يقول المفكر البريطاني، جون غراي إن مسار التاريخ ليس خطيًا، أي؛ أنه لا يسير، في جملته، في خط صاعد، من الأدنى إلى الأعلى، أو من الحالة “المتخلفة” إلى الحالة “المتقدمة”، وفق ما هو سائد في فهوم الناس، منذ قرون طويلة. يرى غراي أن حركة التاريخ حركة دائرية، كحركة الفصول؛ صيفٌ، فخريفٌ، فشتاءٌ، فربيع، وهكذا دواليك. وقد أوضح غراي هذا المفهوم في كتابه الممتع، المثير للجدل، “صمت الحيوانات: حول التقدم وغيره من الخرافات الحداثية”، The Silence of Animals: On Progress and other Modern Myths. وفقًا لغراي، فإن التاريخ هو عبارة عن أحوال تتقدم، ثم لا تلبث أن تعود القهقري.
يفتح مفهوم غراي هذا، الباب واسعًا لمراجعة بعضٍ من المفاهيم الحالمة التي رسخها فكر الحداثة. فعلى سبيل المثال، حين انهارت الشيوعية ارتدت يوغسلافيا عن مفاهيم الشيوعية وأمميتها. أكثر من ذلك، ارتدت يوغسلافيا حتى عن ما يجعل الدولة القطرية دولةً متماسكة، فتحولت، عبر حروب طاحنة، إلى دويلاتٍ صغيرةٍ، أساسها الأصل العرقي. هذا يعني، ضمن ما يعني، أن تجاوز القبلية، وتجاوز الطائفية عبر ممسكات الحداثة، لا يتم، وبالضرورة، في كل سياقٍ على نسقٍ واحد. كما يعني أن القبلية لا تزال حية، رغم الايديولوجيات ورغم مفاهيم الحداثة ورغم تغير علاقات الانتاج وتقدم البنى التحتية.
يستطيع أي قائدٍ شعبويٍّ مفوّه أن يشحن الجماهير، ويقود أمةً بكاملها إلى حتفها، كما فعل هتلر. أو أن يقودها إلى قبلية عنصرية بدائية بالغة الشراسة والبربرية، كما فعل ميلوسوفيتش، أو إرجاع كل أحوال البلاد إلى قبليةٍ فجةٍ كما فعلت الانقاذ. أو إلى تعظيمٍ وتهليلٍ للتجزئة، رغم مخاطرها البيِّنة، كما طبلّت وهلّلت صحيفة “الانتباهة” للانفصال، فتبعها جمهورٌ غفير،ٌ من ضمنه رجال الحكومة أنفسهم.
سبب هذه المقدمة القصيرة المبتسرة، هو محاولتي تقديم إضاءةٍ لجدلية العقل الرعوي، والعقل الحضري المديني، وهي جدلية ذات تجلياتٍ واضحةٍ في مسار التاريخ الإنساني. وهي أوضح ما تكون في التجربة السودانية عبر القرنين المنصرمين.
جلبت الخديوية نظاما حداثيًا للسودان، ولكنه كان نظامًا غاشمًا باطشًا، ما لبث أن اقتلعته الهبة المهدوية الرعوية، التي ما لبثت، أن استحالت إلى فوضى عارمة. ثم جاء البريطانيون وأعادوا تأسيس التحديث من جديد ودفعوا به، من حيث البنى القانونية، والسياسية، والاقتصادية، إلى أفقٍ أعلى من سابقه. ولكن الاستقلال جاء بهبةٍ رعويةٍ جديدةٍ، تمحورت منذ بدايتها حول كتابة “دستور إسلامي”، لا يعرف الداعون له عنه أكثر من اسمه وصفته “الاسلامية” المزعومة. وأستهلك الجدل العقيم حول ذلك الدستور المبهم، طاقات الجميع، على مدى تجاوز الثلاث عقود من الزمان. ثم جاء الرئيس جعفر نميري، ليقفز بهذا الموضوع الذي لا علاقة له بالتنمية أو بترفيع حياة الناس، قفزةً أخرى في الظلام، أكبر من سابقاتها، فكانت قوانين سبتمبر التي أعادت حراك التحديث عقودًا إلى الوراء. بل، هيأت قوانين سبتمبر الملعب للدكتور حسن الترابي وقبيله ليأتوا بأكبر هبةٍ رعويةٍ في تاريخ السودان الحديث، من حيث تعقيد تركيبها، وأخطبوطية أذرعها، وحجم إطفائها لنور العقل والمعرفة، وإماتتها للوجدان الجمعي، فأوصلت البلاد إلى ما نراه ظاهرًا أمام أعيننا، اليوم، في كل شيءٍ.
