يُخطئ النظام التقدير وهو يحسب نتيجة العصيان كما تُحسب نتائج مباريات كرة القدم، فينتشيبالتعادلأو الخروج بخسارة خفيفة ما دامت قد حققت له عدم الهبوط في الموسم الذي جرت فيه المباراة، ويعتبر أن ما حدث أزمة وعدّت، برغم أنالنتيجة التي خرج بها النظام كانت “ملعوبة” وحصل عليها عن طريق الغش والإحتيال والتزوير والفهلوةبإستخدام التهديد والوعيد لأصحاب المدارس والعاملين بالدولة وأصحاب المحلات وإستدراج الجمهور للخروج للشارع لمتابعة الزفة الموسيقية بالطرقات وتعبئة الشوارعبنشر أتباعه في الميادين وإستئجار الحافلات والعربات الحكومية ..إلخ.ولو أن هذه الوقفة (ما دام المقصود منها فقط التعبير عن الرفض الشعبي) كانت قد جرت بعد ساعات الدوام الرسمي وبما يُتيح لأصحاب رزق اليوم والعاملين بالدولة المشاركة، لأدرك النظام قدره ومقداره في عيون الجماهير.
كما يُخطئ النظام إذا إعتبر أن ما حدث شِدة وزالت، وأن هذهكانت الجولة الأخيرة، ويعتقد أن الطريق قد أصبح أمامه مُمهداً لأن يعود إلى ممارسة طيشه وإستهتاره،فيواصل في إجراءات القمع والإعتقالات والتضييق على الحريات ومصادرة الصحف، وتمادي أتباعه في جرائم السرقة والتعدي على المال العام دون سؤال ..إلخ، وأن يتخندق خلف “مخرجات الحوار الوطني” ويعتبر أنها العلاج الكافي لأزمة الوطن.
ليس من مصلحة النظام أن يضع المتاريس بمحاربة مقاومة سلمية مثل العصيان المدني، ذلك أن إنسداد الأمل والأفق أمام الشعب وتسرّب اليأس إلى قلوب الشباب سوف يدفع إلى اللجوء إلى خيارات أخرى باهظة الثمن كما يحدث في بلاد أخرى، بعد أن يرى الناس أن الحياة وعدمها أصبحوا سواء، فالنظام ليس في جُعبته حلول أو تصور للخروج من الأزمة، وغاية ما يملكه من حجة هو نظرية “الأمن مقابل الفساد” وهي نظرية يمكن تلخيصها في عبارة “أصبروا على فسادنا في مقابل ما نوفره لكم من أمن”.
ولكن في المقابل، ينبغي أن تعترف المعارضة بإخفاقها في سد الثغرات التي إستخدمها النظام في خطابه ضدها، وذلك بغياب تقديم المعارضة لأي تصور واضح وبرنامج بديل للحكم وبما يجعل المواطن يطمئن إلى أن الوطن سوف يكون في أيدي أمينة، وأن المعارضة لديها معرفة ومقدرة على المحافظة على الأمن وتجنيب الوطن من المخاطر التي يتحدث عنها النظام.
هذا خطأ لا يُسأل عنه الشباب الذي يقود هذه الثورة، فقد قاموا بدورهم خير قيام من تعبئة للشارع ونشر للمواد والصور والتواصل مع الناس في بيوتهم وأماكن عملهم، ودفع ثمن ذلك كثير من الشباب الذين لا يزالوا في معتقلات النظام، وعلى قوى الأحزاب أن تمد للشباب يدها للعمل معهم ودعمهم بما لديهم من خبرة وتجربة، وفي الجانب الآخر، على الشباب أن يقابلوا ذلك بإنفتاح وترحيب، وألاّ أن ينكفئوا على أنفسهم بإعتبار أنهم وحدهم أصحاب الثورة، لينتهي ذلك بتحالف الجميع على صياغة مشروع الحكم البديل تُشارك في صياغته والتوقيع ممثلي الشباب إلى جانب كل الأحزاب السياسية والحركات التي تحمل السلاح.
لا بد من إستثمار النجاح الذي تحقق في أرض الواقع لعصيان 19 ديسمبر بالإعداد للخطوة القادمة، والتي أرى أن تتضمن تقديم “مطالبات” محددة يتم الإتفاق عليها، بإعتبار أن التجربة قد أثبتت أن الوقوف خلف المطالب يُشكّل “هدف” من السهل أن يلتف الشعب حوله بالتركيز عليه، بدلاً عن “العصيان” وهو وسيلة تم الترويج لها بأكثر من الهدف الذي سعى إليه إن لم نقل في غيابه.