أثير حول مخرجات اجتماع (قوى نداء السودان) الأخير غبار كثيف، و سودت صحائف، و قامت ثورة إسفيرية عارمة مردّها فهم مشوه لمنطوق الاعلان الدستوري، و موقف شخصي أو مبدئي من السيد الصادق المهدي. و لست هنا بصدد الدفاع عن السيد الصادق المهدي، فهو و حزبه أقدر على الدفاع عن أنفسهم، أو الردّ على التنظيمات التي ليس لها نصيب في الحرب على النظام إلا بيانات إدانة المعارضة، و لا على الذين شطحوا في انتقاد قادة الحركات المسلحة بلغة أساءت إليهم من حيث أرادوا الإساءة إلى غيرهم، و لا على أصحاب الغرض الذين يخدمون أجندة النظام بعلم أو بغير علم، و إنما يهدف هذا المقال القصير إلى توضيح الحقائق لأعداء النظام الحقيقيين من القابضين على الزناد، و المعارضين الصادقين الذين يواجهون النظام بكل شراسة و جلد، و يتحمّلون في سبيل ذلك صنوف العذاب في زنازين النظام بثبات يحسدون عليه، و الشباب السوداني المتطلّع للتغيير الذي طال انتظاره، و لأصحاب المقاصد الحسنة الذين التبس عليهم الأمر. لهؤلاء وأولئك الحق الكامل في نقد قرارات نداء السودان، و الوقوف في وجهها قبل أو بعد أن يقوم متخذو هذه القرارات بتبيان أسبابها و دوافعها. لهؤلاء جميعاً أقدّم التوضيحات التالية:
أولاً: الاعلان الدستوري:-
إذا تركنا ما أحدثه أهل الغرض من تشويش متعمد جانباً، فلربما كان هناك عيب في الصياغة أو في سبك الاعلان الدستوري، تسبب في طرف من اللبس الذي حدث في قراءته، و للناس في ذلك العتبى حتى يرضون. و لكن خلاصة ما قال به الاعلان الدستوري أو قصده، هو أن تحالف قوى نداء السودان تحالف يعتمد الوسائل السياسية السلمية في سعيه الدؤوب لتغيير النظام، و لا علاقة له بالعمل العسكري. و ليس في هذا الإقرار من غرابة أو جديد يستحق كل هذه الجلبة لو أعطينا أنفسنا فسحة من الزمان لإعادة قراءة الحقائق التالية:
مبدأ التحالف قائم على اجتماع التنظيمات المتحالفة على ما يتفق عليه من مبادئ و برامج و وسائل، على أن يعذر بعضها بعضاً فيما يختلفون فيه. ولا يشترط في التحالفات تذويب التنظيمات المتحالفة في تنظيم واحد، أو إجبارها على التنازل عن رؤاها و قناعاتها. وانطلاقاً من هذا المبدأ، تعمل التنظيمات المتحالفة معاً فيما تفق فيه، و لكل تنظيم منها الحق في القيام بما يراه لازماً لتحقيق أهدافه بالوسائل التي يرتضيها، و التي لا يجب أن تكون بالضرورة مطابقة لوسائل التحال. الواجب معرفته هنا هو، أن هذا التنظيم لا يملك أن يحمل التنظيمات الأخرى على تبنّي وسيلته الخاصة للتغيير، و لا أن يلزمها بنتائج استخدام هذه الوسيلة.
ما سبق أن قال تحالف قوى نداء السودان بغير أنه تحالف يسعى لتغيير النظام بالطرق السلمية. و دونكم ميثاق تأسيسه و سائر أدبياته. والاعلان الدستوري تأكيد لهذا الموقف اقتضته ضرورات التذكير و الهيكلة.
الخيار الأول الثابت في كل وثائق المعارضة المسلحة وغير المسلحة، هو الحل السلمي العادل الشامل المتفاوض عليه. وبالتالي ما المشاحة أو الغضاضة في أن تتحالف القوى المسلحة مع قوى مدنية تسعى لإحداث التغيير بخيارها الأول، دون أن تجبرها هذه القوى على التخلّي عن خياراتها الأخرى بما فيها خيار الحرب، و هو خيار مفضول و مفروض على حملة السلاح؟!
لم يطالب الاعلان الدستوري القوى المسلحة المنضوية تحت لواء تحالف نداء السودان برمي السلاح واسقاط خيار الحرب كما فهمه البعض خطأً. وإنما زبدة ما قاله الاعلان الدستوري هو أن ما تقوم به قوى نداء السودان مجتمعة، عمل سياسيّ سلميّ لا علاقة له بخيار الحرب. وهي الحقيقة التي لم يحد عنها التحالف منذ قيامه.
