الخرطوم – التحرير:
شهدت البلاد إبان تصاعد موجة الاحتجاجات على ميزانية الحكومة للعام 2018م، التي كان وقعها كارثياً على المواطن. جملة من الاعتقالات نفذتها الأجهزة الأمنية بحق قادة القوى السياسية وجماهير الشعب السوداني التي خرجت ضد الميزانية وضد الغلاء، فتسارعت المطالبات والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات، بل حتى الإضراب عن الطعام من أجل إطلاق سراح المعتقلين، الذين تفاوتت مدة اعتقالهم ما بين الشهر والشهرين والثلاثة أشهر، حتى جاء الخروج الأخير لمن تبقى منهم بالمعتقلات، والذي وإن قوبل بترحيب كبير من ذوي المعتقلين والأحزاب السياسية، إلا أن السؤال الكبير الذي يفرض نفسه بقوة الآن هو: هل ستؤدي هذه الخطوة إلى المزيد من الانفتاح بين الحكومة والقوى السياسية خصوصاً المعارضة منها بشأن الحريات والمزيد من الانفتاح ناحية تلك القوى، أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد مساع تكتيكية يقوم بها النظام، ومن ثم يعود مرة أخرى إلى ممارسة النهج ذات القائم على الاعتقال في مواجهة اعتراضات الأحزاب على سياساته .
خبر إطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذي حملته مختلف المواقع الإخبارية ووكالات الأنباء المحلية والاقليمية وجد صدى كبيراً، خصوصاً أن موجة الاعتقالات تلك جاءت بعد خروج كبير لقوى المعارضة وقواعدها ضد ما اسمتها ميزانية الفقر والجوع، والتي تطورت للمطالبة برحيل النظام نفسه، للفشل المتراكم الذي صاحب سياساته الاقتصادية، وطريقته في إدارة شؤون البلاد بصورة عامة، وهذا ما أفرز ذلك الواقع الذي يصفه كثيرون بالمأساوي، من انتشار للفقر والمرض واتساع دائرة الحروب في الأطراف، وتوالي الأزمات التي اثقلت كاهل المواطنين.
ويرى مراقبون أن الاحتجاجات التي انطلقت في يناير واستمرت حتى فبراير بتنظيم من القوى المعارضة شكلت واحدة من تداعيات الأزمة الكلية بالبلاد، حتى وإن جوبهت بالقمع، إلا أنها كانت معبرة عن السخط العام على سياسات النظام.
ومع أن الاعتقال طال مجموعات كبيرة من قادة الأحزاب المعارضة والمواطنين، إلا أن إطلاق سراحهم على دفعات كان هو التكتيك الذي استخدمته الأجهزة الأمنية لضمان عدم تكرار الحراك الذي قامت به تلك القوى مؤخراً، وقد شهدت الأيام الأولى التي أعقبت احتجاجات أواخر يناير اعتقال بعض المشاركين فيها، ومن ثم كان إطلاق سراح بعضهم، اتبعتها الحكومة بالإفراج عن بعض المعتقلين في فبراير المنصرم بعد الاحتجاجات المماثلة التي شهدتها بداياته، ثم ما تلا ذلك من إطلاق سراح للمعتقلين في العاشر من أبريل الجاري.
التجاني مصطفى
رئيس حزب البعث العربي الاشتراكي التجاني مصطفى رأى في حديثه لـ( التحرير) “أن الخطوة في حد ذاتها قد تأخرت بعض الوقت”، واستدرك قائلاً: “على الرغم من ذلك نحن سعداء بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين”، وعبر التجاني عن أمنياته ألا يعقب خروج المعتقلين اعتقال آخر لقادة الحركة السياسية، منوهاً بأن هذه الخطوة لكي تكون مؤثرة وإيجابية وتشير إلى وجود اتجاه لتغيير القوانين المتحكمة في الحركة السياسية، كان من المفترض أن تسبقها خطوات أخرى تؤكد أن أبواب الحرية في طريقها للانفتاح، وقال: “إن مجرد إطلاق سراح المعتقلين لا يعني أنه سيكون مؤشراً لخطوات إيجابية جديدة، وطالما أن القوانين المقيدة للحريات مازالت موجودة وسيف الاعتقال مسلطاً على رقاب المناضلين، فإن هذا يعني أنه سرعان ما ستنفتح أبواب السجون مرة أخرى للاعتقال”.
برمة ناصر
وأكد نائب رئيس حزب الأمة القومي اللواء فضل الله برمة ناصر في قراءته لـ(التحرير) “عدم وجود أي أسباب جوهرية للاعتقالات الأخيرة، بحسبان أن خروج المحتجين على الميزانية التي جاءت وبالاً على المواطنين كان خروجاً سلمياً لا يتعارض مع الدستور”، وعلى الرغم من ترحيبه بخطوة إطلاق سراح المعتقلين إلا أنه تسائل عن: “ماهية الهدف منها؟، وما الوسائل المطلوبة والرؤية الجديدة لمعالجة مشكلات البلاد التي ما زالت موجودة وقائمة” بحسب تعبيره.
ونادى في الوقت ذاته بضرورة توفير الحريات لكي يعبر الجميع عن إرادتهم، وتمنى برمة أن تكون الخطوة هي بداية لصفحة جديدة لمعالجة القضايا الأساسية، وأشار إلى “أن القضية ليست في إطلاق سراح المعتقلين فقط، وإنما في بحث الأسباب التي أدت إلى احتجاجهم، ومن ثم اعتقالهم، بوصف أن القضية إذا لم تحل فسوف تتكرر ذات المشكلات، وتعود حملة الإعتقالات ويقبع الجميع في المربع الأول ذاته”.