أما من أمثلة الماضي البعيد، فيمكننا أن نذكر، أن القبائل الجرمانية الرعوية تمكنت من القضاء على الإمبراطورية الرومانية. كما قضت قبائل المغول الرعوية على الإمبراطورية الإسلامية في حقبتها العباسية. وأرهق “النوبا” السود، وفق تعريف أحمد الياس حسين، حضارة “النوبة” السمر في وادي النيل الأوسط في السودان. كما تسببوا في مشاكل لدولة أكسوم الفتية الناشئة حينها، ما جعل امبراطورها القوي، عيزانا، ينزل من هضبته، ويكتسح السهل النيلي، بـ “نوباه” السود و”نوبته” السمر، ويدق آخر مسمار في نعش تلك الحضارة الانسانية الرائدة. أيضًا، أدى تدفق الرعاة العرب، بعد ذلك بقرون، إلى تحويل السودان من بيئةٍ حضرية، مقتدرة في الفعل الحضاري، إلى بيئة رعوية. فارتدت البيئات السودانية المختلفة من بناء الحجر ذي النسق الهندسي الراقي، إلى أبنية الطين والقش. وبقيت الآثار المعمارية الباهرة للفترة الكوشية، غريبة وسط هؤلاء الذين فشا فيهم العقل الرعوي، فظلوا يظنونها، حتى وقتٍ قريبٍ جدًا، صروحًا من صنع الجن.
بنهايات القرن الخامس عشر الميلادي وبداية القرن السادس عشر، انضم الرعاة العرب الوافدون إلى السودان إلى السكان المحليين الذين فشت فيهم الرعوية، وطفقوا يناوشون الممالك المسيحية الإسلامية المستقرة حتى أضعفوها. ونجح تحالف منهم مكوّنٌ من عرب القواسمة والفونج، في تدمير مملكة علوة المسيحية، ومحو بقايا التحضر التي كانت قد استُنقذت، هونًا ما، من الغزو الأكسومي. جرت تسوية سوبا، عاصمة دولة علوة، بالأرض، وأصبح “خراب سوبا” حادثةً تاريخية يُضرب بها المثل. ولم تستفق الحضارة الكوشية السودانية العريقة، عالية النسق، من حالة فقدان الوعي، إلى يومنا هذا. وهي استفاقةٌ نأمل أن تحدث في المستقبل القريب.
أيضًا، قضى الرعاة، الذين جيشتهم الوهابية في إقليم نجد، بشعاراتٍ بالغةِ البساطةِ والسطحية، حول مفهوم التوحيد، ضد حكم الأشراف في الحجاز، وضد سلطان العثمانيين والخديويين التابعين لهم. فسيطر التدين الرعوي، حتى يومنا هذا، على الجزيرة العربية من أقصاها إلى أدناها، إلا قليلا. بل وأنتج هذا التدين الرعوي الممتزج بالسلطة الزمنية وبأموال البترول، ولا ويزال ينتج، من المهددات، من شاكلة “القاعدة” و”داعش” و”طالبان”، ما أصبح يرعب ويزلزل كيان كل إنسانٍ مشفقٍ على مستقبل الحضارة الإنسانية.
