منتصر إبراهيم
أسدلت، يوم أمس، الستارة على وقائع القضية التي أثارت الكثير من الجدل خلال الأيام الماضية، وعرفت بقضية “ويني عمر” و”منتصر إبراهيم “. وفي الحقيقة هما قضيتان حقوقيتان مترابطتان، الأولى تتعلق بالمادة 152 – المثيرة للجدل بدورها – من القانون الجنائي التي يخول تطبيقها لمحكمة النظام العام ، والثانية تتعلق بالجانب الحقوقي للمواطن أمام الأجهزة الشرطية وأدواتها.
وباختصار شديد تعود تفاصيل القضية إلى توقيف الناشطة الحقوقية ويني عمر في ثناء سيرها في الطريق العام، وتوجيه اتهام لها بارتداء “الزي الفاضح”. توقيف الناشطة “وبني” وتوجيه الاتهام إليها تم بواسطة فردين، أحدهما يشغل منصب وكيل نيابة، وهو الشاكي الأساسي في القضية.
أما الناشط السياسي “منتصر إبراهيم”، فقد تم توقيفه في ذات يوم توقيف “ويني” وذلك بعد إبدائه الاعتراض على طريقة توقيفها، ودخوله في مشادة مع أحد الشرطيين، وقوله له إنه “سيفتح بلاغا ضده” – أي ضد الشرطي، ومن ثم إعلانه رفض الإدلاء بأي إفادات إلا في حضور محاميه الخاص. وجهت لـ “منتصر” تهم “اعتراض موظف عام في أثناء تأدية عمله، وتهديد موظف عام في أثناء تأدية عمله”.
شغلت القضية، مثلما ذكرت، الناشطين ورواد مواقع التواصل والإعلام الجديد خلال الأيام الماضية، ونظمت حملة تضامن واسعة مع الثنائي “المتهم” في القضيتين المترابطتين حقوقياً، كما حفزت “قضيتهما” مختلف الناشطين على إثارة الجدل حول المادة “152”، وإظهار العيوب والإشكالات التي تتصل بها، والمطالبة بضرورة إلغائها، لاسيما أن القضيتين تزامنتا مع قضية أخرى تعلقت بالقبض على عدد من الفتيات خلال حضورهن “حفل نسائي خاص”، وتوجيه تهمة ارتداء الزي الفاضح إليهن، قبل أن يعلن القاضي براءتهن، ويطلق سراحهن لعدم ثبوت التهمة.
ما الذي حدث يوم أمس، وكيف انتهت القضية بشقيها المترابطين؟ للإجابة عن هذا السؤال يتحتم علينا الفصل بين القضيتين، والعودة إلى جلسة الحكم النهائي في قضية منتصر إبراهيم، التي حدثت قبل يومين من جلسة الحكم النهائي في قضية ويني عمر. ففي قضية منتصر أعلن القاضي سعيد شرفي، براءة المتهم، وأن “طلب الاستعانة بمحامي أثناء الإدلاء بالأقوال في قسم الشرطة حق يكفله الدستور”. وبالعودة مرة أخرى إلى يوم أمس، يوم محاكمة ويني عمر، نجد أن قاضي النظام العام كمال الزاكي أصدر حكمه ببراءة المتهمة، بعد إعلانه أن هناك ” شبهة ترصد”.
نال المتهمان، توالياً، حكمين بالبراءة، وهذا ما يؤكد نزاهة القضاء السوداني، ويؤسس – لاسيما في قضية منتصر – لسابقة حقوقية مهمة في قضايا التنازع بين الشرطة والمواطنين. فالإقرار القاضي بأن من حق أي مواطن اللجوء إلى محاميه الخاص في أثناء استجوابه أمام الشرطة، بلا شك يحقق درجة عالية من النزاهة والاطمئنان، ويوفر للمواطن الوسائل المناسبة للدفاع عن نفسه في جميع مراحل التحقيق والتقاضي في أي قضية كانت وتحت بند أي تهمة وجهت إليه. المكسب الآخر المتحقق من القضية – بشقيها، أن إعلان براءة ويني عمر، والطريقة التي صيغ بها يدفع في طريق المطالب المتعلقة بمراجعة “المادة 152″، وكشف الثغرات الكثيرة التي تحوم حولها، وأولها إمكانية استخدامها في “تصفية الحسابات الخاصة” جداً.