الدستور هو عقد التأسيس للدولة يفصل بين سلطاتها، التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويؤطر حقوق وواجبات وحرمات مواطنيها وساكنيها، وعلاقات منظومات حكمها، و علاقات الجوار، في الإقليم القريب أو البعيد. وهو يعلو كل القوانين.
الدستور حصنه المشرع الوطني بجملة إجراءات، حيث لا يبتدر تعديله الا رأس هرم السلطة، رئيس الجمهورية، و إجازته رهن بموافقة ثلاثة ارباع الهيئة التشريعية، بعد أن يكتمل التشاور تداولا من بين كل من افترش ارضه أو تغطي بسمائه من فئات مجتمعه وقطاعاته الحية، سواء انتظموا في أحزاب سياسية أو كانوا متطوعين في منظومات مجتمعية أو مهتمين واختصاصيين، أو إعلاميين أورموزا قومية، في مدي زمني لا يقل عن ستين يوما حسوما.
جلس نفر كريم معتبر من أبناء السودان، يمثلون أحزابا وحركات فاقت المئة ، ومثلهم من رموز واعلام قومية، جلسوا وتشاورا أشهرا تطاولت، تحاورا في غرف وردهات قاعة الصداقة، وتجولوا بين شعاب الوطن الواسع، ليبرموا أمر رشد للوطن يخرجه من كبوة ازماته المتفاقمة .
ويأتي العاشر من أكتوبر في عام 2016 ليشهد تلاحم أبناء الوطن في ملحمة توافق وتواثق علي ميثاق وعهد مغلظ لإنفاذ مخرجاتهم ، التي انتظرها محمد أحمد طويلا، لعلها تعطيه آمنا وسلاما بعد خوف، وتطعمه عيشا كريما بعد طول مسغبة، و حرية أوسع بعد تعسف كبت، وعلاقات خارجية في عزة وشموخ، تحت ظل شجرة هوية سودانية جامعة في نظام حكم يتراضون عليه .
أعلن رئيس الجمهورية قسما مغلظا، عهدا لانفاذ مخرجات ذاك النفر الكريم . فيبتدر إيفاء عهده بإيداع التعديلات التعديلات الدستورية ايذانا ببداية الانفاذ، تلك التعديلات العاجلة التي تمكنه من تكوين حكومة الحوار في مداها الزمني المضروب، ثم يتبعها بملحق الحريات، فيسارع رئيس الهيئة التشريعية القومية مناديا أعضاء هيئته عبر التلفزيون أن هلموا نجتمع صباح الثامن عشر من يناير 2017 لتختموا دورة انعقادكم باستلام ملحق التعديلات الدستورية الشهيرة بتعديلات الحريات، ثم تقوم الهيئة بتكوين لجنة طارئة للنظر في التعديلات برئاسة الدكتورة بدرية سليمان لتدير التداول والتشاور فيها خلال ستين يوما ، بين شرائح المجتمع المعنية والمهتمة بالشأن الدستوري.
مكثت بدرية عاكفة علي التعديلات نحو عشرين يوما اي ما يقارب نصف المدة المقررة دستورا للتشاور، لتلتئم لجنتها الموقرة في الثالث عشر من فبراير للتوافق علي منهج عمل اللجنة ! وتنظر في جدوي التعديلات وملائمتها للمصلحة العامة التي ربما تكون قد فاتت علي رئيس الجمهورية ومستشاريه وقد تكون أيضا فاتت علي فطنة أولئك المتحاورين. ..