يقول المؤرخون إن التصدع الداخلي هو ما ساعد القبائل الجرمانية في القرن الخامس الميلادي على الاستيلاء على روما العاصمة، بعد قرون طويلة من الصراع المتقطع. فبنية العقل الرعوي، إنما تتسلل من ثقوب بنية الحضارة القائمة، حين تهزل الأخيرة، وتنحل قواها، فتسيطر بنية العقل الرعوي على مركزها. ويضيف المؤرخون أن من بين أسباب سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية، الفساد الذي استشرى وسط المسؤولين، وحالة اللامبالاة التي اعترت السكان، إضافةً إلى ما صاحب ذلك من تفككٍ اجتماعيٍّ كبير. ويضيف المؤرخون أيضًا، أن سنوات الإمبراطورية الرومانية الغربية الأخيرة، شهدت عزوفًا كبيرًا وسط المواطنين في الالتحاق بالجيش، ما أضطر الحكام إلى استئجار أجانب لمهام الدفاع عنها. غير أن هؤلاء الأجانب الذين جرى استئجارهم للعمل في الجيش الروماني، كانوا ضعيفي الولاء لمخدِّميهم، فهم لم يكونوا يخدمون بسبب دوافع وطنية، وإنما بسبب المال. وحين توقف تدفق المال إلى جيبوهم، تباطأوا في واجبات الدفاع عن الإمبراطورية، فسقطت. وهكذا ترتد الأمور، في منعطفاتٍ بعينها، من التقدم إلى التأخر، ومن النظام إلى اللانظام.
استخدمت الإنقاذ، مؤخرًا، مليشياتٍ قبلية، لكي تبقي على نظام حكمها. بعض هذه المليشيات محليّ، وبعضها الآخر، مستجلبٌ من أقطار الجوار. بهذه المليشيات تمكنت الإنقاذ، أو كادت، أن تقضي على حركات دارفور المسلحة. كما أخذت هذه الميلشيات تمثِّل ضغطا متزايدًا على الحركة الشعبية قطاع الشمال. لكن ما لا تعلمه الإنقاذ، هو أن هؤلاء الذين استخدمتهم في إضعاف الحركات الدارفورية، وتحاول بهم دحر الحركات المسلحة في جبال النوبة والنيل الأزرق، أخطر عليها، وعلى مستقبل وحدة القطر، من الحركات المسلحة العاملة في كل هذه المناطق.
ويمكن أن نأتي بمثالٍ شبيه للاستخدام الخطأ، للقبيل الخطأ. فقد ظن الأمريكيون، نتيجة لقصور دراساتهم المتعلقة بأحوال الشعوب، وعدم احتكاكهم بهم، أن بإمكانهم طرد الشيوعية الروسية التي زحفت على أفغانستان، عن طريق ايقاظ النزعة الدينية الجهادية وسط الشعب الأفغاني. تعاون الأمريكيون مع السعوديين، وهكذا وجد التفكير الديني الرعوي الوهابي، موطئ قدمٍ له في أفغانستان. خرج الروس من أفغانستان بسبب المقاومة الشرسة للمتدينين السلفيين من أفغان، ومما سُمي بـ “الأفغانٍ العرب”. بعثت تلك الخطة الأمريكية، غير الحصيفة، غولاً رعويًا نائمًا من ثباته، وملكته آلةً عسكرية، وخبرةً عسكرية، وكثيرًا من الأموال. فلم تستقر أفغانستان، منذ سبعينات القرن الماضي. بل أخذت هذه البنية الدينية السلفية الرعوية، تفرخ من صور الإرهاب، عبر العالم، ما جعل كلا من أمريكا وأوروبا واقفتين على أمشاط الأصابع، حتى يومنا هذا.
يمكن القول الآن، أن ما جرى للإمبراطورية الرومانية، في غابر العصور، يجري الآن في السودان، على ذات النسق، رغم الفوارق الكبيرة بين الحالتين. فأهل الانقاذ، الذين تفرقوا، مؤخرًا، شذر مذر، أضحوا بلا قدرة على التفكير السوي، أو التحليل الموضوعي. فحالة الانقاذ، وعموم الدولة السودانية الآن، أشبه ما تكون بحالة سنار، عشية الغزو الخديوي لها. فالتفكك الداخلي الذيو أصاب الدولة السنارية من الداخل، جعلها لقمةً سائغةً للقوة الأجنبية. وهكذا، كان احتلال اسماعيل بن محمد علي باشا لها، عام 1821، أشبه ما يكون بنزهةٍ عند الأصيل، على شاطئ النيل الأزرق. فقد خرج سلطان سنار في كامل قيافته وأبهته مستقبلاً الغازي الأجنبي خارج أسوار المدينة، وسلمه مفاتيح المدينة مقاليد حكم سلطنته المنخورة من الداخل، وهو مطأطئٌ رأسه.
