يواصل الكاتب المغربي الفرنسي الطاهر بن جلون الكتابة في القضايا الشائكة التي من شأنها مساعدة الآباء والكبار عموما في تبسيط الأشياء للأبناء بلغة قريبة من فهمم، تسمح لهم باستيعاب ما يدور حولهم دون أن يكون لذلك آثار جانبية عليهم.
فبعد كتابه “العنصرية كما شرحتها لابنتي” في 1998 و”الإسلام كما شرحته لابنتي” في 2002، يواصل صاحب رواية “ليلة القدر”، المقيم في فرنسا، الكتابة في هذا السياق، ويصدر كتابا جديدا عن دار النشر “لو سوي” بعنوان “الإرهاب كما نشرحه لأطفالنا”.
الكتاب عبارة عن رسائل قوية فككها الكاتب مع محاورته الكثير من التساؤلات التي يمكن أن تخترق تفكير أي طفل، وحاول من خلال الإجابة عليها في حديثه مع ابنته، تقديم الوصفات التي يراها مناسبة في الرد على أسئلة الصغار مهما بلغت حدتها.
هدف الإرهابيين وطريقة مواجهتهم
وينطلق في تفسيره للإرهاب من فعل إجرامي يرمي إلى إلحاق الأذى بالآخرين بدءا بخطف الرهائن وما يلحق ذلك من عمليات إجرامية، يكون الهدف منها، بحسب تفسيره، ضغط الإرهابيين على الحكومات للاستجابة لمطالبهم.
ويشدد بن جلون في حواره مع ابنته كثيرا على سعي الإرهابيين إلى زرع الخوف والرعب في المجتمع المستهدف، ونشر نوع من الشعور بالشك في الآخر من قبل المواطن الأوروبي، مشيرا إلى أن المسلمين هم أول ضحية لواقع من هذا القبيل.
ويستطرد في نفس الإطار أنه لا يمكن مواجهة الرعب بالرعب، “فرنسا مثلا دولة قانون”، ولا يمكنها أن تدوس على القانون لمواجهة أناس لا يؤمنون به، معتبرا أن بلوغ الأمر لهذا المستوى يحيلنا إلى قانون الغاب.
وأفهم ابنته في محاولة منه لإقناعها برؤيته أن دولة القانون لها طريقتها في مواجهة هذه الإشكالات الكبرى، وإن كان الأمر “صعبا”، فهي تعتمد على “الاستخبارات والمراقبة واليقظة والوقاية”، ولا يمكن بأي من حال من الأحوال أن تساير جماعة أو مجموعة إهاربية في أعمالها الهمجية.
الموت في قاموس الإرهابيين
ويقول بن جلون لابنته إن الإرهاب هو “تنفيذ علميات” إجرامية و”ليس فكرا” في حد ذاته، ويحصر أعمار الأشخاص الذين يقعون فريسة الجماعات الإرهابية بين 15 و25 عاما، وهم عادة من الشباب الأوروبي ذي الأصول العربية، تتوفر فيهم مواصفات معينة تسهل على الجماعات المتشددة تجنيدهم.
ويشخص بن جلون وضعهم النفسي بكونه غير سليم، “أناس لم يعد هناك أي معنى لحياتهم، وأصبحوا يبحثون عن معنى لموتهم”، احتواهم خطاب المجندين، وصاروا يعتقدون أن “الجنة” على مرمى حجر منهم، و”الموت هو وسيلة النقل” الوحيدة و”بأسرع وقت” لهذه الوجهة.
كما أنه يربط ارتماءهم في أحضان التطرف بالحرمان الذي يعيشه جيل من الشباب العربي سواء في أوروبا أو في الدول الأم، وهم بذلك، يفسر بن جلون، يجدون ضالتهم في التطرف، وينظرون إليه كـ”ترقي اجتماعي” يشعرون من خلاله بوجودهم. ويعتقدون أنهم استدركوا إخفاقاتهم في الحياة من “فشل دراسي، مهني، عائلي”، وصاروا يخدمون الإسلام”.
سر التحاق الفتيات بالجهاديين
يظل التحاق الفتيات بالجهاديين مسألة “غريبة” بالنسبة لبن جلون، ففي سؤال لابنته حول السر في توجه فتيات إلى الجهاد رغم تشييئهم للمرأة وإذلالها، أجاب بن جلون لأنهم “لا يقولون لهن كل الحقيقة”، وأشار للدعاية الإعلامية الجهنمية عبر الإنترنت التي يقوم بها تنظيم “الدولة الإسلامية” لاستقطاب شباب وشابات جدد.
خطورة الإرهابيين
ولا تقتصر خطورة الجهاديين على الفعل الاستقطابي لحشود من الشباب من الجنسين، بل أنهم قادرون على الضرب في أي لحظة، وأخطرهم العائدون من ميادين الحرب في سوريا والعراق، بحسب الروائي الفرنسي المغربي. واعترف لابنته أنه لا يمكن وضع بورتريه معين للإرهابي، وبالتالي فهو بإمكانه أن يلحق الأذى بالآخرين دون اعتبار للزمان.
ويذكر بن جلون أن الإرهاب ضرب في باريس كما في مراكش وواغادودغو وبغداد وغيرها، والخطير في الأمر أنه، يوضح الكاتب، “غير مرئي” ويصعب في الكثير من الحالات التكهن بتوقيت أو مكان تنفيذ عملياته الإجرامية.
ويعود بن جلون ليؤكد لابنته صعوبة التصدي لدعايته الخطيرة عبر الإنترنت، ويوضح أيضا أن الإرهاب غير مرتبط بالإسلام فقط، وكان حاضرا في التاريخ الحديث في ثقافات وديانات أخرى في الغرب كذلك.
يتوقف الكاتب عند استغلال الجهاديين لآيات بعينها في القيام باعتداءاتهم، موضحا أنها آيات لها أسباب نزولها وترتبط بمرحلة محددة في تاريخ الإسلام، فيما يقفزون على الآيات التي تحمل رسائل كونية بينها تلك التي تقول: “من قتل نفس بغير نفس كأنما قتل الناس جميعا”.
الإصلاح الديني في الدول الإسلامية
لا يكتفي بتبسيط ماهية الإرهاب وآلياته والطرق المستخدمة من قبل الدول الديمقراطية في مواجهته، وإنما انتقد بن جلون بطريقة مبطنة دساتير البلدان العربية التي لا تنص على حرية المعتقد والمساواة بين الرجل والمرأة، والدور السلبي الذي لعبه حزب العدالة والتنمية في المغرب بهذا الخصوص عند تحضير الدستور الجديد، فيما أشاد في حديثه لابنته بنظيره التونسي الذي يضمن الجانبين.
ولا يخفي صاحب كتاب “الإسلام كما شرحته لابنتي” الحاجة الملحة في قراءة النص القرآني بعين العصر. ويشير في هذا السياق لمحاولات سابقة لشخصيات معروفة وتحديدا محمد عبدو في مصر 1849-1905 وجمال الدين الافغاني 1838-1897، وكلاهما يقول بن جلون حاولا “تحرير النص الديني”.
ويقدم الكاتب المغربي الفرنسي العديد من النصائح في آخر الكتاب لابنته، تنسجم مع انتمائها للبلدين، وتتناغم مع المبادئ الكونية، فأوصاها بالالتزام بقيم الاحترام والتسامح، وبالاجتهاد في الدراسة، بالمطالعة، الذهاب للمسرح، السفر، والتحلي بالفضول في اكتشاف الاخرين، مؤكدا أن “الثقافة هي وحدها القادرة على هزم أفكار الإرهاب مهما كان مصدرها”.