الدكتور زكي البحيري، كاتب مصري، كتب كتابا من 740 صفحة من القطع الكبير يحمل عنوان ” مصر ومشكلة مياه النيل..أزمة سد النهضة”، صادر من الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2016م. اقتنيت الكتاب من المعرض الدولي للكتاب في العاصمة السعودية مدينة الرياض،في مارس الماضي، وتمكنت مؤخراً من الاطلاع على الكتاب بشكل عابر رغم أنه كتاب مرجعي يعكس الرؤية المصرية التقليدية لنهر النيل، ويستحق الرجوع إليه مرات أخرى، فهذه مجرد قراءة سريعة. ا
لكتاب قيم بلا شك رغم أنه يؤسس لوجهة النظر التقليدية حول مياه النيل،وهي وجهة نظر مؤثرة على أي حال،ويتناول بشيء من التفصيل الملامح الجغرافية لحوض النيل وأهمية النيل لمصر، واتفاقيات مياه النيل على مدار التاريخ، ومبادرات دول حوض النيل والوجود الاسرائيلي في إفريقيا وتحركات دول حوض النيل الأخيرة ومشروعاتها المائية،ومعضلة سد النهضة الأثيوبي ومشروعات السدود الاثيوبية الأخرى.
يستهل الكاتب كتابه بقوله “الاتفاق على حسن ادارة مياه النيل، والتنمية المشتركة بين دول حوضه هي السبيل الوحيد لحل أي مشكلات بخصوص مياه هذا النهر العظيم”، ولكن طرحه يغاير هذه المقدمة الطيبة، ويستند في معظمه إلى الحق المصري”التاريخي” في مياه النيل استنادا على اتفاقيات 1902 و1906 و1929 وهي اتفاقيات وقعتها الدول المستعمرة، ما زالت تتمسك بها مصر رغم أنها لم تعد ملزمة لدول حوض النيل بعد استقلالها حسب القانون الدولي.
يستعمل الكاتب في كتابه تعبير “دولتي المصب” ليصف مصر والسودان معاً،وهو تعبير شائع وسط المصريين المعنيين بشؤون مياه النيل تعزيزاً لموقف مصر، و”تكبير كومها” لتتحدث باسم السودان، مع أن السودان دولة في مجرى النهر، وليست في مصبه، ومصب أي نهر في الدنيا كما هو معروف يقع في نقطة واحدة وداخل حدود دولة واحدة.
يتناول الكاتب رؤية الدكتورة فدوى طه التي تقول إن السودان لم يكن راضياً عن كمية المياه التي خصصتها له اتفاقية مياه النيل بين السودان ومصر 1959 فينجرف الكاتب في الرد عليها بالقول أن الباحثة السودانية واقعة تحت تأثير الكتاب الانجليز والأمريكيين الذين تبنوا معارضة قيام السد العالي، وأنها من أسرة تنتمي كوادرها السياسية لحزب الأمة المعارض لمصر.
وفي اعتقادي أن الكاتب أعوزه المنطق فعمد لهذا الأسلوب الذي يهبط لدرك “قلة الادب” في التعاطي مع عالمة سودانية أتيح لها من المصادر والمراجع والمعرفة والارث الثقافي ما لم يتح للكاتب بطبيعة الحال، ويعود بنا لمربع الاستعلاء المصري التاريخي التقليدي الأجوف على كل ما هو سوداني حتى لو كان ذلك السوداني عالماً بقامة وقيمة الدكتورة فدوى عبدالرحمن علي طه التي هي تاج على رأس كل سوداني.
يتحسر الكاتب على ما يسميه بالتغلغل الإسرائيلي في إفريقيا؛ إذ نجحت اسرائيل في إقامة علاقات دبلوماسية مع أكثر من 32 دولة إفريقية من بينها دول حوض النيل، وهذا ما قد يشكل ضغطاً على مصر في المستقبل، وهي حسرة في غير محلها لأن مصر انصرفت عن إفريقيا عقوداً من الزمان رغم أن مصر بلد إفريقي، كما أن مصر نفسها،وهي ليست وصية على إفريقيا على أي حال، سبقت كثير اًمن هذه الدول الافريقية في إقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل.
ذكر الكاتب أنه تعرف وهو يعد كتابه إلى وجهات نظر كثير من خبراء القانون الدولي المختصين بالمسألة المائية، ولكن كتابه تغافل تماماً عن أهم وأشهر هؤلاء العلماء في زماننا هذا وهو العالم السوداني القانوني الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان مستشار الأمم المتحدة المختص بالمسائل المائية. لا يمكن لباحث أو كاتب في المسألة المائية، وعلى وجه الخصوص مياه النيل، أن يتجاهل كتابات ورؤية الدكتور سلمان.
khamma46@yahoo.com