ما يزال البعض يتحجَّج بذات الحجج القديمة. المحكمة الجنائية مسيّسة وضد القادة الأفارقة تحديداً. ومثل هؤلاء البعض يتحجج السيد الرئيس بذات الحجج للبقاء رئيساً مدي الحياة – “متحجِّياً ومتمترساً” بشعبه وعلى حساب رفاهه وراحته ومكانته بين الشعوب- ثم إنّ هؤلاء البعض – وفيهم من أولي الهمة والفلاح- لا يجدون حرجاً في الصَّدع بأقصى ما تحتمل حلاقيمُهم هذه الأيام بتعديل الدستور لإعادة ترشيح البشير لمدي الحياة -فيما يبدو-!!
المحكمة الجنائية مهما قيل عنها إلا أنها لم تستدعِ يوماً أو تطلب متهماً.. رئيساً كان أو وزيراً أو مسئولاً إلا وكان متهماً أو ثابتاً عليه جُرم التقتيل والإبادة…فهي لم تتقصّد مثلاً رؤساء إثيوبيا أو موريتانيا أو السنغال أو المغرب حتى تُتهم بمعاداتها لإفريقيا!!
كون أن معظم زبائنها من أفريقيا. فهل توجد فظاعاتٌ ارتكبت ضد الإنسانية مثلما يوجد في أفريقيا؟ ولئن كانت الجنائية قد قصّرت في مناطق أخرى لأسبابٍ معلومة للكافة.. فلا يجعل ذلك منها محكمةً سياسيةً مخصصةً لمعاقبة الأفارقة.. فقد مثُل أمامها قبلاً من هو ليس بأفريقي مراتٍ ومرات!!!
عمر البشير.. ارتكب مجازرَ معلومة واعترف هو نفسُه بها. . وهنالك ڤيديو رمضانيٌ مشهور – يقال إنه كان إفطاراً في منزل د. السيسي- وحده يكفي لجرجرة البشير إلي محكمة رب العالمين لا إلي الجنائية وحدها!! ( الفيديو متداول).
الخلاف ليس في عدد من أُبيدوا في دارفور سواء كان ٣٠٠ ألفاً أو ١٠ آلاف أو حتى ١٠ أشخاص لا غير.. ولا هذا هو الموضوع.. الموضوع هو الجُرم الذي أرتكب في عهد البشير وبعلمه وبرضاه وموافقته وربما بأوامره المباشرة.. وهو هل تمت إبادةٌ ومجازر جماعية أم لا ؟؟!!
وبالمناسبة فإنَّ عدم ذهاب البشير إلي المحكمة.. لا يعني أبداً عدم اعترافه بها ولا عدم اعتراف معاونيه وممثليه بها، لأنه فعلياً معترفٌ بها وإن مَارَي وكابَرَ وتنبَّر ..والدليل أنه لا يذهب ولا يسمح له معاونوه وممثلوه ومستشاروه أن يذهب حيث تطاله يدُها.. ولا يمُر بطريق يمكن أن تعترضه فيها المحكمة..
وحين أخطأ يوماً بناءً (علي نصيحة معاونيه ومستشاريه أو ربما تآمرهم) وفعلها بإيحاءاتهم وتطميناتهم الكذوبة اضطر يومها لهروبٍ مُهين وذليل شمَّـت فيه الأقربين قبل الأبعدين.. والصحيح أن العبارة التي تصف حالَه بدقة هي (أنه يخافها) وليس (لا يعترف بها).. (وبداهةً شى بتخاف منو كيف تكون ما معترف بيهو أو منكِر وجودو؟!!)
هو يخافها بدرجة أنه لا يريد أن يلتزم بدستوره.. فيعيد الترشُّح للرئاسة في آجالٍ متكررة ومتعاقبة ودون خجل.. كل ذلك حتى لا تطاله يدُ الجنائية إذا أصبح مواطناً عادياً.. أو أن يسلِّمه رفاق الأمس.. الذين لا وفاء لهم ولا عهد.. فقد رأى بأم عينه ما فعلوه بشيخهم.. وبعده بعلي عثمان محمد طه.. وقبلهما ما فعلوه بكارلوس وكادوا أن يفعلوه بابن لادن !!
