التحدي أمام السودان: التعامل مع العامل الخارجي في الصراع

يواجه السودان اليوم أزمة معقدة ومستمرة لم تعد تقتصر على الصراع الداخلي بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بل أصبح العامل الخارجي أحد أكثر العوامل تأثيرًا في الصراع. فمنذ اندلاع النزاع، برزت التدخلات الخارجية بوضوح، سواء من خلال دعم أحد أطراف الحرب، أو اختراق الكيانات السياسية، أو محاصرة السودان عبر دول الجوار، أو التحريض ضد الدولة عبر الوسائل المختلفة. هذه العوامل زادت من تعقيد الأزمة وأسهمت في استمرارها، مما جعلها تحديًا كبيرًا أمام السودانيين للخروج من هذا الصراع العنيف والمدمر نحو تحقيق الاستقرار والسلام. أحد أبرز أشكال التدخل الخارجي يتمثل في تقديم دعم عسكري ولوجستي غير محدود ، حيث تقوم احدى الدول بتسليح وتمويل احد الاطراف بكافة أشكال الدعم. ولم يقتصر على الأسلحة فقط، بل شمل أيضًا الدعم السياسي والدبلوماسي والمالي والإعلامي، ما منح بعض الأطراف إحساسًا بالقوة و محاولة تشكيل حكومة موازية. في الوقت الذي كان من الممكن أن تكون هناك مبادرات سلام حقيقية لو كان الصراع داخليًا “بشكل حصري” ، أدت هذه التدخلات الخارجية إلى تفاقم الأزمة، وتعميق الاستقطاب السياسي والعسكري، وزيادة الانقسام داخل المجتمع، كما تعرضت بعض الكيانات السياسية السودانية لاختراقات جعلت العديد من الأحزاب والتيارات تدافع عن أجندات خارجية دون ادراك للأبعاد الخطيرة على مستقبل ووحدة البلاد . فقد استخدمت بعض الدول نفوذها لدعم شخصيات وأحزاب سياسية ربما من خلال المال والتوجيه السياسي، مما أدى إلى إضعاف المشهد السياسي السوداني وإفشال محاولات التوافق الوطني، وأصبح الانقسام هو العنوان الأبرز حتى داخل الحزب الواحد، وتم استغلال بعض الدول المجاورة كورقة ضغط على السودان، حيث سهلت هذه الدول مرور الأسلحة، ووفرت ملاذات آمنة لأحد أطراف الحرب، مما أسهم في تعقيد المشهد الأمني وإضعاف فرص الحل السلمي. إلى جانب ذلك، لعب الإعلام دورًا كبيراً في الصراع، حيث استخدمت بعض الجهات الخارجية منصات إعلامية لشن حملات مكثفة تستهدف تشويه صورة السودان، والعمل على إضعاف ثقة المجتمع الدولي في مؤسسات الدولة. على سبيل المثال، تم الترويج لمصطلحات مثل “حكومة بورتسودان” في محاولة للتقليل من شرعية الحكومة الحالية، و زياد من حالة الانقسام الداخلي بين مكونات المجتمع السوداني، و تعميق الخلافات السياسية والاجتماعية. في ظل هذه التحديات، يبرز سؤال جوهري: كيف يمكن للسودان التعامل مع هذا الواقع المعقد؟ إن الحل يكمن في تبني استراتيجية وطنية واضحة تهدف إلى تحصين البلاد ضد التدخلات الخارجية ومحاولات تقسيمها. ويكون ذلك من خلال بناء وحدة وطنية متماسكة بين القوى السياسية و القوى العسكرية، بعيدًا عن الانقسامات التي يستغلها الخارج لتعميق الأزمة. كما يتطلب الأمر تعزيز الدبلوماسية السودانية على المستويين الإقليمي والدولي، والانخراط الفاعل في المنظمات الإقليمية والدولية لشرح الموقف السوداني وكشف التدخلات الخارجية التي تؤثر على استقراره. ورغم كل هذه التحديات، هناك بعض المواقف الإيجابية الداعمة لوحدة السودان، مثل مواقف بعض دول العربية والاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن الدولي الرافض لمحاولات التقسيم . لذا، ينبغي استثمار هذه المواقف الداعمة والعمل على بناء إعلام وطني قوي قادر على مواجهة حملات التحريض والتضليل الإعلامي الخارجي، بالإضافة إلى رفع تعزيز الوعي القومي لدى الشعب السوداني بخطورة التدخلات الخارجية وأثرها السلبي على مستقبل البلاد. ، ويجب العمل على إصلاح المنظومة الأمنية لضمان حماية السودان من الاختراقات الخارجية التي تهدف إلى زعزعة استقراره، مع ضرورة اتخاذ تدابير سياسية تعزز مناعة الدولة أمام الضغوط الخارجية. إن مستقبل السودان يعتمد على قدرة السودانيين على تجاوز هذه التحديات، وبناء دولة قوية تحافظ على سيادتها بعيدًا عن تأثيرات القوى الخارجية. فكلما تمكن السودان من تحصين نفسه ضد التدخلات الخارجية، كلما كان أقرب الي تحقيق السلام واعادة الاستقرار.