منذ فجر التاريخ تشرفت مصر بأنها كانت ملاذاً للمستجيرين واللاجئين، فقد آوى إليها الأنبياء، ولجأ إليها الملوك والأمراء، واحتضنت الثوار والمفكرين وعامة الناس. فلا عجب أن يكرم الله مصر في محكم آياته بقوله تعالى «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» ، ولا يملك أحد خارج مصر أو داخلها أن يتجرأ على هذه السنة، فهذا عهد وضمانة رفعت معها الأقلام وجفت الصحف، فقد خلقت أرض الكنانة لهذا، وتم تشريفها في القرآن العظيم بذلك.
وعلى من يريدون من مصر القيام بغير ذلك أن يدركوا أن دولاب السياسة والحياة دوار، وأن الأيام دول، فكم من الملوك والأمراء والحكام، ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ولم يجدوا إلا في مصر متسعاً ومستقراً وأمناً، وليس شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي عنا ببعيد، فقد وقفت مصر وقتها عكس التيار بعد أن جبنت العواصم الكبرى عن استقباله، وفتح الرئيس الراحل أنور السادات أبواب مصر لطائرة الشاه، التي كانت تجوب السماوات لا تجد مطاراً واحداً يسمح لها بالهبوط.
إن التاريخ زاخر بمواقف كثيرة أجارت فيها مصر الناس من كل الأجناس. أقول هذا الكلام بمناسبة تصريحات مسئولين سودانيين عن قوائم لمواطنين سودانيين معارضين يريدون من مصر تسليمهم، كيف ذلك وأرض الكنانة كانت ومازالت وستبقى ملاذاً للجميع، فالحفاظ على العهد الرباني «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» هو واجب مقدس، يتجاوز الأجندات والمناورات السياسية، وهو تشريف من عند الله لمصر يجب عدم المساس أو التفريط فيه مهما تكن المواقف، إن إجارة أشقائنا من السودان وغير السودان هو واجب والتزام يجب ألا تتخلى مصر عنه مهما تكن الظروف والمعطيات.
*نائبة رئيس تحرير ” الأهرام”
( المقال نشرته صحيفة “الأهرام” وتنشره ” التحرير” بموافقة الكاتبة)