البشير.. ومن يدعمونه إن كانوا على ثقة من براءته فماذا يضيره أو يضيرهم المثولُ أمام المحكمة؟!
وأما حكاية أن البشير رمزُ السيادة فيجعلنا نتساءل من سيَّده حتى يكون رمزاً لهذه السيادة ؟! هو رجلٌ مغتصبٌ فاقدٌ للشرعية وفوق ذلك هو مجرمُ حربٍ وراع فساد وإفساد..
وما قيل عن السيادة يقال عن الوطنية.. وطنيةٌ جعلته (بإعترافاته هو) يتنازل عن ثلث البلاد (الجنوب).. مقابل خدعة أن يُعفى من ملاحقة المحكمة الجنائية ! فهو لم يصُن السيادة الوطنية ولم يراعِها فكيف يكون رمزاً لها ؟! وهو اليوم يكاد يتنازل عن حلايب وشلاتين مقابل عدم إثارة محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك، وكذلك يفعل مع الفشقة !!
هذا رمزُ (الإجرام) وليس السيادة أو الوطنية.. كل خياناته الوطنية تمت لأنه مجرمٌ وخوّار..
مجرمٌ لأنه مارس الإبادة.. ومجرمٌ لأنه راعٍ لنظامٍ شارك في محاولة اغتيال رئيس دولة أخرى.. وخوّارٌ لأنه لا يريد تحمل تبعات جُرمه ولو كان علي حساب رفاه الشعب أو تقطيع أوصال الوطن أو بيعها أو التنازل عنها !!!
وللترابي حديثٌ مشهور ومسجل ومتاحٌ في كل أشكال الوسائط المعروفة، دعاه فيه إلي تسليم نفسه واتهمه اتهاماً هو الأخطر بعد تهمة الإبادة الجماعية حين روي عنه أنه قال: {إنّ الغرباويات -في دارفور وغيرها- حين يركبهن الجعلي- نعم هكذا يَركَبُهن- فإنّ هذا شرفٌ لهن وليس اغتصاباً !!} ( الفيديو متداول) .. وإذا كان ما قاله الترابي لم يكن صحيحاً.. فلماذا لم يحاسب الترابي أو يحاكمه؟ أو علي أقل تقدير لماذا لم ينفِ ذلك؟! إذ ليس هنالك ما يمنعه.. فقد سبق وأن تهم الترابي في مسائل أخري وحاكمه وسجنه ( فلماذا “طنَّش” في هذه؟؟؟) ببساطة لأن هناك شهوداً عليها وهي اللجنة القضائية (الحكومية) المكلفة بالتحقيق في جرائم واغتصابات دار فور وهي برئاسة مولانا دفع الله الحاج يوسف الذي لم يزل علي قيد الحياة.. والأسوأ هنا على الإطلاق هو تبرير البعض وتشكيكهم بوصف الترابي بالكذب في هذه الواقعة البغيضة!! الترابي رجل التجديد والتوحيد؟ الترابي مرشد الجماعة الاسلامية؟! الترابي الشيخ الثمانيني؟!! إن كان الترابي كاذباً فإذن البشير كاذبٌ كذلك وأضلّ سبيلا.. ومن يدافعون عنه كذَبةٌ منافقون أفّاكون فاسدون.. فالترابي شيخ الجميع وأستاذُهم ومرشدُهم..
دعونا عن هذا كله…كيف للمرء الحُر أن يدافع عن البشير.. ولا ينبض عرق في قلبه؟؟ كيف لا يندى جبين الرجل الحُر على إبادة الفور حملة القرآن وقبائل الزُّرقة الأخرى..النوبة.. الزغاوة..قبائل الأنقسنا وغيرهم؟ وكيف لا ينفطر القلب على وطن يتناقص من أطرافه.. ثلثه الجنوبي والفشقة شرقه.. وحلايب وشلاتين شمالي شرقه؟!
هل كل هذا لا يعنينا حتى ندافع عن مجرمٍ فاسدٍ ومفسد وننصّبه رمزاً للسيادة والوطنية حيناً بعد حين؟!
(ألا لعنةُ الله على الكـــاذبين).