الوزير السابق الذي على ما يبدو لا زال ينتظر نفحة من نفحات السلطا ، الأستاذ عبدالباسط سبدرات يذرف الدمع الذي أيضاً على ما يبدو لم يعُد نفيساً في زماننا الحالك هذا، والسبب أنه شاهد ما أسماه (تلاحماً وجدانياً) بين الشعب والحكومة ممثلة في جهاز الأمن والمخابرات، إذ انطلق في تفجير (قنبلته الموقوتة) هذي من منطق شعور المواطنين بالأمان والثقة وعدم الخوف، وهم يركبون عربات الجهاز بلا وجل ولا توجس، بعد أن صدرت تعليمات عُليا من قيادة الجهاز تأمُر بالدفع بعربات الجهاز؛ لنقل المواطنين في ظل ما تعانيه البلاد والعباد من أزمات و(ورطات)، كان آخرها أزمة الوقود وانعدام المواصلات.
وعلى الرغم من (جهنمية) الفكرة ومنطقية إخراجها الدرامي الذي بلا شك سيسَعد به القائمون على أمر السلطة، ومصير سبدرات مِما تبقى من كعكة المصلحة التي باتت في طريقها إلى الزوال الأبدي، إلا أن الحُصفاء من أبناء هذا الوطن الصامد ربما تمنَّوا لو كان سبدرات قد ذرف دموعه (الغالية) على حال البلاد الذي وصلت إليه، والذي لا يمكن أن يناسبه وصف سوى (الانهيار الكبير).
لماذا غلت دموعه ولم يبك على الانهيار الاقتصادي للسودان، وعجز الحكومة عن إدارة الأساسيات، مثل: توفير الوقود، ودفع مرتبات دبلوماسييها بالخارج، ذلك الأمر الذي أودى بوزير الخارجية غندور -عبر تصريحٍ حزين في طيَّاته أيضاً (بعض الدموع والشجن)- إلى خارج أسوار السلطة، وقد كان من عرابها وقادتها ومهندسيها.
لماذا يا سبدرات لم تذرف دمعك النفيس، وأنت ترى أطفال الشوارع والنساء والعجزة يسألون الناس لقمة العيش المتواضعة في الإشارات المرورية، والأسواق، وعلى عتبات آلات الصرف الآلي الخاوية من النقود، وهم ضحايا الحرب في دارفور، وضحايا الفقر في أطراف العاصمة، وضحايا المرض الذي استحال اتقاءه والاستشفاء منه لغير الذين تدنَّست أيديهم في مستنقع الفساد والثراء الحرام.
كان حقاً عليك أن تذرف الدموع على انهيار الخدمة المدنية، وهوان الناس على مؤسسات الدولة وقنواتها الرسمية، إلا مَن أذعن ورفع راية الاستسلام والخضوع، واستعد لرفع راية الباطل.
كنا ننتظر دموعك على الآلاف من الشرفاء والشريفات في بلادي الذين خرجوا يوم تقرَّرت زيادة أسعار الخبز إلى ضعفين، فاعتقلهم رجالات الأمن أنفسهم الذين تمدحهم اليوم، وقد أودعوهم السجون والمعتقلات، والعالم كله يشهد، ولا مجيب لأصوات الحق في غابة الباطل، التي تمددت سوحها، وعمت القاصي والداني.
لماذا لم تبك على ضياع مؤسساتنا الوطنية التي كانت على ما يبدو آخر ما يُعبِّر عن سمو هذا الوطن وسيادته؛ لكونها كانت (السند) الصامد لاقتصادنا وقت الأزمات، وجور الزمان: مشروع الجزيرة، والنقل النهري، وسكك حديد السودان، وسودانير، وشركة الصمغ العربي، والنقل الميكانيكي، وممتلكات السودان وعقاراته في لندن، وخط هيثرو، وجنوب السودان الجريح.
ولماذا لم تبك على ما دخل جيوب القطط السمان (اسم الدلع الذي أطلقه عليهم رئيس الجمهورية) من أموال السودان الطائلة، وموارده الزاخرة، وحقوق شعبه الصابر بلا حدود.
وإذا بقيت في المُقل بعض قطراتٍ من دموع أدعوك سبدرات أن تزور المستشفيات، وترى بأم عينك كيف منع الفقر البسطاء من أن يتمسكوا بحبل الحياة، وكيف يعجز الآباء والأمهات عن الوفاء بمستلزمات علاج أبنائهم.
ما يدعو إلى البكاء كثيرٌ في بلادنا، فليوفِّر من بقيت لديه بضع قطراتٍ من دموع ليوم الفرح الكبير .. العِزة لله وللشعب والوطن.
(جريدة “الجريدة”)