مؤانسة رمضانية (20) .. ثلاثية مرتضى الغالي: الدراويش الطرابى

مؤانسة رمضانية (20) .. ثلاثية مرتضى الغالي: الدراويش الطرابى
  • 25 مارس 2025
  • لا توجد تعليقات

فيصل محمد صالح


قبل سنوات هاتفني صديق يطلب مني أن استجيب لرغبة مجموعة ثقافية فنية في أمدرمان تحتفي بذكرى الفنان “صلاح محمد عيسى” لأتحدث عنه، اندهشت، ثم رددت عليه..”والله يا فلان أنا مابعرف عن صلاح محمد عيسى حاجة كتيرة لدرجة اتكلم عنه في ندوة”. رد سريعا..” كيف ياخ، إنت موش صاحب مرتضى الغالي..؟” أجبت ..”نعم بالحيل، لكن ما لدرجة اتكلم عن صلاح محمد عيسى..!!”. صديقنا الدكتور مرتضى الغالي واحد من أهم المراجع في الغناء السوداني، من عهد المديح إلى عصر الخقيبة ودخول ود الفكي للحلبة، ومرورا بالأغنية الحديثة، يعرفها معرفة الخبير العالم المدقق، كما يخبر مكامن الطرب الشهي والمتعة التي بلا حدود. ظل مرتضى لفترة طويلة يتحدث ويحاضر في الندوات والليالي الفنية عن الغناء السوداني ومفاتيحه المتعددة، وخصص يوما واحدا في الأسبوع في عموده اليومي “مسألة” ليكتب عن الشعراء والمغنين، المطاليق منهم وغير المطاليق. أعد مرتضى كتابا عن الحقيبة قرأت مسودته قبل أكثر من عشر سنوات، ثم قبل خمس سنوات، وكنت أجادله في كل مرة أن يدفع به للمطبعة، لكنه من طينة المجودين ( Perfectionists ) الذين لا يقتنعون بما بلغه الكتاب من الجودة، فيصحح ويضيف ويعيد بلا نهاية. أسعدني أنه طعن عين الشيطان و أخرج في العام الماضي ثلاث كتب دفعة واحدة، “الدراويش الطرابى” عن طبقة الفنانين والشعراء، ثم “الحردلو صانع الجمال” عن شاعر البطانة وفارسها الكبير، وأخيرا كتاب عن الشاعر المؤسس “العبادي- تجليات العبقرية الشعبية”. تتكامل هذه الكتب في انها تجول داخل التراث الشعري والغنائي السوداني، تستخرج كنوزه، وتشرح ما غمض على البعض من معانيه، وتستجلي ملامح العبقرية الشعبية التي أنتجت لنا كل هذا الجمال. يضم كتاب “الدراويش الطرابى” كتابات عن 30 من الشعراء والمغنين في بلادنا، وهي قليل من كثير معرفته بهم وبفنونهم. ومرتضى الغالي في هذا الكتاب يعطينا بعض معرفته عن جملة من الفنانين العظام: عائشة الفلاتية، بادي محمد الطيب، وردي، أحمد المصطفى، الخير عثمان، الطيب عبد الله، بشير عباس وأبو عبيدة حسن وغيرهم.. ويجول مع شعراء الأغنية من “المساح دمع البكا” إلى عبيد عبد الرحمن، إسماعيل خورشيد، محجوب سراج، عبد المنعم عبد الحي، حسين عثمان منصور، وعوض جبريل وسيف الدسوقي وعبد الرحمن الريح….الخ هذا الكتاب لا يؤرخ فيه مرتضى الغالي لهؤلاء الشعراء والفنانين، فهذا يستحق مجلدات، لكنه يقدم لمحات عنهم، يقتطف زهرة من حدائقهم، يتنفس عبيرها، ويشرك القراء في ذلك. وهو رجل لماح، يلتقط الصورة الجميلة والتعبير المتفرد والطرفة العابرة. يسوح في أول صفحات الكتاب مع الشاعر علي المساح، الأمي الذي لا يفك الحرف..كتابة، لكنه يفتح مغاليق المعاني على مصراعيها، ويقتحمها بلطف ..” بهجة جمالك..حاجبا، عاجباك روحك..وعاجبا”..