من حق الأجسام المدنية في قوى نداء السودان أن تحمي نفسها من تبعات العمل المسلح لأنها ليست طرفاً فيه. كما أن من واجب القوى المسلحة السعي إلى تجنيب رفاقها المدنيين في قوى نداء السودان تبعات عملها العسكري، والأصل في الشرع ألا تزر وازرة وزر أخرى.
لم تتخذ القوى المسلحة في نداء السودان قراراً بهجران الكفاح المسلح، وليس في نيّتها فعل ذلك إلى أن يرضخ النظام و يستجيب لمطالب الشعب العادلة. ولكنها إن وجدت سبيلاً لرد الحقوق و رفع المظالم التاريخية باتفاق سلام عادل و شامل، فلن تتردد في الأخذ بخيار السلام، لأن الحل بالأيدي مقدّم عندها على الحل بالأسنان. الرافض لخيار السلام والذي دفع الناس دفعاً لخيار الحرب هو النظام، و هو المتسبب في استمرار نزيف الدم في طول الوطن و عرضه.
أما للذين لم يرضهمً اختيار قوى نداء السودان السيد الصادق المهدي رئيساً للمجلس الرئاسي لتحالفها فأقول:
أبان الاعلان الدستوري بجلاء أن المجلس الرئاسي جسم سيادي يتخذ قراراته بصورة جماعية، و ينوب عن المجلس القيادي في غيابه في رسم السياسيات و متابعة عمل جهاز التحالف التنفيذي. وبالتالي ليس لرئيس هذا الجسم سلطات ينفرد بها، كما أنه ليس معنياً بالجانب التنفيذي اليومي من عمل النداء إلا في حدود المتابعة و التوجيه.
تولى السيد الصادق المهدي رئاسة جلسات تحالف قوى نداء السودان منذ قيامه بحكم سنّه، و خبرته، و قدرته على التوفيق بين قوى جاءت من خلفيات و منطلقات مختلفة. و ما كان متوقّعاً من مكونات قوى نداء السودان أن تتنكّر لقيم مجتمعها في توقير الكبير و وضعه في المكان الذي يليق به. و شهادة للتاريخ و إحقاقاً للحق أقول: أن للسيد الصادق المهدي دور كبير في الحفاظ على وحدة تحالف قوى نداء السودان. و أنه لم يسع في يوم من الأيام إلى تسنم قيادة التحالف صراحة أو إيماءً. ما حدث على النقيض من ذلك تماماً. رفض القيادة و نفر منها و لكنه حُمل عليها حملاً.
تعمل التحالفات بقانون التوافق. ولم يكن من الممكن التوافق على الهيكل التنظيمي و ملأ مواقعه المهمة، إلا بالترتيب الذي خرج به الاجتماع. و كان التحالف بين خيار أن يتفق المجتمعون على هيكل و أشخاص يتولون مواقعه القيادية، أو أن يبقى التحالف بغير قيادة أو مسئولية أو عنوان. ولا يتناطح عنزان في رجاحة الخيار الأول.
مقابل رئاسة السيد الصادق للمجلس الرئاسي، انتخب السيد مني أركو مناوي رئيس الجبهة الثورية السودانية أميناً عاماً لتحالف قوى نداء السودان، ويعاونه في أداء مهامه نائبان من القوى الأخرى. والأمين العام هو رئيس الجهاز التنفيذي للتحالف و هو بمثابة رئيس وزراء حكومة الظل. و في هذا الاختيار رمزية و تقدير معتبر لنضالات قوى الهامش في مقاومة النظام، و إشارة إلى استعداد قوى المركز للقبول برئيس للوزراء من خارج الدائرة المألوفة.
توافقت قوى نداء السودان على اتباع الوسائل السلمية للتغيير وفي مقدمتها الانتفاضة الشعبية. كما توافقت على التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع عند حدوث التغيير. فإن كان الذين انتقدوا مخرجات اجتماع قوى نداء السودان الأخير يرتضون الديموقراطية منهجاً للحكم، فليتعاونوا معنا لإسقاط النظام أولاً لأنه العدو الأول للشعب؛ و وحدة المقاومة واجب لا يتم واجب إسقاط النظام إلا به. ثمّ من بعد ذلك، نفسح المجال للشعب السوداني ليقول كلمته الحرة في القيادات والأحزاب و برامجها السياسية، و يختار من يريد لقيادته.
أخيراً، أقول للشباب المتطلع للتغيير الشامل بما في ذلك الشخوص: البلد بلدكم، و المستقبل ملككم، و لكن لن تأتيكم القيادة بالتمني أو منحة من أحد. تأتي القيادة طوعاً ومهرولة بالتضحية و الكسب و العطاء و المبادأة. فخذوا بالأسباب، وجدّوا في السعي، تحصدون ثمار جهدكم.
*رئيس حركة العدل والمساواة السودانية