ليست صفوف البنزين هي التي تحيِّرني، ولا صفوف الخبز، ولا صفوف البنوك والفول والعصيدة.. ولا المواصلات.. ولا حتي الفساد الذي أصبح في كل مكان يحيرني، ولا الكذب علي الناس، ولا بيانات البنك المركزي، ولا أخبار بواخر البترول المتضاربة والمتناقضة والكاذبة، ولا بيانات القيادة العامة بشأن قواتنا باليمن، ولا تصريحات الشرطة بشـــأن قضايا الاغتصاب والمختطفين،، ولا حتى كل الضائقة المعيشية التي ما نجا منها من أحد تحيِّرُني!
ما يحيِّرُني فعلاً وحقاً هو الصمت.. هذا الصمت المُطبِق.. هذا الصمت المخيف المخزي والمُذِل!
صمتٌ في كل مكان، ومـن كل مكان، وحول كل مكان، ومن كل أحدٍ مسؤول.. وإن نطقَ نطق كذباً!
هل يعتقد المسؤولون أن هذه (الدهماء) من الشعب السوداني جاهلةٌ وطائشة وغيرُ راشدة ولا تستحق أن يُقال لها أيُّ شيء، لأنها لو قيل لها فلن تفهم؟!! وإذا فهمت فستفهمُ خطأً؟!!
هل يعتقدون أن هذه (الرجرجة) غير جديرة بالاحترام وأنها أقل من أن يُلقي لها بال؟!
لماذا لا يواجه المسؤولون الناسَ بالحقائق ولو كانت مُرة؟! لماذا لا يتحــملون مســـؤولياتهم ويخاطبون الناس من منطلق تلك المسؤوليات؟!
وأخــــــيراً..
أليس السيد الرئيس عمر البشير هو (رئيسُنا) وهو المسؤول الأول، وعلى رأس كل مسؤول في بلادنا السودان؟! أليس هو من يُنتظــر أخيراً أن يقول لنا: ما المشكلة؟ وما الحل؟ وأين نتجه؟ وماذا ننتظر؟! وماذا علينا أن نفعل؟!
لماذا لا يُخاطب السيد الرئيس الناسَ، ويوضِّح لهم المصير الذي ينتظرهم وعلى البلاطة؟!
لماذا لا يقول لهم: إن هذا الذي حدث ويحدث سببُه كذا وكذا، ولقد فعلنا كذا وكذا لوضع الأمور في نصابها أو حتى في غير نصابها؟!
عندما تنكسرُ الأمم، وتيأس، ويصيبها القنوط، وتنهار قواها، ودفاعاتها، وتتلاشى مكنونات القوةِ فيها، ينهضُ قادتُها لبثِّ الروح فيها من جديد لاستنهاضها.
هكذا فعلت كلُّ الأمم المنكسرة بعد الحرب الكونية الثانية.. ولكننا لسنا مثلهم في أعقاب حرب، ولسنا مثلهم أمةً منكسرة، ولا منهارة، ولا منهزمة.. وليس مطلوباً من قادتنا أكثر من مجرد توضيح مع (الصدق) والعزم على العمل.
فلماذا يستكثرون علينا ذلك؟! أم أنهم مثلنا لا يعرفون، ولا يملكون حلاً ولا ينتظرون، ومثلنا خائرون وحائرون؟!