ويا له من عتاب رقيق. والمساح هو شاعر “غصن الرياض المايد” و” نغيم فاهك يا أم زين دواي” و” إنت بدر السما في صفاك” و “زمانك والهوى أعوانك” وغيرها كثير. لزم المساح مدينته ود مدني ولم يفارقها، لكنه ظل يتواصل مع إخوانه الشعراء العشاق، ومثلما يذكر اسمه في بعض الاغنيات ..” أنا الحجة بحل مشبكا..أنا المساح دمع البكا”..فإنه يذكر أصدقائه، ومنهم الشاعر محمد علي الامي، حيث يبثه لواعجه وأساه .. “ناشد القول أخيكم.. المساح علي، حالته صعيبة خالص.. يا محمد علي”. وبجول في ديار خليل فرح، وثقافته الواسعة التي بثها بين قصائده وأغنياته ، ويسميها مرتضى الغالي “عجايب خليل فرح، ومنها “جيش الظلام هبهب.. مليم، حافل كأنه قطيع ظليم، قدام بشوف موسى الكليم، ماد إيدو من غرف أورشليم”…وهو صاحب حكم وطرائف ومواقف في شعره ..” يا قليب اتجبَر..قوم وريني كيف ..الكرام تتصبَر، نحن ما بنتعبَر، النفوس إن حبت…تستحي وتتكبًر” وينتقل الكتاب لذكر شعراء ربما نسيهم الناس، أو لم يعرفوا قدرهم ومساهمتهم في مجال الشعر الغنائي، مثل الأديب والشاعر الكبير عبد الله حامد الأمين صاحب “الندوة الأدبية” وهو من كتب واحدة من أوائل أغنيات عثمان حسين،..” كلمة منك حلوة”، والتي سجلها في الإذاعة مع الفنان الراحل محمد الحويج ..”في عيونك كانت..راسخة بس خجلانة، في خدودك بانت..في ازدهار ألوانا، اللسان طاويها..لما يوم قلتيها، لا تخافي عليها، كلمة لي قلتيها…كلمة لي قلتيهاأأأأ”. ولا ينسى المعلق الرياضي الاشهر طه حمدتو، الذي قد ينسى الناس أنه شاعر مجيد ، فقد كتب “الوسيم القلبي رادو”..لأحمد المصطفى، و “سالب فؤادي وما عليك”..والتي غناها إبراهيم الكاشف..”كل الجمال وهبوه ليك..وجعلوا السحر في مقلتيك، خلقوك آية من الجمال، خفة ورشاقة وطيب خصال، يا من بحبك اكتفيت، مكتول هواك…مكتول هواك، والجرحوني سهام عينيك” كما غنى له “حبي القديم يا كنار” وهي من أغنيات الكاشف الجياد التي لم اسمع أحد من المغنين يرددها غير عاصم البنا…” يوم قسموا الأرزاق..لي معشر العشاق، أنا كان نصيبي فراق، وإنت العفاف زانك..عفة وجلال ووقار، وأنا يا حبيب الروح..حرفت فؤادي النار، حبيب روحي..النار النار النار” ويفرد صفحات للشاعر الكبير والمظلوم عوض جبريل، وهو صاحب عطاء وافر وممتد لأجيال من الفنانين وله مئات الاغنيات، من عبد المنعم حسيب..” كلما سألت عليك..صدوني حراسك” وحتى محمود عبد العزيز وحنان بلو بلو. وهو صاحب “ما تهتموا للأيام ..ظروف وتعدي”..و” ما بنقدر نغير..للأيام سجية، محسوبات علينا..المرة وهنية” وغنى له أبو عركي “الجميل السادة وضاح المحيا” و”التوب” ، وهو كما هو معروف شاعر وملحن، تخرج منه الاغنيات جاهزة “لي حبيب شاغل بالي” و”الشغل بالي ..أنا بريدو” . وكما يذكر مرتضى الغالي في الكتاب فقد كانت لعوض جبريل ثنائات عديدة مع فاطمة الحاج والجابري وكمال ترباس وعبد الله محمد ومحمود علي الحاج ” سيب السفر سيبو..دة القاسي تعذيبو، شلت القليب عندك..كيفن بتمشيبو” هذه سياحة عابرة في كتاب من 372 صفحة…فكيف نوفيه حقه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*