بعد ما يقارب الثلاثين عاماً لجلوسه على سدة الحكم أي منذ عام 89 19 وحتى 2018 وهو يدخل عقده الثالث من عمر سلطة زمنية مطلقة، يصبح البشير أقدم رئيس في المنطقة، رغم أن كل ما قدمه للشعب السوداني بعد كل هذه الفترة كمحصلة نهائية لحكمه أن أصبح سعر رغيف الخبز الواحد بألف جنيه سوداني في وطن يحلم بأن يكون سلة غذاء العالم.
ويعزو مراقبون للشأن السوداني تشبث البشير في البقاء على دست السلطة لهاجس المحكمة الجنائية الدولية الذي يشغله، ولخوفه من غدر معاونيه في النظام وخصومه في التنظيم تسليمه ككبش فداء لصفحة جديدة مع المجتمع السوداني والمجتمع الدولي في ظل نظام جديد، أو التضحية به لسلامتهم الشخصية إن هو تخلى عن الرئاسة لشخص آخر .
المُطبلون والفاسدون والمستفيدون من ظل الرئيس لحماية أنفسهم هم من يريدون تنصيب البشير رئيسا للسودان مدى الحياة دون اكتراث لمصالح السودان أو لخسرانه المبين، طالما أنهم محميون في ظل غياب القانون أو تجاوزه ، والمشفقون وحدهم هم من يرون أنه قد آن الأوان لوقف هذه المهزلة دون حرص منهم على انتقام أو تشفي ، لما آلت إليه حال البلاد والعباد بعد فترة سماح لا تفسير لها إلا من تسامح السودانيين لنظام بلغت عدته ثلاثة عقود فسر فيها الماء بالماء .
البشير الذي حكم سبع دورات متتالية أوصل البلاد إلى حافة المجاعة بينما حكم مهاتير محمد دورتين فقط لينقل ماليزيا إلى مصاف الدول الآسيوية المتقدمة من خلال تجربتها الاقتصادية التي تدرس في الجامعات.
وعلى ذات الطريق انتقل أر دوغان بتركيا من خلال دورة واحدة فقط، كرئيس للوزراء وأخرى كرئيس للدولة، إلى قوة اقتصادية إقليمية تبلغ صادراتها في العام 200 مليار دولار بينما لا تتجاوز صادرات البشير خلال ثلاثين عاما 3 مليارات. أليس هذا كافياً ليترجل البشير ويترك السودان لأقداره وتصحيح مساره.
لقد مر السودان في عهد الإنقاذ (حكومة البشير) بأسوأ فتراته على الإطلاق منذ الاستقلال في أكبر مساحة زمنية تتوفر لنظام حكم شمولي، رغم الفرص الكبيرة التي أتيحت لتحقيق نقلة اقتصادية واستقرار سياسي ووفاق شامل وتعاون إقليمي ودولي يحقق مصالح البلاد العليا، غير أن النقيض وحده هو الذي حصدته البلاد في ظل “الإنقاذ” ورئيسها.
فشلت “الإنقاذ” في الحفاظ على وحدة السودان وفشلت في إدارة ملف الانفصال، أشعلت الحرب في دارفور بكل تداعياتها التي عطلت تقدم البلاد وكلفت البلاد ثمنا غالياً، فرضت على السودان عزلة إقليمية ودولية لاتزال آثارها تنعكس على صورة البلاد ووضعها السياسي والاقتصادي. أهدرت موارد البلاد الاقتصادية ودمرت بنيتها المركزية ومؤسساتها الوطنية ومشاريعها القومية وتركتها نهبا للفساد المحمي بسلطان النظام وأدواته.
فشلت “الإنقاذ” حتى في نظافة الطرقات والصرف الصحي وإدارة الخدمات اليومية بل أنها حولت رغيفة الخبز إلى عملة صعبة. لم يبق لـ “الإنقاذ” غير الاستمرار في الفشل باعتقال الصحافيين وتكميم الأفواه والتخبط الاقتصادي ولم يبق للشعب السوداني من خيار غير تصحيح مساره ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
عندما انقلب البشير على الديمقراطية الثالثة عام 89 19كان بوش الأب رئيساً لأميركا ثم تلاه الرئيس بيل كلينتون لفترتين رئاسيتين والبشير رئيساً، ثم أجريت انتخابات بعد 8 سنوات في أميركا ليصبح بوش الأبن رئيسا لأميركا والبشير رئيسا ثم تلاه باراك أوباما لدورتين والبشير رئيسا ثم ذهب أوباما ليأتي ترمب من بعده والبشير رئيسا ً.
إذا كان البشير لا يستحي من ذلك اعتماداًً على منطق القوة والقمع ألا يرى الشعب السوداني أن في ذلك انتهاكا لوعيه وكرامته وصورته أمام العالم ؟
*صحافي وكاتب