أقرت بدرية ولجنتها في منهج نظرها للتعديلات الدستورية جلسات استماع منتقاة لأهل الحل والعقد وفق نظر اللجنة، فاستمعت لعلماء في شأن ضرورة الولي في عقد النكاح …. وكم تساءلنا دون جدوي حتي اليوم لنعرف أين يقع الولي سواء في التعديلات المودعة من رئيس الجمهورية أو بين نصوص دستور 2005 المراد تعديله أو حتي في تلك التي أجازتها اللجنة، فاجابنا “بسمارك” باحالتنا لسياسته الخارجية وفق “الاسبوتنق”، فتعجل أولئك الخطباء فلم ينتظروا يوم الاثنين المضروب ميعاد للقاء بدرية واللجنة الطارئة في قاعة المجلس الخضراء ،فعاجلوها وقدموا بين يدي فتواها خطبا في منابر الجمعة تلهب مشاعر الآباء ثورة، وحملة علي التعديلات الدستورية التي تحرمهم وتمنعهم ولاية جبرهم في الزواج بالتراضي..!!
وكذلك قذفوا التعديلات بكل متحجر لكونها قالت لا إكراه في الدين اعتقادا وممارسة لشعائر العبادة، .كذلك استمعت اللجنة في جلسات استماعها لقضاة المحكمة الدستورية لتقول لهم أن التعديلات الدستورية أدخلت أمرا جللا في شانكم، وأدخلت عليكم كلية انتخابية تحدد المرشحين، تسييسا للقضاء المشهود له بالاستقلال والنزاهة والحياد.
ولم تنس أن تجلس للاستماع لقادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني وخبرائه، ليروا بأم أعينهم وأسماعهم كيف تجرأ أهل الحوار وطالبوا بحصر مهمتكم الجليلة في جمع المعلومات وتحليلها ، فكان الوعد الصادق من بدرية كرماُ وعرفاناُ للجهاز، فاعطتهم ما لم يتنزل في دستور من قبل، وما لم يطالب به أعتي جهابزة الجهاز، توسعا في المهام، حماية للأمن القوميما وراء مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال وشتي الجرائم الدولية وعبر الوطنية، و “كمان” زيادة محاكم خاصة .تحصنهم من الوقوف في محاكم عامة الناس .. يا له من كرم فياض.
لم ترغب بدرية في أن تعلق باب جلسات الاستماع قبل أن تستمع لخبراء “ماكس بلانك” الألمان ومن شايعهم، ليعلمونا نحن شعب السودان كيف نصنع دستورا يكون عهدا و ميثاقا بيننا ، ومؤصلا علي هدي و رشاد !
ثم تأتي د. بدرية في أبريل من العام 2017 بتقرير لجنتها حول ملحق التعديلات الدستورية، واصفة تلك التعديلات بأنها:
أودعت من رئيس الجمهورية علي غير المعتاد !
وأنها كتبت بلغة غير مألوفة! رغم توقيعها من قوي الحوار،
وايضا وصفت هذه التعديلات وفق تقريرها بأنها
تخالف العرف المستقر في السودان القائم علي الشرع ، وأنها تقضي علي الإجماع وتبطله .و تخالف النصوص التي وردت عن النبي صلي الله عليه و سلم، وجاءت بما لم يقل به أحد من العلماء والمذاهب، وقيل إنها تؤدي إلي هدم الأعراف القائمة علي الشرع، ما يودي الي فتنة في الأمن والسلم الاجتماعي، وأن هذه التعديلات تبيح الكفر صراحة والخروج عن الإسلام والتحلل من سائر الأديان.
انتهي قول بدرية حول التعديلات المودعة من رئيس الجمهورية،
فما قول الملأ
، انتم يا من كنتم شهودا في قاعة الصداقة علي ميلاد تلك المخرجات، ويامن كنتم في مؤسسات الحوار تنسيقا جماعيا وثنائيا،
يا من كنتم أعضاء في اللجنة الطارئة،
يا من كنتم اعضاء في الهيئة التشريعية
يا من شهدتم ميلاد التعديلات حتي آخر توقيع مشهود!.
هل ستمضون العهد ام تعديلات بدرية.
افتونا يا هداكم الله.
- قيادي في حزب “المؤتمر الشعبي”