخاذ قرارات تحت الضغط، ما قد يؤدي إلى أخطاء كارثية.
التكيف والمرونة من خلال تعديل الخطط وفقًا للظروف المتغيرة.
التواصل المكثف، حيث يصبح تدفق المعلومات أمرًا بالغ الأهمية، سواء كان ذلك لصالح الحقيقة أو التضليل الإعلامي.
تحليل عقل الأزمة الحربي
يمكن تحليل التفكير الداعم لاستمرار الحرب من خلال عدة مؤشرات نفسية، اجتماعية، وسياسية:
- الأيديولوجيات المتطرفة: بعض الجماعات تتبنى أفكارًا تدعو للعنف وفرض السيطرة بالقوة، وهذا يظهر بوضوح في سلوك الجماعات الداعمة لاستمرار الحرب في السودان.
- التهديدات المتصورة أو الحقيقية: بعض الأنظمة ترى الحرب وسيلة للدفاع عن النفس أو لحماية مصالحها الاستراتيجية.
- تعزيز السلطة وفرض الهيمنة: هناك اعتقاد لدى بعض القادة بأن الحرب هي الطريق لتحقيق النفوذ السياسي.
- وسائل الإعلام كأداة تحريضية: تلعب وسائل الإعلام دورًا في تغذية النزعة الحربية من خلال التحريض والتشويه ونشر المعلومات المضللة.
- التنافس على الموارد والامتيازات: يسعى بعض الأطراف إلى استغلال الحرب لتحقيق مكاسب اقتصادية مباشرة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي.
- النرجسية السياسية: بعض القادة أسيرون لنزعاتهم السلطوية، حيث يعتقدون أن لهم الحق في فرض أجنداتهم على الشعوب.
- الخوف من المحاسبة: القادة المتورطون في الفساد أو الجرائم ضد الإنسانية قد يرون في استمرار الحرب وسيلة لحماية أنفسهم من المساءلة القانونية.
- التلاعب بالهوية الوطنية: تضخيم نظرية المؤامرة واستغلال العاطفة الوطنية يدفع الجماهير لدعم الحرب دون إدراك لحقيقتها وأهدافها الخفية.
- غياب المؤسسات الديمقراطية: يؤدي إلى انحصار صناعة القرار في دوائر ضيقة، ما يعزز ثقافة التقديس والإرهاب الفكري والسياسي.
كيف يدير العقل المأزوم والمتصلب الأزمة؟ وما هو المخرج؟
في سياق حرب معقدة مثل الحرب في السودان، حيث تتداخل العوامل التاريخية والجغرافية والعرقية والمصالح الإقليمية، يصبح اتخاذ قرارات رشيدة أكثر صعوبة. ويتعامل العقل المأزوم مع الأزمة بطرق عدة، منها:
التصرف بتهور وعاطفية: اتخاذ قرارات غير مدروسة تؤدي إلى تصعيد عسكري أو فشل في تحقيق حلول سياسية.
الخوف من فقدان السلطة: يدفع القادة إلى تبني الحلول العسكرية بدلاً من المسارات التفاوضية.
التضارب بين الأهداف والموارد: يؤدي إلى تبني استراتيجيات غير واقعية قد تزيد من تعقيد الأزمة.
التركيز على مصالح النخب: بدلاً من النظر إلى مصلحة المجتمع ككل، يتمحور التفكير حول خدمة فئات محددة.
الحل السياسي كمخرج من دوامة الحرب
الحرب تؤدي إلى تفاقم الأزمات الأمنية والسياسية والاجتماعية، وتعميق الانقسامات، وزيادة معاناة الشعب. لذا، فإن الحل يكمن في الحوار والمفاوضات، وليس في الاستمرار في الصراع المسلح. فكلما طال أمد الحرب، زادت التعقيدات، وأصبحت احتمالات ظهور نزاعات جديدة أكثر واقعية، ما يؤدي إلى حروب متناسلة ومتعددة الأشكال.
من الأفضل للسودانيين أن يسعوا لتحقيق الاستقرار عبر الحلول السياسية التي تضمن حقوق الجميع وتؤسس لدولة تقوم على مبادئ العدالة الاجتماعية، والمساواة، والسلام، والمواطنة المتساوية. هذا المخرج محفوف بالتحديات السياسية والعسكرية، لكنه ليس مستحيلًا إذا توفرت الإرادة الوطنية المستقلة.