تناقلت الصحف قبل يومين تصريح وزير الدولة بوزارة النفط سعد الدين البشرى “إن مشكلة الوقود هي مشكلة تمويل”، وأضاف في حديثه للبرلمان “ماحا اتكلم عن القروش عشان ما ألحق غندور”.
ولعمري إن عبارة الوزير لهي أبلغ تجسيد للابتذال السياسي الذي ظل يمارسه نظام الإنقاذ منذ ثلاثة عقود.
المشهد هو الأتي:
وزير يحمل أمانة في عنقه يخاف أن يفصح عما يجري داخل أروقة وزارته، وأن يذكر الأسباب الحقيقية لندرة المحروقا،ت والحل المدعّم بالارقام، وأن يكون شفافاً في قول هذه الحقائق أمام الشعب. كلا!
هذا الوزير الإنقاذي كان همه الأول والأخير ألا تطاله الإقالة إذا تكلم بشفافية!!
لو علم أن الاستقالة أشرف له ألف مرة من عبارته تلك!
طبعاً نحن هنا ليس في معرض اعتبار غندور من أهل الصدق والحق لا سمح الله .. وهو عنصر من عتاة نظام الإنقاذ الوالغين في جرائم ضد الشعب، والغارقين فيها حتى أذنيهم. ربما تصريحه بعدم صرف مرتبات السفارات من باب المكايدة السياسية، أو يعلم أنه في الحالتين هو الضائع .
ما يهمنا هنا المقايضة الوضيعة التي يفرضها الطغاة على مر حقب التاريخ: بين كلمة الحق وحياة ومستقبل من يقولها، ويتصدى لها.
لذا كانت كلمة الحق أمام سلطان جائر موجبة لدخول الجنة. فالذين يمتلكون الشجاعة لقول الحق أمام الطغاة، ويضحّون بحياتهم أو مستقبلهم هم قلة قليلة من الناس، ولكنهم بقولهم الحق يصنعون فرقاً، و يفتحون كوة للمستقبل، وهذا شرف بالتأكيد لن يناله أعداء الحرية.
وعليه، لم يكن مستغرباً على النظام الذي تفنن في كتم الأصوات التي تجاهر بقول الحق بكل ما اُوتي من قوة، والتحكم في سقوف الكلام، واتجاهات الرأي وقمعه للصحافة والشعب، وكل صاحب راي حر أن يمنع جهاز أمنه الصحف من نشر اخبار ندرة الوقود !
وكأن الشعب يحتاج إلى الصحف ليعلم أن هناك ندرة في الوقود، وهو الذي يصارع يومياً صفوف البقاء أمام محطات الوقود التي لم تعدم صفوف السيارات المتراصة أمامها، أو تعدم عناصر الأمن المتربصة بالمواطن، ولكنها عدمت قطرات الوقود والطاقة التي تجعل عجلة المعاش والدولة تدور.
لكن المفارقة العجيبة في ظل طقوس الكذب والتعتيم التي يتقنها النظام ووزراؤه الذين يجبنون عن قول الحقيقة للشعب أن يصرح رئيس وزراء النظام بكري حسن صالح أمام نواب البصمة “أن وزراة المالية عجزت عن توفير 102 مليون دولار من أجل صيانة مصفاة الخرطوم!!”.
هل يعلم نائب الرئيس أن الإقالة لن تطاله (محاباة) بوصف أن السلطة في يد صاحبه الرئيس (الفردة)، ومن ثم، هي تخضع للأهواء والنزوات الشخصية ؟ أم هو يائس مثل هيك الغندور المقال؟ أم أن التصريح مقدمة لإعلان إفلاس الدولة رسمياً..وهو قرار له ما بعده؟
كل هذا التضارب في التصريحات، وعجز وزراء النظام عن قول”البغلة في الإبريق”، والمفارقات التي يكذبها الواقع الماثل تشي بحقيقة وحيدة، وهي: أن مقود الاقتصاد قد فلت تماماً من يد النظام وحكومته البائسة، وأن الفشل تمظهر في كل ركن من أركان الدولة.
ﺑﻠَﺪٌ ﻳُﻮﻟَﺪُ ﻣﻦ ﻗﺒﺮ ﺑَﻠَﺪ .. ﻭﻟﺼﻮﺹٌ ﻳﻌﺒﺪﻭﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻲ
ﻳﻌﺒﺪﻫﻢ ﺷَﻌﺐٌ .. ﻣﻠﻮﻙٌ ﻟﻸﺑﺪ ﻭﻋﺒﻴﺪٌ ﻟﻸﺑﺪ