انفصال الجنوب كان البوابة الأولى نحو الانهيار ماذا تعلمنا؟

انفصال الجنوب كان البوابة الأولى نحو الانهيار ماذا تعلمنا؟
  • 07 أبريل 2025
  • لا توجد تعليقات

د. حسين عمر عثمان

إن انفصال جنوب السودان في عام 2011م كان البداية الأولى نحو الانهيار. لم تكن تلك اللحظة نهاية للأزمة السودانية إلى رحاب الاستقرار والسلام كما رُوّج لها، بل كانت الانحدار نحو مشروع تفكيك البلاد، وتحقيق أهداف قديمة لجهات خارجية متآمرة على وحدة البلاد، وسقوطًا تدريجيًا نحو الهاوية. في ذلك الوقت، قُدّمت اتفاقية السلام الشامل، التي بموجبها تم الانفصال، باعتبارها حلاً سياسيًا للصراع الطويل الذي امتد لسنوات، ونتيجة لضيق أفق بعض ساسة النظام السابق الذين ظنوا أن التخلص من الجنوب سيمنحهم فرصة الانفراد بالسلطة، والهروب من الملاحقات الدولية، وعلى رأسها دعوى المحكمة الجنائية الدولية ضد بعض رموز النظام السابق، وغيرها من الأسباب. إلا أن الانفصال، في الحقيقة، كان بداية لسلسلة من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والاستراتيجية التي أثرت على المنطقة بأسرها، وتعاني من تبعاتها حتى اليوم. ألم يدرك الساسة حينها أن حل المشكلات لا يكون بالهروب منها أو بتقطيع أوصال البلاد؟ والمؤلم أن التجربة المريرة لانفصال الجنوب لم تُدرَس، ولم تُقَيَّم، ولم تُستوعَب آثارها بالشكل المطلوب، حتى وجدنا أنفسنا اليوم في أزمة وطنية شاملة. لقد كان الانفصال كارثيًا على الجنوب والشمال؛ “لا استقرار في الشمال ولا في الجنوب”، والمنطقة بأكملها من عدة نواحٍ. فأولًا، أكد الفشل مفهوم الدولة القومية القادرة على إدارة التنوع، وتحولت الدولة إلى جسد بلا عمود فقري سياسي، ولا رؤية وطنية موحّدة، مما عزز هشاشتها أمام التحديات الداخلية والخارجية. ثانيًا، كانت الكارثة الاقتصادية الكبرى، حيث خسر السودان موارده النفطية التي كان يسيطر عليها قبل الانفصال، مما أدى إلى انخفاض في عائدات الدولة، وانهيار العملة الوطنية، وارتفاع معدلات التضخم، وتدهور مستوى المعيشة، وهجرة العقول. ولم تُعالج هذه الأزمة بخطط اقتصادية وقائية تحسبًا للانفصال، بل تُرك الاقتصاد ينزف حتى اقترب من الانهيار التام. ثالثًا، فالانفصال لم يُنهِ التوتر السياسي والاجتماعي، بل أطلق موجة جديدة من المعاناة. ظل آلاف الجنوبيين عالقين في الشمال دون هوية قانونية واضحة.استراتيجيًا، وبعد مرور سنوات من الانفصال، لا تزال العديد من القضايا عالقة دون حل. الحدود ما زالت موضع نزاع، خاصة في منطقة أبيي. قضية النفط لم تُحل، إذ يعتمد الجنوب على الأنابيب التي تمر عبر الشمال لتصدير نفطه، ما يجعل الملف عرضة للتجاذبات السياسية المستمرة. أما مشكلات المياه، والتجارة، والمعابر، فبدلًا من أن تتحول إلى جسور للتواصل والتكامل بين البلدين، تحولت إلى أدوات للابتزاز السياسي المتبادل بين الدولتين. كل هذه الملفات المعلّقة تؤكد أن الانفصال لم يكن نهاية للأزمة السياسية، بل بداية لمسار معقد ما زالت البلاد تدفع ثمنه حتى اليوم. ورغم كل هذه النتائج الكارثية لانفصال الجنوب، يخرج علينا اليوم، بكل غفلة أو تجاهل، بعض الناشطين ليكرروا نفس الخطاب الانفصالي، ولكن هذه المرة في دارفور أو غيرها، دون إدراك لحجم الخطر. هؤلاء يظنون أن الانفصال هو طريق الخلاص، بينما هو في حقيقته طريق إلى المزيد من الانهيار والضياع. تكرار هذا السيناريو في أي جزء آخر من السودان يعني نهاية الدولة، وتحويل البلاد والمنطقة إلى حدود مفتوحة، ودويلات متنازعة بلا قرار ولا استقرار، يستغلها المتآمرون لنهب ثرواتها. السودان لا يحتمل تفكيكًا جديدًا. لقد كان انفصال الجنوب جريمة مزقت الجغرافيا والتاريخ، وإذا لم نغلق الأبواب المتبقية أمام المشاريع الهدامة، فإن السودان سيتحول إلى كيان بلا روح، وبلا مستقبل. المطلوب اليوم ليس الانفصال، بل الإصلاح. وليس المزيد من الانقسامات، بل التفاهم والتأسيس لعقد اجتماعي جديد يعترف بالمظالم، ويواجهها دون تفريط في وحدة الوطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*