من حق – بل واجب – كل سوداني أن يغضب ويثور لكرامة وطنه وأهله من تجني الإعلام المصري عليه، وهو تجني قديم ومُتجدّد، فعلى أيام المباراة التي أقيمت في الخرطوم بين فريقي مصر والجزائر، صوّر الإعلام المصري أننا شعب أوباش يتكوّن من عُصبجية وقُطّاع طُرق، وكان الإعلامي الرياضي المصري خالد الغندور قد فتح خطا ساخِنا ليل نهار بإحدى القنوات الفضائية يتلقى فيه إتصالات على الهواء من نجوم فن ورياضيين وإعلاميين ومواطنين عاديين مصريين قالوا أنهم حضروا للخرطوم لحضور المباراة، وسخِروا من بلدنا وأهلنا ، حتى أن واحد منهم قال أنه حين هبطت الطائرة أرض السودان وجد مطار الخرطوم عبارة عن غرفتين وصالة، وقد ذكر أكثر من مُتصّل أنه يتحدث بصوت متهدج وبفزع بالغ من داخل قبو أو من تحت السرير من مكان ما بالخرطوم خشية الهجوم عليه بالسواطير، ثم إتضح فيما بعد أن الذين فعلوا ذلك كانوا يتحدثون من داخل شققهم بالقاهرة.
وجه الملاحظة في الثورة الصاخبة التي كتبت بها كثير من الأقلام حول عدم سماح أجهزة الأمن المصرية بدخول المواطن الطاهر ساتي (وهي الصفة التي سافر بها) وإعادته من مطار القاهرة، أنها – أعني ثورة الغضب – تُشبه حال الذي يصبر على سرقة سيارته ثم فجأة يصرخ ويثور حين يتذكر أن في شنطتها الخلفية عجل الإسبير، فقد مضى حتى الآن نحو 12 عاماً على المجزرة التي نفذتها قوات الأمن المركزي المصري في حق ثلاثة ألف ويزيد من اللاجئين السودانيين كان أكثر من ثلثيهم من الأطفال والنساء بميدان مصطفى محمود بمنطقة المهندسين في القاهرة، ففي فجر قارس البرودة من يوم الجمعة 30 ديسمبر 2005 هجم نحو 4 ألف جندي وضابط تتبعهم 73 عربة مصفحة وسيارة إطفاء على هؤلاء البسطاء وهم نيام وفتحوا عليهم خراطيم المياه الباردة ، ثم نزلوا عليهم بالهراوات، وإنتهت تلك الغزوة بوفاة (27) سودانياً من بينهم عائلة كاملة (الأب والأم والأطفال) وأكثر من (300) جريح ومُصاب.
ماذا كان موقف النظام !! وماذا كتب أصحاب الأقلام التي تثور الآن عند حدوث تلك المجزرة أو عند تكرار مرور ذكراها لإثني عشر مرة !!
ثم أن مصر قامت في لحظة غضب من محاولة النظام لإغتيال الرئيس حسني مبارك (بحسب شهادة الترابي في لقائه الشهير مع قناة الجزيرة القطرية) بإجتياح إقليم سوداني كامل وأنزلت منه العلم السوداني ورفعت فيه علمها وضمته لأراضيها بما عليه من أهالي ومواطنين.
ماذا كان موقف النظام وقد مضى على ذلك نحو إثني عشر عاماً (2005) وماذا كتب أصحاب الأقلام التي تثور الآن عند حصول الحدث أو تكرار مرور ذكراه إثني عشر مرة غير صحفي أو أكثر يذيّلون مقالاتهم بعبارة تقريرية تقول “حلايب سودانية” !!
نعم، لا يقبل سوداني له ضمير أن يخضع الطاهر ساتي لعسف السلطات المصرية بمنع دخوله لزيارة زوجته المريضة وترحيله من المطار، ولكن مثل هذه الثورة ينبغي أن تكون للمبدأ لا للطاهر ساتي، ذلك أنه ومع وصول كل طائرة للأراضي المصرية هناك مُبعَد سوداني أو أكثر يتم حجزهم بالحراسات وترحيلهم من حيت جاءوا، وليس أمام الواحد منهم غير أن يزدرد (الإبتلاع بسرعة) مصيبته ولا يجد من يواسي محنته سوى الأهل والجيران، وقد ذكر الطاهر ساتي نفسه قصة المواطن السوداني (أستاذ جامعي) الذي جاء معه على نفس الطائرة وقامت السلطات المصرية بإحتجازه، ولم يسأل عنه السفير والقنصل اللذان إنحصرت مهمتهما في معالجة مشكلة (ساتي) الذي عاد لأرض الوطن عودة الأبطال وتركه وراءه بالحراسة، وهؤلاء المُبعدون “محاظيظ،” فهناك كثير من السودانيين الذين لا يزالون قيد الإحتجاز لمدد طويلة، وبينهم من صُودرت بضائعه وأمواله، وهناك من فُتحت عليهم الذخيرة الحية وهم يعبرون الحدود ولا علم لأحد بمكان جثثهم.
