عشية الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف اليوم، الثالث من مايو ( آيار 2017) كشفت ” مراسلون بلا حدود”، وهي منظمة دولية، ترصد أوضاع وانتهاكات حقوق الانسان في العالم، أوضاعا خطيرة تواجهها الصحافة، ورغم أن التقرير فضح دولا تنتهك حقوق الصحافيين، فانه لم يكن مثيرا للدهشة، لدى من يراقبون أوضاع الصحافة في العالم العربي وخصوصا السودان .
المنظمة أفلحت في وصف سارقي الكلمة الحرة، وقال إنهم ” صيادو” الحرية، وما أروع هذا التعبير” اللطمة”، إذ حظي الصياد ” السوداني “الماهر” في اصطياده لـ”عصافير” الحرية، بمكانة لافتة في تقارير المنظمات المعنية بحقوق الصحافة ، وحق التعبير بشكل عام، ومن أهمها ” مراسلون بلا حدود”.
ارتكب النظام السوداني-الذي يتشدق مسؤولوه بأنهم أشاعوا أجواء الحوار والحرية، ووضعوا لبنات ” الوفاق الوطني” عبر حوار لم يلتزموا بتوصياته – انتهاكات صارخة لحقوق الصحافيين، وسجل اسمه بحروف من ” نور” في تقارير منظمات صحافية وحقوقية.
الأدلة على ممارسات وجرائم ” نظام الإنقاذ،” (وهي الصفة التي أطلقها الانقلابيون في 30 يونيو 1989 على نظامهم، الذي أطاح حكومة ديمقراطية منتخبة) التي ارتكبها بحق الصحافيين من الجنسين يصعب حصرها، فهو على سبيل المثال فصل صحافيين واعتقل وشرد وسلب لقمة العيش الكريم، ومنع صحافيين وكتابا وسياسيين من الكتابة والسفر، وفرض على مدى سنوات رقابة ” قبلية”( بفتح القاف وكسر اللام) ( أي رقابة يراجع فيها الرقيب من جهاز الأمن والمخابرات ما يكتبه الصحافيون قبل النشر)، وشملت الإجراءات التعسفية مصادرة صحف بعد طباعتها، لتكبيدها خسائر ” لتأديب” أصحابها وصحافييها.
هذا على سبيل المثال يكشف زيف ادعاءات النظام في الخرطوم، بشأن التزامه نهج الحوار، وسعيه الى وفاق شامل، وحرصه على إشاعة الحرية، لأن المناخ الصحافي والسياسي في السودان يسوده الخوف والقمع، ولأن الكلمة هي المحك الذي يكشف الادعاءات، فان منع أي صحافي أو سياسي من السفر خارج السودان، وحرمان السياسيين من مخاطبة جماهيرهم في ندوات عامة، يؤشر الى أن القبضة الأمنية الباطشة هي التي تحكم سلوكيات النظام مع بنات و أبناء شعبه، وهذا معناه أن النظام غارق في الديكتاتورية حتى اذنيه.
هذا يعني أيضا أن هناك غيابا حقيقيا لارادة سياسية تحقق متطلبات الانفراج السياسي، وفي صدارتها مناخ الحرية والعدالة والمساواة بين الناس، ما يعني أن أي تغيير للحقائب الوزارية ولوجوه من يشغلونها من وقت لآخر (كما تجري الترتيبات الآن) ، لم ولن يؤدي الى نقلة نوعية في حياة الناس، لأن فلسفة النظام حتى الآن تلعب على وتر توزيع الوظائف لمن يلهث وراءها، وشق صفوف القوى السياسية، امعانا في تمزيقها، و النتيجة الكارثية من دون أدنى شك تنعكس سلبا على صدقية النظام، الذي يلهث وراء الشرعية، لكن اللافت أنه بات أيضا في حيرة من تكاثر اللاهثين وراء المناصب، والساعين الى الجلوس على الكرسي الساخن!
اليوم العالمي لحرية الصحافة، يشكل مناسبة مهمة، ندعو فيها النظام الى مراجعة خطاه، واتخاذ خطوات عملية تشيع الحرية، وتضع حدا لمطاردة الصحافيين في الداخل والخارج، وهنا في صحيفة” التحرير” نحيي صمود زميلاتنا وزملائنا الصحافيين السودانيين، وندعو الى مناصرتهم، وتمكينهم من أداء دورهم الريادي، وهو دور لا ينحصر فقط في اطار حقهم المشروع في التعبير بالكلمة الحرة، بل يشمل ضرورة تمكين الإعلاميين في وسائل الاعلام المختلفة من أداء أعمالهم في مناخ مهني حر، يوفر حق الحصول على المعلومات بالقانون، وهذا لن يتأتي الا بإيجاد مظلة تشريعية، تحمي الصحافة والصحافيين من ” صيادي” الحرية، وقد ذكرت ” مراسلون بلا حدود” أن الرئيس عمر البشير هو من أبرز “صيادي” الحرية في العالم، و” نتمنى” أن يقرر الرئيس الخروج بنفسه وبلده من هذا ” التصنيف”، الذي لا يشبه تاريخ السودانيين، المعروفين بمناصرتهم للحرية والديمقراطية..
في هذا السياق نحيي شبكة الصحافيين السودانيين التي تضطلع بجدارة مع منظمات حقوقية سودانية أخرى بمهمة الدفاع عن حقوق الصحافيين والسودانيين، وتكشف – رغم قسوة الظروف- ما يتعرضون له من مظالم وانتهاكات، إننا في ” التحرير” نحيي وعي وثبات من رفعوا مشاعل الحرية والعدالة من زميلاتنا وزملائنا، ومن القانونيين والسياسيين وعامة الناس، ونشيد بدفاعهم المستمر، المستميت عن حقوق الصحافيين والمواطنين كافة، وندعو المنظمات الإقليمية والدولية، والدول التي تحترم حقوق الانسان الى مناصرة الصحافي السوداني ” المقهور”، ودعمه، وعدم الانسياق وراء أساليب النظام القمعي التي تستهدف تشريد صحافيين يعملون في دول عربية، وخصوصا في الخليج.
وهاهو الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يدعو في يوم الصحافة العالمي الى وضع حد لجميع أعمال العنف ضد الصحافيين، نقول له ” بارك الله فيك”، و” كتر خيرك”، لكننا نتطلع الى أن تضع أوضاع الصحافيين السودانيين – أينما كانوا- في صدارة أولوياتك، كي يكتسب اليوم العالمي لحرية الصحافة أبعادا حيوية، تخرجه من دائرة ” التصريحات” الموسمية الممجوج.