غلاف الكتاب
أُتيحت لي فرصة الإطلاع على مسودة ترجمة الأخ العالم أحمد دقاش لكتاب – النوبة دراسة أنثروبولوجية عن قبائل جبال النوبة بكردفان – لمؤلفه البروفيسور أف. أس.نادل.
شدني إلى قراءة الكتاب ما خطه المترجم في الإهداء والمقدمة وما عرضه من ملاحظات حول الكتاب تشير إلى أهميته؛ لارتباط قضية النوبة بمسألة الهوية الوطنية التي ما زالت عصية على السياسيين والنخب، وهو الأمر الذي شجعني على إكمال قراءته خلال وقت وجيز.
جاءت ترجمة الكتاب بشكل دقيق ولغة سلسة مرجعها اهتمام المترجم بقضية جبال النوبة بوصفه جزءاً من تلك المنطقة، ومعايشاً لقبائلها منذ الطفولة، وبصفته من المهتمين بالدراسات الاجتماعية، وكل ما يتصل بقضايا وثقافة تلك المنطقة. وقضايا التهميش على مستوى الوطن بصفة عامة تشكل تهديداً للوحدة الوطنية.
هذا الأمر شجع المترجم – كما ذكر- على تقديم الكتاب لقراء العربية تعريفاً بتلك القبائل التي ظلت تبحث عن موقع يليق بمجاهداتها وتاريخها في النسيج الوطني.
إن كتاب البروفيسور نادل في بحثه عن هوية النوبة يحتوي على معلومات مفصلة حول العادات والتقاليد والتكوين الثقافي والاجتماعي والسياسي والإداري والمعتقدات الدينية وملكية وتوارث وإدارة الأرض، والتقاليد والأعراف المرتبطة بذلك كله، والميراث.
وبهذا التفصيل، فإن الكتاب يشكل مرجعاً نادراً يجعله ذا قيمة خصوصاً، ومدخلاً مهماً للتعارف والتعايش وإدارة التنوع في إطار الوطن الواحد.
إن ما جعل ترجمة الكتاب عملاً دقيقاً وممتعاً هو استناد المترجم إلى معرفته الدقيقة، وخلفيته عن قبائل النوبة، وبطونها، ومعايشته لهم طوال حياته.
وقد اهتم المترجم بالكتاب ومحتواه منذ اللحظة التي وقع عليه عينه، وهو طالب، ومن ثم تتبعه سنوات طويلة، وحرص على الحصول عليه.
إن خبرة الأخ العالم دقاش الطويلة في عالم الترجمة، وإيمانه بها بوصفها عملاً ممتعاً ومروضاً للذهن، إضافة إلى ما أتبعه من منهج علمي في بحثه بالرجوع إلى مجموعة من الكتب المتخصصة في مجال الأنثربولوجيا للتعرف إلى المصطحات والمفاهيم التي يرتكز عليها المؤلف، وحرصه على المزاوجة بين حرفية الترجمة والتصرف المحسوب؛ لتفادي الجمود، وقتل روح الإبداع والحيوية المطلوبة – كما ذكر- جعل محتوى الكتاب جاذباً لا تمل قراءته.
إن صبر المترجم ومثابرته عامين كاملين لتقديم كتاب قيم بهذا المستوي يحتوي على أكثر من 500 صفحة، وبمنهجية ودقة متناهيين يعدّ إنجازاً كبيراً يستحق عليه التهنئة والتقدير، وهو يقدم للمكتبة السودانية ولجميع المهتمين بالدراسات الاجتماعية والسياسة كتاباً لا غنى عنه من أجل فهم دقيق لطبيعة ثقافات قبائل تلك المناطق، ودورها، والمقاربة بين مختلف القبائل السودانية وصولاً إلى مفاهيم وطنية مشتركة يمكن أن تساهم في حل قضايا المناطق المهمشة، وتكون مدخلاً ورافداً للتعارف والتعايش والتعاضد وإدارة التنوع مع الوحدة بين مكونات الوطن.