ضيم مصر على السوداني لا يُمكن طرحه دون النظر إلى الضيم الذي يصيب المواطن من نفس الجنس والنوع وبصورة أقسى من الحكومة التي يقع عليها واجب حمايته (المواطن) في الداخل قبل الخارج، وهي تقف اليوم (الحكومة) تتفرج على الهجمة التي يقوم بها المواطنون عبر الأسافير وترى في ذلك إلتفاف حولها ومناصرة لها وكأنها تقوم بواجبها نحو مواطنيها خير قيام.
سبب إحتجاز الصحفي الطاهر ساتي في مصر هو قيامه بالتعبير عن رأيه، وفي الوقت الذي دفع فيه ساتي ثمن ذلك الحجز ربع يوم بمطار القاهرة دون إساءة لمعاملته بحسب حديثه ووجد إهتماماً من السفارة والصحافة السودانية، في هذا الوقت كان مضى على وجود الشاب محمد حسن عالم البوشي في معتقل النظام شهور وشهور لنفس السبب (التعبير عن الرأي) دون أن تُوجّه إليه تهمة أو يُقدم لمحاكمة، وقد تدهورت حالة البوشي إلى الحد الذي جعل والدته وهي إمرأة مُسنّة وغلبانة لأن تُهدّد بالإنتحار، لأنها، بحسب قولها لا تستطيع أن تعيش وترى إبنها وقد تدهورت حالته الصحية والعقلية (قالت عندما سُمح لها بزيارته وجدته وقد بدى في حالة هزيان وتوهان) وقالت أنها لا تستطيع أن تعيش وهي عاجزة عن فعل شيئ ولا ترى أحداً يريد أن يتحرك من السياسيين والصحفيين (صحيفة الجريدة 29/4/2017).
واجب نقابة الصحفيين تجاه منسوبيها في الدفاع عنهم وحمايتهم إذا تعرضوا لظلم أو عَسَف واحد سواء كان عضو النقابة هو الطاهر ساتي أو حيدر خير الله، والذي يرى “حنفشة “نقيب الصحفيين (الصادق الرزيقي) وهو يقف أسفل سلم الطائرة لإستقبال الطاهر (وهو موقف يؤجَر عليه)، ثم مطالبة النقابة بطرد الصحفيين المصريين .. إلخ، الذي يرى ذلك، لا يمكن أن يُصدّق أن هذه هي نفس النقابة التي ينتمي إليها الصحفيان عثمان شبونة وزهير السراج، والأخيران صدر في حقهما قرار إخصاء صحفي، هكذا، بالمخالفة للقانون والدستور، قضى بمنعهما من مزاولة الكتابة الصحفية إلى أجل غير معروف، ولم أقرأ حرفاً يستنكِر هذا الإجراء من النقابة أو برقية أرسلت إلى المسئولين أو أنها رفعت بشأن ذلك دعوى أمام المحكمة الدستورية.
من حق – بل واجب – كل سوداني أن يثور لكرامة وطنه وأهله، بيد أن الذي لم يفطن إليه كثير من المعارضين أنهم إبتلعوا طُعم النظام الذي أراد من الشعب أن يُدير معركته مع النظام المصري نيابة عنه، وترك الشعبان يتشاتمان على الأسافير، فيقول المصري أن إهرامات البجراوية مكعبات جبنة، وترد عليه صحفية من عندنا وتقول أن حضارة مصر (سمتها أم الكباريهات) الفرعونية مسرحية وأوهام وأساطير جاء المصريون بحجارة من الصحراء قاموا بترميمها وإدّعوا أنه تمثال أبوالهول، ثم أضافت أن الذين حرموها من دخول مصر قدموا لها خدمة بأن رحموها من أن تدفع عشرة دولارات رشوة لضابط جوازات المطار وهو صاحب فم كريه من رائحة البصل ويهرش جلده من عدم النظافة.
لقد تكالبت علينا مصر والنظام ولكن كثيرون إبتلعوا الطُعم ولم يعرفوا الإتجاه الذي كان عليهم أن يوجهوا إليه سهامهم، فالواجب أن نثور في وجه أي مصري يوجه إلينا إساءة ثم نلتفت للذين تسببوا في جعلنا مسترخصين عند من يسوى ومن لا يسوى.
مستشار قانوني
saifuldawlah@hotmail.com