صوّر جاي أسبولدينق حالة سنار في سنواتها الأخيرة في كتابه “عصر البطولة في سنار” فقال: “تقمصت الطبقة الوسطى الجديدة، على سبيل المثال، شخصيةً عربيةً، ومارست النظام الأبوي، وتعاملت بالنقود، ومارست في معاملاتها التجارية قوانين الشريعة الإسلامية، واستأثرت بالصدقات، واشترت العبيد، وحددت علاقات التبادل، وقيدت الرعايا الأحرار بالديون، وفرضت مفاهيمها القانونية والأيديولوجية على الحكومة، ثم طالبت بالإعفاء من كل الالتزامات تجاه الدولة، وخصّت نفسها بمجموعة متنوعة من المهام التي كانت، إلى حينها، تقوم بها الدولة أو طبقة النبلاء، وأهمها إدارة القضاء والضرائب”. (انتهى نص سبولدينق). ومن ينظر إلى هذا التوصيف الحاذق لهذا الأكاديمي الضليع، يرى، وبوضوح شديد، أن هذا هو ما جرى وظل يجري منذ أن وضع الدكتور حسن الترابي وقبيله الدولة السودانية في قبضة المنظومة الرعوية الفالتة والعقل الرعوي الذي بعثوه.
بنية العقل الرعوي التي رعاها الإسلاميون، هي التي أخرجتهم من الحكم واحدًا تلو الآخر. وهكذا أصبحت مقاليد الأمور في يد قلّةٍ قليلة تدير البلاد أمنيًا، ساندةً ظهرها إلى أخطبوطٍ رعويٍّ نفعي، سبق أن ناصر كل الأنظمة، على اختلافها منذ الاستقلال، وحال بينها جميعًا، وبين أن تعمل عملاً نافعا. الآن، تحولت الدولة السودانية، إلى مجرد دولة جبايات. فأرهقت كاهل الرعايا بالأتاوات، وأسرفت في تقييدهم بالديون. بل سلبتهم أهمَّ مقومات حياتهم، التي عاشوا عليها منذ الأزل، وهي الأرض. فما يسمى “المجلس الوطني”، وما تسمى “الجمعيات الخيرية”، وأعني هنا تحديدًا، من تحمل منها صفة “الإسلامية”، وما يسمى “المحليات”، وما تعج به الحواري والدساكر مما يسمى “لجان شعبية”، وما تعج به المكاتب الحكومية من امبراطوريات صغيرة للرشوة والفساد، ليست، في مجموعها، سوى “تمددات انقاذية” لبنية العقل الرعوي الذي نخر بنية الدولة الحديثة وحولها إلى حيازاتٍ خاصة، فأضحت الدولة مجرد قوقعةٍ فارغة. يأكل هذا الأخطبوط الرعوي أموال الدولة، وأموال الناس في آنٍ معا. وما الحديث الكثير الذي دار، قبل فترةٍ، حول “أورنيك 15″، سوى محاولة بائسةٍ يائسةٍ، لا نفع منها، لضبط هذا الأخطبوط الرعوي الذي لبس جسد الدولة بأكمله وأحاله إلى قوقعة فارغة، مثلما فعل بسابقتها دولة سنار. يأكل العقل الرعوي الدولة، والنظام، وحكم القانون، ويقضي على الرؤية والهدف، كما يأكل السوس الجذوع. ودونكم مقدمة أبن خلدون في أحوال الغابرين المماثلة، من خلق الله.
