الصحافة مهنة قديمة امتهنها النبلاء، وتسمى بالسلطة الرابعة. وفي تكوينات الدول الحديثة التي تمارس الديمقراطية نجد أن الصحافة لها دور رقابي أكبر من برلمانات الدول، وتقوم بدور مفصلي في الدولة، وتتمتع بتأثير قوي في الأداء العام، ويحسب لها ألف حساب، ومن هنا جاءت تسميتها بالسلطة (الرابعة).
ويعزى ذلك لأن البرلماني دائماً إما مؤدلج أو منضوٍ تحت كيان سياسي، وفي كلا الحالتين يكون أكثر حرصاً على تمرير رأي منظومته، بل القتال في سبيل تمرير أجندة حزبه.
أما الإعلام فهو مهنة حرة يتحكم فيها فقط رأي الكاتب وقتاعاته، وما يراه صواباً، وعلى عاتقها مسؤولية عظيمة ودور وطني مهم جداً.
وبناءً على ذلك، كان الواجب دائماً أن يمتهنها أناس ذوو ضمائر حية، وقيم فاضلة، كالأمانة والإخلاص والضمير الحي، والعفة، والنأي عن الارتزاق وبيع الأقلام.
ولكن للأسف في عهدنا هذا، حدثت بدع من بعض المتصحفين الذين أوردوا مهنة الإعلام مورد الهلاك، إذ عمل هؤلاء على امتهان مهنة الصحافة ثم اختزلوها فقط في وسيلتين وضيعتين للارتزاق الرخيص!
الوسيلة الأولى هي الابتزاز، إذ يكتب أحدهم مقالات في ظاهرها نقد أداء الحاكم، وفي باطنها يريد تركيع ذاك الحاكم لمساومته.
والوسيلة الثانية التملق للحاكم، ومحاولة الدفاع عنه بتزوير الحقائق، ومحاولة تحسين أدائه بمقالات (مكياج)، لا تزيد وضع الحاكم الا تأزماً!!..
ان امتهان بعض المتصحفين الفاشلين لمهنة الاعلام يحسب على الإعلام ؛ لأن الإعلام أقيم من مثل هذه الأفعال الصبيانية الوضيعةـ
هؤلاء يجعلون أنفسهم خط دفاع فاشلاً عن حاكم أفشل منه.
وطالعنا في أيامنا الأخيرة بدعاً من أمثال رجال حول فلان. وهذا في نظري سقوط سياسي للحاكم أكثر من رفع شأنه، فمن يكون أسيراً لتخدير هؤلاء الفاشلين ستكون النتيجة الحتمية هي السقوط المدوي له ولعصابته من المتصحفين، وذهابهم باستحقاق إلى مزبلة التاريخ.
نعم الإعلام مهنة ووظيفة، ومن حق ممتهنها أن يعيش على أجره، ومن عرق جبينه، وليس من مثل هذه البدع، مثل تسويق الفاشلين، ومحاولات التذاكي على الناس فذلك هو الغباء بعينه.
من الاستحالة تسويق مثل هذه البضائع الكاسدة في أسواق تشابه سوق عكاظ في النباهة والوعي.
يا اخوتي لسنا أوصياء علي أفعالكم، لكن عليكم فقط عندما تريدون الارتزاق ارتزقوا بعيداً من الاعلام، لأن الاعلام أشرف من أفعالكم.