مثلما سقطت سنار تحت ضغط ثقلها الذاتي، سيسقط حكم الإنقاذيين، تحت ضغط ثقله الذاتي، أيضًا. والسؤال الذي يشغلني، كما سبق أن أبنت، لا يتعلق بكيفية اسقاطه، فسقوطه، في نظري، حتمي. السؤال المهم في نظري: في أيدي من سيسقط؟ وهل سيعقب سقوطه استقرار، أم فوضى ما لها من قرار؟ من يفكرون في أن كل العلة إنما تكمن في الحكومة، لا غير، لا يعرفون شيئا؛ لا في علم السياسة، ولا في علم الاجتماع. فهم مندفعون، ولا يختلفون في اندفاعهم، من هؤلاء الرعاة الذين حكمونا منذ ما يقارب الثلاثين عامًا، فـأحالوا كل شيءٍ إلى رماد.
إن الثورة الحقيقية هي الثورة التي تقف ضد الحاكم، كما تقف ضد الثائر الذي يجهل العلل البنيوية التي تعاني منها ذاته، وثقافته. فالثائر الجاهل يندفع منطلقًا من مجرد الاحساس بالظلم، مكتسبًا من هذا الإحساس، أحقيةً وسلطة أخلاقية زائفة، تجعله يطالب بالتغيير، حتى لو لم يعرف ما هو التغيير في حقيقته، ولا كيف يكون. هذا الاحساس العاطفي غير الناضج، يمنع الثائر من رؤية اشكالاته، واشكالات ثقافته، ومجتمعه، لينشغل بفعل الثورة أو الانتفاض، أو الانقلاب العسكري، ظانًا أن في ذلك كل الخلاص. لكن، بمثل هذه العقلية المتعجلة، يعيد العقل الرعوي انتاج ذاته، على نحو أسوأ. ويتمخض فعل التغيير لديه عن مجرد هباءٍ تذروه الرياح.
إعادة العقل الرعوي انتاج نفسه عبر فعل الثورة، هو بالضبط ما قام به الإخوان المسلمون، حين قاموا بانقلابهم في يونيو 1989. سموا انقلابهم “ثورة”، بل وسموها، “ثورة انقاذ”. لم ينتبهوا إلى أنهم التصقوا في دوافع فعلتهم تلك، بالدين التصاقًا رعويًا فجًا، أخفوا به عن أنفسهم العلل البنيوية التي تحيط بفكرهم وبممارساتهم. مطوا قاماتهم الأخلاقية القزمة، استنادًا على تعاليم الدين، وعلى التماهي الوهمي مع نماذج الممجدين من السلف الصالح، وليس اعتمادًا على معرفةٍ عميقةٍ راسخةٍ، أو كسبٍ أخلاقي حقيقي. هذا الادعاء الأجوف، هو ما فضحته تجربتهم العملية لاحقًا، فأخذوا يشيرون إلى بعضهم حين ينتقدون تجربتهم، بـ “الجماعة ديل”. لا غرابة أن انصرف الإخوان المسلمون، لحظة امساكهم بالسلطة، إلى محاولة “تربية الناس” وصبهم في ما يرونه قالبا للفضيلة. هذا على الرغم من أنهم لم يكونوا يملكون من محصول المعرفة ومحصول التربية شروى نقير.
خلاصة القول، إن الرعوية يمكن أن تكون دينية، كما يمكن، أيضًا، أن تكون علمانية. فمن يدعون إلى الثورة، من العلمانيين، ضيقًا برعوية الإسلاميين، يمطون قاماتهم بغير حق، ويلبسون أنفسهم، زيفًا، لبوس النقاء والتجرد، ويركبون صهوات خيل عالية، متقمصين السلطة الأخلاقية بلا تأهيل حقيقي. هؤلاء لا يدرون أنهم يقومون بذات الفعل الرعوي، الذي قام به الإسلاميون حين قاموا بانقلابهم. فالواجب المباشر لديهم هو اشعال الثورة، وشعارهم: “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”. من يرفع عقيرته بالأسئلة وبضرورة المدارسة، وفحص السياق القائم فحصًا دقيقًا، والتريث، يجري اتهامه بافتعال الحيرة، بل ربما يجري تخوينه، ودمغه بأرذل الصفات. وهكذا يشترك بعض العلمانيين مع بعض المتدينين في إعادة انتاج العقل الرعوي، بالإعلاء من شأن الشحن العاطفي، والتبسيط البئيس، و”الكلفتة”.